في ظل ازدهار التحكيم التجاري كأداة فعالة لحل المنازعات بعيدًا عن المحاكم، تظل مسألة احترام النظام العام وضمان صحة الإجراءات التحكيمية ذات أهمية قصوى. في هذه القضية، طعن المدعون على حكم تحكيمي صادر عن مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي أمام محكمة استئناف القاهرة، بحجة مخالفته للنظام العام وقصوره في التسبيب، مما أثار تساؤلات حول استقلالية شرط التحكيم وآثاره القانونية.
ملخص الوقائع
بتاريخ 18 أبريل 2023، أقام المدعون دعوى ببطلان حكم التحكيم رقم 1511 لسنة 2021 الصادر بتاريخ 29 يناير 2023؛ حيث نشأ النزاع حول تنفيذ اتفاقية ضمان تتضمن شرط تحكيم؛ حيث قررت هيئة التحكيم عدم الاختصاص استنادًا إلى انتهاء أجل عقد الضمان مما يترتب عليه انتهاء شرط التحكيم المضمن فيه. دفع المدعون ببطلان الحكم لأسباب تتعلق بمخالفته للنظام العام، وقصور في التسبيب، وإغفال الرد على الدفوع، وتجاوز المدة الزمنية لإصدار الحكم.
الحكم وأسانيده القانونية
بتاريخ 6 نوفمبر 2024، قضت المحكمة ببطلان حكم التحكيم الصادر عن مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، وألزمت المدعى عليهما الأول والثاني بالمصروفات وأتعاب المحاماة استنادًا إلى نصوص قانون المرافعات وقانون المحاماة. وقد جاءت أسانيد المحكمة للآتي:
1. مدى تجاوز المدة الزمنية لإصدار الحكم:
استنادًا إلى اتفاق الخصوم على إخضاع التحكيم للقواعد الإجرائية لمركز القاهرة الإقليمي، رأت المحكمة أن هذه القواعد تمنح هيئة التحكيم مرونة في تحديد المدة اللازمة لإصدار الحكم، مما ينفي المخالفة في هذا الشأن.
2. مخالفة النظام العام واستقلالية شرط التحكيم
أكدت المحكمة أن شرط التحكيم يتمتع باستقلالية عن العقد الأصلي، استنادًا إلى المادة 23 من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994. وبما أن الشرط صحيح بذاته ولم يتنازل عنه الأطراف صراحةً أو ضمنًا، فإن استنتاج الهيئة بسقوطه بسبب انتهاء العقد الأصلي يمثل استدلالًا خاطئًا وتجاوزًا للمبادئ القانونية.
3. شروط التنازل الضمني لاتفاق التحكيم
شددت المحكمة على أن التنازل الضمني عن شرط التحكيم يجب أن يكون مستندًا إلى أدلة قوية لا تدع مجالًا للشك. ولما كان استدلال الهيئة تعسفيًا، فقد رأت المحكمة أن الحكم المطعون فيه يُعد إخلالًا بحق الدفاع وإنكارًا للعدالة، مما يجعله مخالفًا للنظام العام.
يؤكد هذا الحكم على أهمية الالتزام بمبادئ العدالة وحماية النظام العام عند إصدار الأحكام التحكيمية. كما يعزز استقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي، مما يوفر حماية لحقوق الأطراف ويحد من التفسيرات التعسفية. كما يبرز هذا الحكم الدور المحوري للقضاء في مراجعة أحكام التحكيم وضمان عدم انحرافها عن أهدافها الأساسية.