يأتي هذا التقرير بناءً على دراسة وتقييم أجرته مجموعة فاكتور للتحول الرقمي (Factor – Digital Transformation Group)، وهي جهة رائدة في مجال تمكين المؤسسات من تبني التقنيات الحديثة، وخاصة الذكاء الاصطناعي في المجالات القانونية والإدارية. يهدف التقرير إلى تقديم مرجعية شاملة لقياس مدى تقدم الأقسام القانونية في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI)، وتحديد الفجوات والتحديات الرئيسية، بالإضافة إلى عرض الممارسات المُثلى التي تسهم في تحقيق الاستفادة القصوى من هذه التقنيات.
يشمل التقرير نتائج استطلاع شمل أكثر من 120 من المحامين الداخليين وقادة القطاعات القانونية بين ديسمبر 2024 وفبراير 2025، ويستند إلى معلومات مباشرة من أقسام قانونية تعمل في مختلف الصناعات مثل الخدمات المالية، الرعاية الصحية، والتكنولوجيا. كما تم إثراؤه بتحليلات واستنتاجات مستمدة من تقارير صناعية أخرى لوضع النتائج في سياق أوسع لاتجاهات اعتماد التقنية في المجال القانوني.
ويعد هذا التقرير نقطة انطلاق حيوية للمنظمات التي تسعى لفهم واقع تبني الذكاء الاصطناعي في العمل القانوني، ورسم استراتيجية واضحة ومبنية على البيانات لتعزيز الكفاءة، وتقليل التكاليف، ورفع جودة الخدمات القانونية في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة.
نتائج رئيسية
كشف التقرير وجود فجوة كبيرة بين توفير أدوات الذكاء الاصطناعي للموظفين وقدرتهم على استخدامها بشكل فعال، إذ توفر 61.2% من الأقسام هذه الأدوات لغالبية موظفيها، لكن فقط 18.9% منهم يتعاملون معها بثقة. كما أظهرت البيانات أن 47.9% من المحامين يصفون مستوى استخدامهم للأدوات بأنهم (يمكنون التكيف)، بينما يحتاج 21.3% منهم إلى دعم مباشر دائم.
من ناحية الاستثمار، أوضحت النتائج أن 47.5% من الأقسام قامت بتطوير واجهات أو روبوتات محادثة داخلية خاصة بها، بينما اشترت 40.4% منها أدوات متخصصة مثل Harvey أو CoCounsel بمبالغ تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات. كما عملت نسبة 43.4% من الأقسام على ترقية تراخيص أدوات قانونية موجودة لديها لإضافة ميزات الذكاء الاصطناعي إليها.
من ناحية أخرى، ما زالت هناك تحديات تنظيمية قائمة، حيث لم تبدأ 44.4% من الأقسام بعد في تلبية متطلبات القانون الأوروبي للذكاء الاصطناعي (EU AI Act)، مما يزيد من مخاطر عدم الامتثال التنظيمي. كما أشارت النتائج إلى أن 33.3% من الأقسام تفتقر إلى التعاون مع قسم تكنولوجيا المعلومات في تنفيذ مشاريع الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعكس ضعف التنسيق بين الجهات المعنية.
تفوق أعضاء (The Sense Collective)
أظهرت البيانات أن أعضاء The Sense Collective يتقدمون على باقي السوق في معدلات تبني الذكاء الاصطناعي، سواء من حيث الاستثمار أو التنفيذ أو التدريب. فقد بلغت نسبة الأعضاء الذين قاموا ببناء أدوات داخلية بنسبة 81.8% مقابل 35.8% في السوق العام، كما وفر 100% من الأعضاء الوصول الواسع لأدوات الذكاء الاصطناعي لموظفيهم مقابل 46.2% فقط في السوق الخارجي. كذلك سجلت هذه المجموعة تفوقًا في معدلات التعاون مع قسم تكنولوجيا المعلومات، حيث بلغت نسبة من لديهم تعاون قوي 54.5% مقابل 32.1% في المتوسط العام.
كما تميزت المجموعة بتغلبها على الفجوة في المهارات، حيث لم يُسجل أي من أعضائها حاجة ماسة للتدريب، بينما كانت هذه النسبة مرتفعة جدًا لدى غيرهم. وأكدت هذه النتائج أن النهج الجماعي والمشاركة في المعرفة والتجارب يسهمان في تعزيز سرعة التبني وتحسين النتائج العامة.
التحديات الرئيسية
تشمل التحديات التي تواجه الأقسام القانونية في تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي العديد من الجوانب التشغيلية والتنظيمية والمالية. من أبرز هذه التحديات التكاليف الخفية المرتبطة بتنفيذ الأنظمة الجديدة، والتي تتضمن تكاليف التدريب، وإدارة التغيير، ودمج الأدوات مع البنية التحتية الحالية، وهي أمور غالبًا ما يتم تجاهلها عند التخطيط الأولي.
