تقرير الأونكتاد أحكام التحكيم الاستثماري: بين تضخيم التعويضات وسيادة الدول ٢٠٢٤
2024/09/21

أطلق أحدث تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) 2024 جرس الإنذار بشأن زيادة كبيرة في أحكام التحكيم بين المستثمر والدولة خلال العقدين الماضيين. وقد أدى هذا الاتجاه، الذي يتميز بارتفاع قيمة الأحكام وتواترها المتزايد، إلى آثار عميقة على الاستثمار الدولي والتوازن بين حماية المستثمر وسيادة الدولة.

ومن أبرز النتائج التي توصل إليها التقرير الزيادة الكبيرة في متوسط قيمة الأحكام. فمنذ عام 2003، ارتفعت هذه القيم بعشرة أضعاف، لتصل إلى حوالي 256 مليون دولار أمريكي بين عامي 2014 و2023. علاوةً على ذلك، فإن أكثر من ربع القضايا التي تحكم لصالح المستثمرين تؤدي الآن إلى أحكام تتجاوز 100 مليون دولار أمريكي. ويعزى هذا الاتجاه جزئياً إلى الاستخدام المتزايد لطريقة التدفق النقدي المخصوم (DCF)، حتى بالنسبة للمشاريع في مراحلها المبكرة، والتي يمكن أن تؤدي إلى تضخيم الأضرار المحتملة.

كما يسلط التقرير الضوء على دور الاتفاقيات الاستثمارية القديمة في دفع هذا الاتجاه. وغالبًا ما تفتقر هذه الاتفاقيات، التي تشكل الأساس لـ 98٪ من قضايا التحكيم بين المستثمر والدولة، إلى إرشادات واضحة للتعويض. ويمكن أن يؤدي هذا الغموض إلى خلق فرص للمستثمرين للسعي للحصول على تعويضات مبالغ فيها، خاصةً عندما يتم دمجه مع الاستخدام المتزايد لطريقة التدفق النقدي المخصوم.

وقد أدت ظاهرة (موجات التقاضي) إلى تفاقم هذه المشكلة. فعلى سبيل المثال، واجهت إسبانيا موجة من قضايا التحكيم بين المستثمر والدولة المتعلقة بقطاع الطاقة المتجددة، مما كان لها تأثير مالي كبير على الحكومة.

ونظراً لهذه التطورات، يؤكد تقرير الأونكتاد على ضرورة إجراء إصلاحات عاجلة لتخفيف الأحكام المبالغ فيها. كما تنبغي مراجعة الاتفاقيات الاستثمارية القديمة لتشمل إرشادات تعويض أوضح، وينبغي على الدول تنفيذ بنود تعويض مخصصة في الاتفاقيات المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، قد يحتاج المحكمون إلى النظر في عوامل سياقية أوسع عند تقييم التعويض، مثل الآثار الاقتصادية والاجتماعية لقراراتهم.

ويثير ارتفاع أحكام التحكيم بين المستثمر والدولة أسئلة مهمة حول التوازن بين حماية المستثمر وسيادة الدولة. ففي حين أن للمستثمرين حقًا مشروعًا في طلب التعويض عن الانتهاكات والخسائر، فإن الأحكام المبالغ فيها يمكن أن تقوض قدرة الدول على متابعة أهداف السياسة العامة. فمن الضروري إيجاد طريقة لضمان أن يكون التحكيم بين المستثمر والدولة آلية عادلة وفعالة لحل المنازعات دون المساس بسيادة الدول بشكل غير مبرر.

ومع تطور المشهد الاستثماري الدولي، من الضروري الانخراط في نقاش متعمق وشامل حول مستقبل التحكيم بين المستثمر والدولة. فمن خلال معالجة التحديات المذكورة في تقرير الأونكتاد، يمكننا العمل نحو نظام أكثر توازنًا واستدامة يحمي حقوق المستثمرين مع احترام سيادة الدول.

 

ويذكر أنه في مجال التحكيم الاستثماري يشير اختصار (DCF) لـ "Discounted Cash Flow" أو "التدفقات النقدية المخصومة". تُستخدم هذه الطريقة لتقدير القيمة الحالية للمشروع أو الأصل أو الاستثمار بناءً على التدفقات النقدية المستقبلية المتوقع أن يولدها، وذلك بعد خصمها بمعدل خصم يعكس المخاطر المرتبطة بهذه التدفقات.

في التحكيم الاستثماري، غالبًا ما تُستخدم طريقة DCF لتقييم الأضرار أو الخسائر التي يدّعي المستثمرون أنهم تكبدوها نتيجة للإجراءات التي قامت بها الدولة المضيفة للاستثمار، مثل المصادرة أو انتهاك حقوق الاستثمار. تُعد هذه الطريقة شائعة لتحديد قيمة الأضرار الاقتصادية أو الخسائر المالية في قضايا التحكيم الاستثماري لأنها تأخذ في الاعتبار العوامل الاقتصادية المستقبلية وتتنبأ بالعائدات المتوقعة.

تشمل خطوات استخدام DCF في التحكيم الاستثماري:

1.   تقدير التدفقات النقدية المستقبلية: من المشروع أو الاستثمار المتنازع عليه.

2.   اختيار معدل الخصم: يعكس المخاطر الاقتصادية والبيئية والسياسية.

3.   خصم التدفقات النقدية: إلى القيمة الحالية للحصول على تقدير للقيمة الحالية الصافية (Net Present Value) للاستثمار.

هذه الطريقة تُعتبر دقيقة نسبيًا ولكنها تعتمد على فرضيات وتوقعات، مما قد يؤدي إلى اختلاف التقديرات بين الأطراف في النزاعات الاستثمارية.

لتحميل التقرير