في سياق تنامي استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومع تصاعد المخاوف حول استخدام الأعمال الإبداعية المحمية ضمن بيانات تدريب النماذج الذكية دون إذن، صدر مؤخرًا في 25 يونيو 2025 حكم قضائي مهم عن المحكمة الفيدرالية في نيويورك في دعوى جماعية رفعها عدد من المؤلفين الأمريكيين ضد شركة Microsoft وOpenAI.
تمثل هذه الدعوى واحدة من أخطر القضايا في ملف الذكاء الاصطناعي وحقوق الملكية الفكرية، وكانت محل متابعة واهتمام من الباحثين والقانونيين، لما لها من أثر محتمل على مستقبل العلاقة بين حماية حقوق المبدعين والتطور التقني في مجال الذكاء الاصطناعي.
أولًا: ملخص الوقائع
أقام المدعون (وهم مجموعة من المؤلفين من بينهم أسماء حائزة على جوائز أدبية وصحفية مرموقة) دعوى جماعية أمام المحكمة الجزئية الأمريكية للمنطقة الجنوبية بنيويورك ضد شركتي OpenAI وMicrosoft، متهمين إياهما باستخدام مؤلفاتهم المحمية بحقوق الطبع والنشر في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي دون ترخيص أو تصريح منهم، بما يخالف القانون الأمريكي.
استند المدعون إلى أن Microsoft استخدمت ملايين الكتب (من بينها كتبهم) ضمن قاعدة بيانات مقرصنة تدعى (Books3)، جُمعت من مواقع مثل LibGen وZLibrary و Bibliotik دون إذن أصحاب الحقوق، وذلك لتدريب نماذج ضخمة مثل Megatron-Turing وChatGPT وCopilot. وأكدوا أن Microsoft كانت على علم بأهمية هذه الكتب في تحسين جودة النماذج التجارية التي تحقق أرباحًا ضخمة للمدعى عليهم، دون أي مقابل لأصحابها أو محاولة للحصول على ترخيص منهم.
وقد أقام المدعون هذه الدعوى بصيغة دعوى جماعية، بما يتيح لأي كاتب تضرر من استخدام أعماله في هذه القاعدة أن يكون جزءًا من الخصومة.
ثانيًا: حكم المحكمة
قدمت Microsoft طلبًا عاجلًا لشطب الدعوى بالكامل بحجة عدم وجود مخالفة قانونية واضحة أو ضرر مباشر، إلا أن المحكمة رفضت هذا الطلب بشكل قاطع، معتبرة أن الاتهامات المقدمة تنطوي على أساس قانوني كافٍ يقتضي الاستمرار في نظر الدعوى، بما يعد انتصارًا مهمًا للمدعين في هذه المرحلة.
قضت المحكمة بعدم قبول بعض طلبات المدعين المتعلقة بالمطالبات بموجب قانون حقوق الطبع والنشر بسبب عدم تقديم أدلة كافية على النسخ المباشر للأعمال المحمية بشكل محدد داخل مخرجات النماذج، لكنها في الوقت ذاته سمحت ببقاء بعض المطالبات المتعلقة بانتهاكات محتملة لقوانين المنافسة غير العادلة والإثراء غير المشروع قيد النظر، مع إتاحة الفرصة للمدعين لتقديم مزيد من الأدلة التفصيلية المتعلقة بالنسخ المباشر في مراحل لاحقة.
ثالثًا: أسانيد المحكمة القانونية
استندت المحكمة في حكمها إلى ما يلي:
- ·قانون حقوق الطبع والنشر الأمريكي (U.S. Copyright Act): أوضحت المحكمة أن إثبات وجود انتهاك يتطلب تحديد العمل المحمي وإثبات النسخ الفعلي بشكل قابل للإثبات، وهو ما لم يتوفر بشكل كامل في هذه المرحلة.
- قوانين المنافسة غير العادلة (Unfair Competition): أقرت المحكمة بأن الدعوى تحتوي على مزاعم قد تندرج ضمن المنافسة غير العادلة، مما يقتضي النظر فيها بعد استكمال تقديم الأدلة.
- مبدأ الاستخدام العادل (Fair Use): أشارت المحكمة إلى إمكانية إثارة مسألة الاستخدام العادل لاحقًا كدفاع من المدعى عليهما، الأمر الذي يستلزم تقييمًا قانونيًا وواقعياً مفصلًا.
- إجراءات الدعاوى الجماعية: أوضحت المحكمة أن الدعوى الجماعية ستظل قائمة لحين الفصل في طلبات المدعين المتعلقة بإثبات الضرر الجماعي الناتج عن استخدام أعمالهم.
كما تناولت المحكمة بالتفصيل طبيعة عمل نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة وآليات تغذيتها على المحتوى النصي، موضحة أن جودة المحتوى المستخدم في التدريب تنعكس بشكل مباشر على كفاءة هذه النماذج، مما يجعل استخدام مؤلفات المؤلفين عنصرًا محوريًا في تطويرها.
خاتمة
يعكس هذا الحكم التحديات القانونية المستجدة في التعامل مع الذكاء الاصطناعي في سياق حماية حقوق الملكية الفكرية، ويبرز مدى تعقيد إثبات الانتهاكات في سياق تدريب النماذج واسعة النطاق باستخدام أعمال محمية بحقوق النشر. كما يمثل رفض المحكمة شطب الدعوى بالكامل انتصارًا مهمًا للمؤلفين، ويفتح الباب أمامهم لتقديم أدلة أكثر تحديدًا لإثبات الضرر الاقتصادي والمعنوي الناتج عن استخدام الذكاء الاصطناعي للأعمال الإبداعية بشكل غير مرخص.
ستكون هذه القضية محطة رئيسية في تطوير الإطار القانوني المستقبلي لاستخدام الأعمال المحمية في تدريب النماذج الذكية تجاريًا، وستفتح الباب لمناقشات أعمق حول ما إذا كان يحق للشركات استخدام الإنتاج الأدبي البشري كوقود لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي دون موافقة أصحابه، مما يجعلها من أهم القضايا المؤثرة في مستقبل العلاقة بين الإبداع البشري والتكنولوجيا خلال السنوات القادمة.