كان يُنظر سابقًا إلى تمويل الغير للتقاضي والتحكيم على أنه يتعارض مع النظام العام. أما حالياً، فهو يُسهل بشكل كبير الوصول إلى العدالة؛ إذ لا يملك العديد من الأطراف الموارد المالية اللازمة لتغطية تكاليف التقاضي أو التحكيم الدولي، إلا أن تمويل الغير قد مكن العديد من الدعاوى الجادة من النجاح. كما يُلجأ إلى تمويل الغير غالبًا في الدعاوى الجماعية، حيث قد تكون متابعة المطالبات أمراً صعباً بسبب مشاركة العديد من المدعين الذين تكبدوا خسائر قليلة نسبياً.
وبتاريخ 26 يوليو 2023، أصدرت المحكمة العليا بالمملكة المتحدة (UKSC) الحكم الذي طال انتظاره في دعوى (R) ( بناء على طلب شركة PACCAR وأخرين) ضد محكمة الاستئناف الخاصة بالمنافسة وآخرين". وقد وجدت المحكمة العليا أن عقود تمويل التقاضي (LFAs) تعتبر عقود قائمة على الضرر (DBAs) وبالتالي تخضع لأحكام قانون المحاكم والخدمات القانونية لعام 1990 (CLSA 1990)، ولوائح التعويض بناءً على نتائج الدعوى لعام 2013 (The DBA Regulations). وبناءً عليه، تخضع قابلية إنفاذ عقود تمويل التقاضي لشروط محددة منصوص عليها في الفصل (58AA(4)) والتي تنطبق على التفاقيات القائمة على الضرر (DABs).
ومن المقرر أن أي اتفاقية تمويل تقاضي لا تفي بمتطلبات الفصل (58AA) من قانون المحاكم والخدمات القانونية لعام 1990 ستعتبر غير قابلة للتنفيذ. وعلى الرغم من أن الحكم ذو طابع قانوني بحت، إلا أن له تداعيات عملية مهمة على التحكيمات الدولية التي يتم تمويلها من قبل ممولين من الغير مقيمين في المملكة المتحدة.
الآثار العملية للقرار على تمويل الغير
لحكم المحكمة العليا للمملكة المتحدة آثار جوهرية على تمويل الغير، تشمل هذه الأثار ما يلي:
أقرت المحكمة بأن عقود تمويل التقاضي (LFAs) الموقعة حتى الآن لا تتوافق بشكل "مألوف" مع الشروط المنصوص عليها في الباب (58AA) من قانون المحاكم والخدمات القانونية لسنة 1990 (CLSA) والمطبقة على العقود القائمة على الضرر (DBAs). وشددت المحكمة على أنه إذا اعتبرنا أن عقود تمويل التقاضي هي من قبيل العقود القائمة على الضرر، فإن النتيجة المحتملة عمليًا ستكون عدم قابلية تنفيذ معظم عقود تمويل الغير للتقاضي بموجب هذا الحكم وفقًا للقانون الحالي.
ونظراً لعدم قابلية إنفاذ معظم عقود تمويل التقاضي (LFA) بموجب القواعد الحالية، فمن المرجح أن يسرّع الممولون عملية تعديل العقود الحالية، إما لمواءمتها مع متطلبات عقود تسوية المنازعات المبنية على أساس الضرر (DBA)، أو لإدراج طريقة دفع لا ترتبط بالمبالغ التي يتم استردادها كتعويضات عن الأضرار. فعلى سبيل المثال، لا يزال بإمكان ممولي الغير الاسترداد مضاعف لمبلغ التمويل الذي قدموه.
ومن الضروري أن يتوصل الأطراف سريعًا إلى اتفاق بشأن الصيغة المعدلة لعقود تمويل التقاضي (LFAs)، فمن المرجح أن يعلق الممولون دفع الأموال إلى حين الاتفاق على صيغة معدلة أو جديدة لإتفاقية تمويل التقاضي. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق بشكل سريع، فإنه قد يؤدي ذلك إلى تأخير غير مبرر في الإجراءات القضائية أو التحكيم.
