باريس: إغفال طلب Infra Petita لا يبطل حكم التحكيم ولا يعد سببًا للإبطال.
2025/07/19

يعد التحكيم أحد أبرز وسائل تسوية المنازعات التجارية الدولية، ويُحيطه القضاء الوطني برقابة محددة تضمن التزام المحكم بحدود ولايته وضمان حقوق الدفاع. وفي حكم حديث صادر عن محكمة استئناف باريس بتاريخ ٣ يونيو ٢٠٢٥، رسّخت المحكمة مبدأ بالغ الأهمية مؤداه أن الإغفال عن الفصل في أحد الطلبات المقدمة من أحد الأطراف لا يشكل في حد ذاته سببًا كافيًا لإبطال حكم التحكيم، مؤكدةً بذلك توجه القضاء الفرنسي في التضييق من أسباب إبطال الأحكام التحكيمية حرصًا على استقرار العملية التحكيمية.

ملخص الوقائع

تدور وقائع القضية حول العلاقة التعاقدية بين شركة Wingstop Franchising LLC الأمريكية واثنتين من الشركات الفرنسية B.Wing وFlight 83، حيث مُنحت الشركتان حق الامتياز الحصري لإنشاء وتشغيل ما يصل إلى ٧٥ مطعمًا في فرنسا. وبعد انهيار العلاقة التعاقدية، لجأت Wingstop إلى التحكيم أمام المحكمة الدولية للتحكيم LCIA ضد كل شركة على حدة، ثم تم دمج عمليتي التحكيم في إجراء موحد.

أصدر المحكم حكمًا جزئيًا بشأن المسؤولية، إلا أن الشركات الفرنسية تقدمت بطلب لإبطال الحكم أمام محكمة استئناف باريس، بحجة أن المحكم أغفل الفصل في طلب مضاد أخير مقدر بـ٨.٨ مليون يورو تعويضًا عن الأضرار الناتجة عن إخلال Wingstop بالتزاماتها التعاقدية، وهو ما اعتبرته الشركة إخلالًا بولايته يبرر الإبطال وفقًا للمادة ١٥٢٠/٣ من قانون المرافعات المدنية الفرنسي.

الدفوع المقدمة

تمسك الطاعنين بأن المحكم لم يفصل في طلب مضاد جوهري رغم تقديمه في إطار النزاع التحكيمي. وهو إغفال يخل بولايته ويشكل تجاوزًا جسيمًا لمهامه.

وبالتالي ينطبق على هذه الحالة سبب الإبطال المنصوص عليه في المادة ١٥٢٠/٣ CPC والمتعلق بتجاوز المحكّم حدود ولايته.

ورداً على ذلك، أكدت محكمة استئناف باريس على عدة نقاط أساسية:

  • تحدد ولاية المحكّم بموضوع النزاع كما تحدده طلبات الأطراف، وليس حصريًا بما يرد في وثيقة تحديد المهمة التحكيمية.
  • إن صحّ الادعاء بوجود إغفال في الفصل، فإنه لا يرتب إبطالًا تلقائيًا لأن الإغفال infra petita    لا يعد من أسباب الإبطال المنصوص عليها في المادة ١٥٢٠/٣ .CPC
  • أوضحت المحكمة أن المحكم قد تناول جوهر الطلب المضاد في الحكم الجزئي النهائي والحكم الختامي، وقرر رفضه باعتباره متأخرًا وغير مؤيد بأسانيد كافية.
  • خلصت المحكمة إلى أن عدم إخلال المحكم بولايته وأنهت النزاع وفقًا للحدود المقررة قانونًا، ومن ثم رفضت طلب الإبطال.

الأساس القانوني للحكم

استندت المحكمة إلى:

  • نص المادة ١٥٢٠/٣ CPC التي تحصر أسباب الإبطال ولا تعتبر الإغفال infra petita  ضمنها.
  • ضرورة لجوء الطرف المتضرر إلى الوسائل الإجرائية الصحيحة مثل طلب إصدار حكم تكميلي بدلاً من طلب الإبطال مباشرةً.
  • وجوب التمييز بين الإغفال infra petita الذي لا يُبطل الحكم، والحكم ultra petita الذي قد يؤدي إلى الإبطال عند تجاوزه نطاق الطلبات المقدمة.

خاتمة

يؤكد هذا الحكم موقف القضاء الفرنسي الراسخ في حماية العملية التحكيمية من الانهيار لأسباب شكلية طالما كان بمقدور الأطراف معالجة الإغفال عبر الوسائل الإجرائية المقررة. وهو رسالة هامة للممارسين بضرورة الإلمام بالفروق الجوهرية بين مفاهيم infra petita  وultra petita، وتوجيه استراتيجياتهم التحكيمية وفقًا لذلك ضمانًا لحماية حقوقهم دون إساءة استخدام دعاوى الإبطال.


نقلاً عن: إيوانا نول تيودور Ioana Knoll-Tudor

محامية تحكيم دولي، وشريك بشركة أدليشو جودارد Addleshaw Goddard، والسكرتير العام لمؤسسة Paris Arbitration WeekPAW، ونائب رئيس نادي التحكيم الاسباني برومانيا Club Espanol de Arbitraje CEA Romania