تُسلط المنازعات الرياضية التي تُعرض على التحكيم الضوء على التداخل بين القانون الرياضي والقانون المدني، لاسيما عند مناقشة مدى قبول بعض الأطراف لشرط التحكيم بموجب قواعد الهيئات الحاكمة للرياضة. في هذا السياق، تبرز قضية سيف الروبي ضد نادي تشيلسي لكرة القدم ومارينا جرانوفسكايا، والتي دارت حول مدى قابلية النزاع للتحكيم وفقًا لقاعدة Rule K التابعة للاتحاد الإنجليزي لكرة القدم (FA)، مع التركيز على مفهوم (التحكيم الأفقي) بين المشاركين. وقد حُسم هذا الجدل من قبل المحكمة التجارية الإنجليزية بصدور حكمها في 14 مارس 2025، الذي تناول بوضوح المسائل المتعلقة بإلزامية شرط التحكيم ضمن المنازعات الرياضية وحدود تطبيقه في المنازعات الأفقية.
ملخص الوقائع
ترجع وقائع القضية إلى انتقال لاعب كرة القدم الفرنسي كورت زوما من نادي تشيلسي إلى نادي وست هام يونايتد في عام 2021، بعد قضاء 7 سنوات في صفوف تشيلسي، مقابل مبلغ يقارب 34 مليون يورو. وقد شارك في هذه الصفقة الوسيط الكروي السيد/ سيف الروبي، الذي تفاوض مع السيدة/ مارينا جرانوفسكايا، المديرة التنفيذية السابقة لنادي تشيلسي، بشأن استحقاقه لعمولة إذا تجاوزت قيمة الصفقة 30 مليون يورو. غير أن نادي تشيلسي وجرانوفسكايا أنكرا وجود أي اتفاق بهذا الشأن، مما دفع الروبي إلى رفع دعوى قضائية ضدهما، مطالبًا بعمولة قدرها 300,000 جنيه إسترليني وتعويض عن الإخلال بالاتفاق غير المكتوب.
وبعد أن سُحبت الدعوى من نادي تشيلسي، استمرت الإجراءات ضد جرانوفسكايا، التي طالبت بدورها بوقف التقاضي وإحالة النزاع إلى التحكيم استنادًا إلى قاعدة Rule K، التي تفرض إحالة أي نزاع بين (المشاركين) في الاتحاد إلى التحكيم.
النقاش القانوني حول شرط التحكيم الأفقي (Rule K)
في حكمٍ صادر من المحكمة التجارية الإنجليزية، اضطرت المحكمة إلى التعامل مع اتفاق تحكيم غير مباشر ورد في موضع مغاير للعقد موضوع النزاع. وقد استخلصت المحكمة من ملابسات القضية وجوب تطبيق شرط التحكيم الوارد في قاعدة Rule K على النزاع، رغم عدم وجود اتفاق تحكيم صريح في العقد، مستندة إلى أن قواعد الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم تعد جزءًا من الإطار التنظيمي الذي يوافق عليه جميع المشاركين في النظام الرياضي.
وقد أوضح القاضي ديفيد كوست عدة نقاط قانونية رئيسية:
1. تعريف المشاركين والالتزام بقواعد الاتحاد
أكد أن كلًا من الروبي وجرانوفسكايا كانا (مشاركين) بموجب تعريف الاتحاد، وبالتالي التزما ضمنيًا بجميع قواعده، بما في ذلك .Rule K
2. الاتفاق العمودي والاتفاق الأفقي
بيّن القاضي أن قواعد الاتحاد تنشئ نوعين من العلاقات:
· علاقة عمودية (Vertical Agreement) بين الاتحاد والمشاركين،
· وعلاقة أفقية (Horizontal Agreement) بين المشاركين أنفسهم.
وقد اعتبر القاضي أن توقيع الطرفين على لائحة الاتحاد يؤدي إلى نشوء التزام ضمني بينهما، يُرتب تطبيق شرط التحكيم الأفقي.
3. توقيت النزاع وأثر انسحاب أحد الأطراف
رفضت المحكمة دفوع الروبي بأن جرانوفسكايا فقدت صفتها كمشاركة بعد مغادرتها النادي، معتبرة أن معيار الخضوع للتحكيم يُحدد بوقت نشوء النزاع، لا برفع الدعوى.
4. قابلية النزاع للتحكيم والإحالة الإلزامية
بموجب المادة 9 من قانون التحكيم لعام 1996، أمرت المحكمة بوقف إجراءات الدعوى وإحالتها للتحكيم، نظرًا لتوافر اتفاق تحكيم ضمني وسارٍ.
خاتمة
تبرز هذه القضية أهمية فهم طبيعة الالتزامات القانونية المترتبة على الانخراط في المنظومات الرياضية المنظمة بلوائح محددة. وقد أظهر الحكم أن مجرد قبول الأطراف لقواعد الاتحاد، حتى بشكل غير مباشر، يمكن أن يُنتج اتفاقًا تحكيميًا أفقيًا يُحتج به أمام المحاكم. كما أكد أن هذا الالتزام لا يسقط بخروج أحد الأطراف من النظام طالما أن النزاع نشأ خلال فترة نشاطه. وعليه، يشكل الحكم سابقة مهمة في توضيح قابلية المنازعات الرياضية للتحكيم، ويعد تطبيقًا واضحًا لمفهوم التحكيم الأفقي في القضايا الرياضية المعاصرة.