ووفقًا للفصل 47C(8) من قانون المنافسة لعام 1998 (CA 1998)، وعلى النحو الذي أكدته المحكمة العليا بالمملكة المتحدة، تعتبر اتفاقية التعويض على أساس الضرر غير قابلة للتنفيذ إذا كانت متعلقة بإجراءات جماعية اختيارية للانسحاب حتى لو كانت تتوافق مع المتطلبات المنصوص عليها في الفصل 58AA . ويؤدي حكم المحكمة العليا بالمملكة المتحدة إلى عدم اليقين بشأن عقود تمويل التقاضي التي تنص على إجراءات جماعية اختيارية للانسحاب ، وبالتالي من المحتمل أن تخلق تعقيدات عملية في هذا الصدد. ما لم يتضح إمكانية - وكيفية - قيام الممولون بإعادة هيكلة عقود تمويل التقاضي الخاصة بهم ضمن إجراءات جماعية اختيارية للانسحاب لتجنب تصنيفها على أنها عقود تعويض على أساس الضرر.
ومازالت الأثار طويلة المدى لهذا القرار على قطاع تمويل التقاضي في المملكة المتحدة، الذي شهد نموًا ملحوظًا في العقود الأخيرة، غير معروفة. ومن المحتمل أن تكتسب المناقشات حول مصير عقود تمويل التقاضي (LFAs) زخمًا داخل البرلمان في الأشهر والسنوات المقبلة، مما يؤدي ربما إلى سن تشريعات إضافية تهدف إلى تخفيف عواقب هذا الحكم.
خلفية الدعوى المتعلقة بتمويل الغير
فيما يتعلق بالمسألة التي تناولتها المحكمة العليا بالمملكة المتحدة ، كان هناك سؤال جوهري: هل تخضع عقود تمويل التقاضي (LFAs) ، التي يحق للممولون فيها الحصول على جزء من التعويضات التي يتم منحها، إلى فئة العقود القائمة على الضرر (DBAs) ؟ وكان الجواب على هذا السؤال يعتمد على ما إذا كان تمويل التقاضي يندرج ضمن إطار تعريف عقود القائمة على الضرر المنصوص عليه في قانون المحاكم والخدمات القانونية لعام 1990 (CLSA 1990) واللوائح المنظمة لتلك العقود.
وقد ثار التساؤل في سياق طلبات أوامر الإجراءات الجماعية ("CPO") التي قدمتها شركة UK Trucks Claim Ltd ورابطة النقل البري بموجب الفصل (47B) من قانون المنافسة لعام 1998. للحصول على أمر إجرائي جماعي من محكمة الاستئناف الخاصة بالمنافسة، ويحتاج المطالبون في ذلك إلى إثبات وجود ترتيبات مالية مناسبة. وفي هذا الصدد، اعتمدوا على عقود تمويل التقاضي الموقعة مسبقًا. وبموجب العقود، تعهد ممولو التقاضي بتمويل الإجراءات القانونية مقابل نسبة مئوية محددة من أي تعويضات يتم منحها في الدعوى. ورد الأطراف المعارضون على طلبات أوامر الإجراءات الجماعية بأن عقود تمويل التقاضي تندرج تحت تعريف العقود القائمة على الضرر وفقًا للفصل (58AA(3)) من قانون المحاكم والخدمات القانونية لعام 1990 وبالتالي فهي غير قابلة للتنفيذ.
ويحمل هذا التساؤل تداعيات جسيمة: فإذا ما اعتُبرت عقود تمويل التقاضي (LFAs) ضمن العقود القائمة على الضرر (DBAs)، فسيتم اعتبارها غير قابلة للتنفيذ وغير قانونية؛ كونها لا تستوفي المتطلبات الرسمية لمثل هذه العقود وفقًا للأنظمة المعمول بها. وعلى العكس من ذلك، إذا لم تُعتبر عقود تمويل التقاضي (LFAs) ضمن العقود القائمة على الضرر (DBAs)، فلن تخضع لقانون المحاكم والخدمات القانونية (CLSA) وبالتالي ستظل قابلة للتنفيذ.
تابع كل ما يخص التحكيم الدولي على الواتس اب
انضم لمجموعة الأكاديمية الدولية للوساطة والتحكيم IAMA ليصلك كل جديد التحكيم الدولي للانضمام اضغط هنا