الذكاء الاصطناعي التوليدي في الخدمات المهنية: نحو التكامل الاستراتيجي ٢٠٢٥
شهد العالم المهني تحولات جوهرية منذ إطلاق أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI)، لا سيما منذ الإعلان عن (Chat GPT) قبل أكثر من عامين. وقد أصبح هذا النوع من التكنولوجيا أداة حقيقية في أيدي المتخصصين في المجالات القانونية، والضريبية، والمحاسبية، وإدارة المخاطر، والمؤسسات الحكومية.
وبحسب تقرير معهد (تومسون رويترز) لعام 2025، فإن نصف المهنيين تقريبًا يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي، سواء من خلال أدوات مجانية أو تطبيقات مدفوعة مدمجة في بيئات عملهم، مثل (Copilot) من مايكروسوفت أو (Gemini) من جوجل.
الاستخدام المتزايد والانتقال نحو التكامل
كشف التقرير عن أن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي يشهد نموًا ثابتًا؛ حيث ارتفعت نسبة المستخدمين في المنظمات من 12% عام 2024 إلى 22% عام 2025. ويُتوقع أن يصبح هذا النوع من الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من سير العمل في أغلب المؤسسات خلال خمس سنوات، إن لم يكن أقل.
وعلى الرغم من هذا الزخم، فإن غالبية المؤسسات لم تدمج GenAI في استراتيجياتها المؤسسية الكبرى، ولم تربطه بأهدافها طويلة الأمد. بل إن أكثر من نصف المشاركين أفادوا بأن منظماتهم لا تقيس العائد على الاستثمار (ROI) من استخدام هذه الأدوات.
فجوة في السياسات والتدريب
ورغم الحماس المتزايد، فإن التقرير أشار إلى نقص حاد في السياسات التنظيمية والتدريب المهني. حيث أفاد 52% من المشاركين بعدم وجود سياسة داخل منظماتهم لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، كما أن 64% لم يتلقوا أي تدريب مهني متعلق باستخدامه.
الرؤية المستقبلية والتحول الثقافي
عبر غالبية المشاركين (بنسبة 95%) عن اعتقادهم بأن GenAI سيصبح عنصرًا أساسيًا في سير العمل خلال خمس سنوات. إلا أن عملية دمجه تتطلب ما هو أكثر من التبني التقني؛ إذ يجب إحداث تحول ثقافي داخلي يعترف بأن الذكاء الاصطناعي لا يستبدل الإنسان، بل يُعزّز من إنتاجيته وكفاءته، خاصة في المهام الروتينية والمتكررة.
التأثير على العلاقة مع العملاء
كشف التقرير عن فجوة بين تطلعات العملاء وممارسات المؤسسات. حيث أظهر أن 77% من العملاء يريدون من شركاتهم استخدام GenAI، إلا أن النسبة الكبرى منهم لا تعلم ما إذا كانت الشركات تفعل ذلك بالفعل. كما أن نسبة قليلة من العملاء وضعت متطلبات استخدام أو حظر GenAI في طلبات العروض أو التعاقدات، ما يشير إلى غياب الحوار الفعال بين الطرفين.
التحديات القانونية والمهنية
أبرز التقرير عددًا من التحديات القانونية، منها المخاوف المتعلقة بمصداقية مخرجات الذكاء الاصطناعي، وإمكانية تعريض سرية البيانات للخطر، بالإضافة إلى القلق من تضاؤل دور المهنيين مقابل الاستخدام المفرط للأدوات التقنية. كما أن القلق من الممارسة غير المرخصة قانوناً باستخدام GenAI كان حاضرًا لدى عدد من المهنيين القانونيين.
التوصيات والاستنتاجات
اختتم التقرير بالتأكيد على أن اعتماد GenAI يجب أن يكون مدروسًا واستراتيجيًا، ويشمل:
- تطوير سياسات واضحة للاستخدام الأخلاقي.
- توفير تدريب دوري ومتكامل للموظفين.
- إدماج معايير استخدام GenAI في سياسات التوظيف.
- فتح حوارات شفافة مع العملاء بشأن التوقعات والمخرجات.
إن الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس مجرد أداة مستقبلية، بل واقعٌ يتطلب من المؤسسات المهنية إعادة صياغة علاقاتها الداخلية والخارجية بما يتماشى مع معايير الكفاءة، الأخلاقيات، والابتكار المستدام.