2025/01/30

تعد شروط التحكيم الواردة في العقود إحدى الوسائل الأساسية لتسوية النزاعات بين الأطراف بطريقة بديلة للقضاء التقليدي. ومع ذلك، قد تنشأ بعض الإشكاليات القانونية عندما تتضمن هذه الشروط اختيار قواعد أو مؤسسات تحكيمية لم تعد موجودة أو لم تكن موجودة من الأساس. يتناول هذا المقال قضية نُظرت أمام محكمة الاستئناف الأمريكية للدائرة الخامسة وصدر الحكم بجلسة ٢٧ يناير ٢٠٢٥، حيث تم بحث تأثير عدم وجود مركز التحكيم المتفق عليه على صحة شرط التحكيم.

ملخص الوقائع

نشأ النزاع بين طرفين بموجب عقد مقاولة فرعي يتعلق بمشروع نفط وغاز في المملكة العربية السعودية. وقد نص الاتفاق التحكيمي بين الطرفين على أن يتم الفصل في النزاعات الناشئة عن العقد وفق قواعد مركز دبي المالي العالمي-محكمة لندن للتحكيم الدولي (DIFC-LCIA) مع اختيار دبي كمقر للتحكيم.

غير أن مركز DIFC-LCIA لم يعد قائمًا بعد إلغائه من قبل حكومة دبي. وعندما لجأ أحد الأطراف إلى المحكمة الفيدرالية الأمريكية، طلب الخصم عدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم؛ فرفضت المحكمة الفيدرالية الابتدائية الطلب واعتبرت شرط التحكيم غير قابل للتنفيذ.

الحكم وأسانيده القانونية

ألغت محكمة الاستئناف الأمريكية للدائرة الخامسة قرار المحكمة الابتدائية. واستندت في ذلك إلى النقاط التالية:

1.   عدم اختيار المؤسسة التحكيمية نفسها: اعتبرت المحكمة أن اختيار قواعد DIFC-LCIA لا يعني بالضرورة اختيار هذا المركز كمؤسسة محددة للفصل في النزاعات، بل يمكن تطبيق هذه القواعد حتى في غياب المؤسسة.

2.   عدم جوهرية اختيار المركز التحكيمي: أشارت المحكمة إلى أن الأطراف لم يُظهروا نية واضحة وصريحة بعدم الرغبة في التحكيم في حال عدم توفر المؤسسة المختارة. وعليه، فإن المركز لم يكن عنصرًا جوهريًا لا غنى عنه لتنفيذ شرط التحكيم.

3.   استمرارية الاتفاق التحكيمي: رأت المحكمة أن شرط التحكيم يجب أن يُفسر بطريقة تحافظ على إمكانية تنفيذه قدر الإمكان، بما يتماشى مع مبدأ تفضيل التحكيم.

خاتمة

يثير هذا الحكم تساؤلات قانونية مهمة حول كيفية تفسير شروط التحكيم في حالة تعذر تنفيذها كما وردت في العقد. وبينما تميل بعض المحاكم إلى إبطال شرط التحكيم بالكامل في حالة غياب المؤسسة المختارة، فإن محكمة الاستئناف الأمريكية للدائرة الخامسة اختارت نهجًا عمليًا يهدف إلى حفظ نية الأطراف في التحكيم.

ويبرز هذا الحكم أهمية:

1.   صياغة شروط تحكيم واضحة: حيث يجب أن يتضمن اتفاق التحكيم بدائل في حال عدم توفر المؤسسة التحكيمية المختارة.

2.   المرونة في تفسير شروط التحكيم: ضرورة تفسير شروط التحكيم بطريقة تدعم استمرارية التحكيم.

نقلاً عن:

باتريك أوستندورف 

أستاذ في HTW Berlin؛ مستشار في Orka للمحاماة برلين؛ محامي (إنجلترا وويلز، غير ممارس)