قانون التحكيم البريطاني لعام 2025: قراءة تحليلية في المذكرة الإيضاحية
2025/04/08

تعد المذكرة الإيضاحية الملحقة بالقوانين البريطانية أداة تفسيرية بالغة الأهمية، تهدف إلى بيان الخلفية التشريعية للأحكام القانونية وتيسير فهمها من قبل الممارسين والمعنيين بالشأن القانوني. وفي إطار تعديلات قانون التحكيم لعام 2025، الذي نال الموافقة الملكية في 24 فبراير 2025، تكتسب المذكرة الإيضاحية أهمية خاصة بالنظر إلى ما يتضمنه القانون من إصلاحات جوهرية تعكس تطورات المشهد التحكيمي الدولي وتعزز من جاذبية المملكة المتحدة كمركز رائد للتحكيم.

 وقد أُعدت هذه المذكرة من قبل وزارة العدل البريطانية بغرض تفسير نصوص القانون وتقديم خلفية منهجية حول أهدافه ومجالات تطبيقه.

أولاً: خلفية إصدار القانون

تشير المذكرة إلى أن القانون الجديد جاء استجابة لحاجة ملحة لتحديث قانون التحكيم السابق الصادر عام 1996، لمواكبة المتغيرات التشريعية والممارسات الحديثة في مجال التحكيم التجاري. كما يعالج القانون عددًا من التحديات التي ظهرت في التطبيق العملي، لا سيما تلك المتعلقة بتحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم، والمسؤولية المدنية للمحكمين، وفعالية الإجراءات التحكيمية.

ثانياً: النطاق المكاني تطبيق القانون

يُطبق القانون على كل من إنجلترا وويلز وأيرلندا الشمالية، وهو ذات النطاق الذي كان معمولًا به في قانون 1996. ولم يمتد القانون ليشمل جزر القنال أو جزيرة مان أو الأقاليم البريطانية ما وراء البحار، بما يضمن انسجام التطبيق التشريعي ضمن حدود اختصاص النظام القانوني الإنجليزي – الويلزي.

ثالثاً: أبرز الأحكام الجديدة وتفسيرها

1.   القانون الحاكم لاتفاق التحكيم

ينص القانون على أن اتفاق التحكيم يُفسر – كقاعدة عامة – وفقًا لقانون مقر التحكيم، إذا لم يُنص صراحةً أو ضمنًا على خلاف ذلك. ويعد هذا الحكم ترجمة تشريعية لحكم المحكمة العليا في قضية Enka v Chubb، الذي أرست فيه المحكمة مبدأ أن القانون الأقرب صلةً بالتحكيم هو قانون موطنه الإجرائي.

2.   مسئولية المحكم في حالة عزله

نص القانون صراحةً على أن المحكم لا يتحمل أية مسؤولية عن التكاليف في حال تقديم طلب لعزله، إلا إذا ثبت أنه تصرف بسوء نية. كما أقر له الحق في الاستقالة دون مسؤولية ما لم تكن الاستقالة غير مبررة. وهو ما يعزز من استقلال المحكم ويوفر له الحماية المهنية اللازمة.

3.   السلطة في إصدار أحكام مختصرة

للمحكم بموجب القانون الجديد صلاحية البت في القضايا التي لا تستند إلى أسس جدية، عبر إجراءات موجزة دون الحاجة إلى جلسات مطولة، وهو ما من شأنه تعزيز الكفاءة وتقليص النفقات.

4.   إجراءات الطعن والتصحيح

أُدخلت تعديلات تسمح بالطعن على أحكام التحكيم في حالات واضحة، مثل تجاوز الاختصاص أو الإخلال بالإجراءات الجوهرية. كما أتاح القانون الطعن لأسباب قانونية محددة وبمواعيد دقيقة، سعيًا لتحقيق التوازن بين استقرار الأحكام التحكيمية وحق الأطراف في الدفاع.

رابعاً: آليات التنفيذ والأثر الزمني

أكدت المذكرة أن أحكام القانون ستدخل حيز النفاذ تدريجيًا، وفق مواعيد محددة، دون تطبيق رجعي على المنازعات القائمة. ويهدف ذلك إلى حماية المراكز القانونية المكتسبة وتجنب أية إشكالات في التطبيق العملي.

خامساً: التحديات المحتملة

رغم ما يحمله القانون من مزايا تشريعية، إلا أن المذكرة لم تغفل الإشارة إلى التحديات، وفي مقدمتها ما قد يطرأ من خلافات حول تفسير بعض النصوص المستحدثة. ومع ذلك، فإن الفرص التي يتيحها القانون لتطوير نظام التحكيم وتعزيز فاعليته، تفوق تلك المخاوف المحتملة.

يجسد قانون التحكيم لعام 2025 مرحلة جديدة في تطور التشريع البريطاني في مجال تسوية المنازعات التجارية. وتعد المذكرة الإيضاحية وثيقة مرجعية محورية لفهم فلسفة القانون وأهدافه التطبيقية. ومن خلال ما تضمنته من توضيحات منهجية، تؤكد المذكرة التزام المملكة المتحدة بإبقاء نظامها التحكيمي على أعلى مستوى من الكفاءة والموثوقية، بما يعزز مكانتها العالمية كمركز آمن وفاعل للتحكيم.