كما تواجه بعض الأقسام صعوبة كبيرة في تكامل أدوات الذكاء الاصطناعي مع الأنظمة التقنية القائمة، وهو ما يعيق تحقيق الفائدة الكاملة من الاستثمار. ومن بين التحديات الأخرى أيضًا نقص الكفاءة البشرية، حيث أظهرت النتائج أن عددًا كبيرًا من الموظفين لا يمتلك المهارات الكافية لاستخدام هذه الأدوات بشكل فعال رغم توافرها.
إلى جانب ذلك، يواجه المحامون ضغوطًا تنظيمية متزايدة نتيجة زيادة أحجام القضايا وتكاليف التقاضي، مما يدفع الأقسام نحو البحث عن حلول مبتكرة دون وجود خطة واضحة لتحقيق ذلك. كل هذه العوامل مجتمعة تجعل من الضروري إعادة النظر في طريقة إدارة عمليات التبني واعتماد نموذج أكثر شمولًا وتكاملًا.
أفضل الممارسات المقترحة
من أجل تحقيق نجاح مستدام في تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي، يوصي التقرير باتباع مجموعة من الممارسات المُثلى التي أثبتت فعاليتها في الأقسام المتقدمة. من أبرز هذه الممارسات وجود قيادة نشطة من قبل الإدارة العليا، حيث يجب على القادة القانونيين أن يكونوا قدوة في استخدام الأدوات وتحفيز الفريق على تبنيها.
كما يُوصى بالتركيز على القيمة المضافة من خلال اختيار حالات الاستخدام التي تحل مشكلات فعلية وتُساهم في تحقيق أهداف القسم مثل تحسين إدارة العقود أو تقليل التكاليف التشغيلية. إلى جانب ذلك، يُشدد التقرير على أهمية استثمار الأقسام في تطوير مهارات الموظفين عبر برامج تدريبية متقدمة تشمل صياغة الأوامر (Prompt Engineering) وتقييم نتائج الذكاء الاصطناعي.
كذلك يُوصى بتعزيز التعاون مع قسم تكنولوجيا المعلومات من خلال إنشاء فرق عمل مشتركة تضمن تلبية الحلول التقنية للاحتياجات القانونية ومتطلبات الأمان والامتثال.
الاتجاهات المستقبلية
يتوقع التقرير أن يشهد المجال القانوني في السنوات القادمة تحولًا كبيرًا في طريقة العمل مع الذكاء الاصطناعي، خاصة مع ظهور مفاهيم جديدة مثل نموذج إعادة المهام (Out-Tasking) المُعزز بالذكاء الاصطناعي، والذي يعيد تعريف التعاون بين الأقسام القانونية ومزوّدي الخدمات عبر أدوات تفاعلية في الوقت الفعلي.
كما سيصبح من الضروري على المؤسسات إعادة تقييم التكاليف الحقيقية لتطوير حلول الذكاء الاصطناعي داخليًا، مع الأخذ في الاعتبار مخاطر التقادم السريع وتكاليف الصيانة والتحديث المستمرة. من ناحية أخرى، سيزداد الاعتماد على مفهوم المطور-المالك (Owner-Builder) الذي يمنح المحامين القدرة على تصميم حلول مبتكرة دون الاعتماد الكامل على الشراء الخارجي.
وأخيرًا، ستصبح المهارات الاستراتيجية أكثر أهمية من مجرد التدريب الأساسي على استخدام الأدوات، لتتضمن القدرة على تكامل الأدوات مع سير العمل، وقياس القيمة المضافة، وتحديد الحالات المناسبة لتطبيق الذكاء الاصطناعي بما يتوافق مع أولويات المؤسسة.
الخلاصة
يُبرز التقرير أن نجاح تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي في المجال القانوني لا يعتمد على التكنولوجيا فحسب، بل على القيادة الاستراتيجية والاستثمار في الكوادر البشرية والتعاون بين الأقسام المختلفة. كما يؤكد أن الأقسام التي تتجاوز مرحلة (التجارب المحدودة) نحو التنفيذ الشامل، وتبني نماذج مبتكرة ستكون لها الأفضلية في مواجهة التحديات التنظيمية والتنظيمية المستقبلية.
ومن هنا، يعد هذا التقرير دليلاً عمليًا للمنظمات التي ترغب في تقييم موقعها الحالي من رحلة التحوّل بالذكاء الاصطناعي، وتحديد أولويات التحسين، ورسم خريطة طريق واضحة للاستفادة من الفرص التي يتيحها هذا المجال سريع التطور.
لفهم واقع تبني الذكاء الاصطناعي في الإدارات القانونية، ورسم استراتيجية واضحة ومبنية على البيانات لتعزيز الكفاءة، وتقليل التكاليف، ورفع جودة الخدمات القانونية في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة. انضم إلينا في المؤتمر العربي الثاني للإدارات القانونية