2025/05/20

في حكمٍ قضائي بالغ الأثر صدر عن المحكمة العليا الهندية بتاريخ 30 أبريل 2025، تم حسم مسألة قانونية محورية تتعلق بحدود تدخل القضاء في مضمون الأحكام التحكيمية، لاسيما عند نظر دعاوى البطلان المقدمة بموجب المادة 34 من قانون التحكيم والمصالحة الهندي لعام 1996. وقد نُظرت القضية في سياق الطعن المقدم من السيدة غاياتري بالاسامي ضد شركة ISG Novasoft Technologies Ltd، لتُشكّل هذه الدعوى مناسبة لإعادة النظر في مدى جواز تعديل المحاكم للأحكام التحكيمية بدلاً من مجرد إبطالها كليًا أو جزئيًا.

وقد أصدرت المحكمة حكمها من خلال هيئة خماسية، أقرّت فيه بمبدأ قانوني دقيق مفاده أن للمحاكم سلطة محدودة في تعديل الأحكام التحكيمية، في حالات استثنائية ومقيدة، لا تمس جوهر النزاع أو تقييمه الموضوعي. ويأتي هذا التوجه في إطار تفسير متوازن للمادة 34، بما يحقق الانسجام بين مقتضيات العدالة ومبدأ استقلالية التحكيم.

أسس التدخل القضائي بالتعديل وفقًا للحكم

حددت المحكمة الحالات التي يجوز فيها للمحكمة التدخل بالتعديل كما يلي:

1.   في حال قابلية الحكم للتجزئة :(Severability) بحيث يمكن فصل الجزء غير المشروع أو الخارج عن اختصاص هيئة التحكيم عن باقي الحكم دون الإخلال ببنيته الأساسية.

2.   الخطأ المادي: لا يتطلب إعادة النظر في موضوع النزاع، مثل التناقض الظاهر بين المنطوق والأسباب أو أخطاء في احتساب الفائدة أو المبالغ المحكوم بها.

3.   فيما يتعلق بسعر الفائدة بعد صدور الحكم :(Post-award interest) حيث قد تقتضي العدالة تصحيح هذه الجزئية بما يتناسب مع الوقائع المستجدة.

4.   بموجب السلطة الدستورية للمحكمة العليا المنصوص عليها في المادة 142 من الدستور: وذلك بهدف تحقيق (العدالة الكاملة)، شريطة أن يتم هذا التدخل بحذر شديد وفي نطاق ضيق.

موقف الأقلية من الحكم

ورغم صدور الحكم بالإجماع من الغالبية، فقد أبدى أحد القضاة رأيًا مخالفًا، تمسك فيه بأن المادة 34 من قانون التحكيم لا تمنح المحاكم سوى سلطة الإبطال، ولا تجيز أي تعديل أو إعادة صياغة للحكم التحكيمي، حتى في حال ثبوت عدم العدالة أو الإنصاف. وذهب القاضي المعارض إلى أن السماح بالتعديل يعد خرقًا صريحًا لمبدأ استقلال التحكيم، ويُفضي إلى زعزعة الثقة في هذه الوسيلة البديلة لحل النزاعات. كما اعترض على توسيع نطاق المادة 142 من الدستور بشكل قد يتعارض مع الحدود التي رسمها المشرع للتحكيم القضائي.

الدلالة القانونية للحكم

جاء الحكم ليرسي توازنًا دقيقًا بين مبادئ متقابلة: فمن جهة، أكد على مبدأ الحد الأدنى من تدخل القضاء في التحكيم احترامًا لاستقلاليته، ومن جهة أخرى، أقر بوجود حالات واقعية قد تجعل من التعديل وسيلة ضرورية لتفادي ظلم بيّن أو ضرر جسيم لا يمكن تداركه من خلال إبطال الحكم أو إعادة التحكيم من جديد. ويُعزز هذا التوجه العدالة في التطبيق القضائي، دون أن يتحول إلى سلطة استئنافية مقنّعة.

خلاصة القول، يُشكل هذا الحكم سابقة قضائية هامة في اجتهاد المحكمة العليا الهندية، ويعد خطوة باتجاه إرساء فهم مرن وعقلاني لصلاحيات القضاء في ضوء التطور الذي يشهده مجال التحكيم. كما يضع معيارًا قانونيًا واضحًا ومقيدًا لإمكانات تعديل الأحكام التحكيمية دون المساس بجوهر استقلالية هذه المنظومة البديلة.