2025/04/08

يقدم تقرير المحكمة التجارية البريطانية (JO Commercial Court Report) للعام 2023-2024، والذي يعكس التطورات والقضايا التي شهدتها المحكمة خلال تلك الفترة، رؤية متعمقة حول موضوع التحكيم كوسيلة بديلة لتسوية المنازعات التجارية. وقد أظهر التقرير أن التحكيم يظل أحد الركائز الأساسية لتسوية النزاعات ذات الطابع التجاري المعقد على المستوى الدولي والمحلي، مما يعكس أهمية دوره في تعزيز العدالة وضمان سرعة الفصل في القضايا.

مكانة التحكيم في النظام القضائي البريطاني

يُعتبر التحكيم جزءًا لا يتجزأ من النظام القانوني البريطاني، حيث يتمتع بمرونة وإطار قانوني واضح ينظم إجراءاته وفقًا لقانون التحكيم لعام 1996. وقد أكد التقرير أن المحكمة التجارية البريطانية تلعب دورًا محوريًا في دعم نظام التحكيم من خلال الإشراف عليه وضمان توافقه مع المعايير القانونية الدولية. ويتجلى هذا الدور في صياغة الأحكام المتعلقة بالطعون على أحكام التحكيم أو طلبات تنفيذها، مما يعزز الثقة في النظام البريطاني كمقر عالمي للتحكيم.

يُظهر التقرير أن حوالي 20% من إجمالي الدعاوى المرفوعة أمام محكمة التجارة البريطانية هي قضايا تحكيمية، وهو ما يعكس استمرار مكانة لندن كمركز عالمي مهم للتحكيم الدولي. وتتنوع هذه المسائل لتشمل طلبات الدعم المتعلقة بإجراءات التحكيم، مثل طلبات الإجراءات الاحترازية، وطلبات تنفيذ أحكام التحكيم، بالإضافة إلى مسائل أخرى مثل طلبات تعيين محكمين من قبل المحكمة.

ومن أبرز فئات الدعاوى التحكيمية التي تم تقديمها:

  • الطعون على الأحكام بناءً على الاختصاص القضائي بموجب المادة 67 من قانون التحكيم لعام 1996.
  • الطعون المتعلقة بالمخالفات إجرائية (طلبات المادة 68).
  • الطعون المتعلقة بمسائل قانونية (طلبات المادة 69).
  • طلبات الإجراءات الاحترازية لدعم عملية التحكيم.

التطورات الرئيسية في مجال التحكيم

أشار التقرير إلى زيادة كبيرة في عدد الطلبات المتعلقة بالتحكيم خلال العام المنصرم. ومن أبرز هذه الزيادات:

  • ارتفاع بنسبة 150% في طلبات الإجراءات الاحترازية بموجب المادة 44 من قانون التحكيم، حيث بلغ عددها 50 طلبًا مقارنة بـ 20 طلبًا في العام السابق.
  • ارتفاع في الطعون المتعلقة بمسائل قانونية (المادة 69)، حيث ارتفعت من 37 إلى 52 طلبًا.
  • ارتفاع في الطعون المتعلقة بالمخالفات إجرائية (المادة 68)، حيث ارتفعت من 27 إلى 37 طلبًا.
  • ارتفاع كبير في الطعون المتعلقة بالاختصاص القضائي (المادة 67)، حيث ارتفعت من 7 إلى 24 طلبًا.

ومع ذلك، أظهرت المحكمة أن نسبة نجاح هذه الطعون ظلت منخفضة، حيث تم قبول طعن واحد فقط بسبب مخالفة قانونية، وطعن واحد متعلق بالاختصاص، ولم يتم قبول أي طعن بسبب مخالفات إجرائية.

طلبات الطعن بموجب المادة 69 (الطعن على أساس مخالفة قانونية)

بلغ عدد الطلبات المقدمة استنادًا إلى المادة 69 عدد 52 طلبًا، مقارنة بـ 37 طلبًا خلال العام السابق. وحتى أكتوبر 2024، كانت أوضاع هذه الطلبات كما يلي (مع ملاحظة أن بعض الفئات قد تتداخل):

  • تم منح الإذن في 10 طلبات
  • تم رفض منح الإذن في 21 طلبًا
  • تم قبول الطعن في طلب واحد
  • تم سحب طلب واحد
  • تم تسوية طلبين
  • تم تحويل طلب واحد إلى جهة أخرى
  • تم وقف الإجراءات في 4 طلبات
  • تم رفض طلبين بعد جلسة مرافعات
  • تم رفض طلب واحد بناءً على المستندات
  • لا يزال 19 طلبًا قيد انتظار قرار بشأن منح الإذن

مدد إتمام الطلبات بموجب المادة 69

استغرق إصدار القرار بشأن منح أو رفض الإذن للطعن في المتوسط 111 يومًا خلال عام 2023-2024، ويشمل ذلك الفترة اللازمة للتبليغ، تقديم الدفوع، والوثائق للمحكمة. وقد انخفض هذا المتوسط مقارنة بعام 2022-2023 الذي بلغ فيه 121 يومًا.

أما بالنسبة للطلبات التي مُنح فيها الإذن، فقد بلغ متوسط المدة من استلام الطلب وحتى صدور الحكم النهائي 110 أيام خلال 2023-2024، مقارنة بـ 172 يومًا خلال 2022-2023.

طلبات المادة 68 (المخالفات الإجرائية)

تلقت المحكمة خلال العام القضائي 37 طلبًا بموجب المادة 68، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 37% مقارنة بـ 27 طلبًا خلال العام السابق. وكانت نتائج هذه الطلبات كما يلي:

  • تم رفض 5 طلبات في جلسات مرافعات
  • تم رفض 7 طلبات على أساس المستندات
  • تم وقف الإجراءات في 3 طلبات
  • تم تسوية طلب واحد
  • تم سحب طلب واحد
  • ولا يزال 20 طلبًا قيد النظر

أما بالنسبة للطلبات المقدمة في عام 2022-2023، فقد تم تقديم 27 طلبًا، وكانت نتائجها:

  • رفض 5 طلبات في جلسات
  • رفض 11 طلباً بناءً على المستندات
  • تم وقف الإجراءات في 3 طلبات
  • تم تسوية 3 طلبات
  • تم تحويل 3 طلبات
  • تم سحب طلب واحد
  • وظل طلب واحد قيد النظر

طلبات المادة 67 (الاختصاص القضائي)

بلغ عدد الطلبات المقدمة بموجب المادة 67 والمتعلقة بالطعن في اختصاص هيئة التحكيم 24 طلبًا خلال 2023-2024، مقارنة بـ 7 طلبات فقط في العام السابق، أي بزيادة قدرها 242%. وكانت نتائجها كما يلي:

  • تم قبول طلب واحد
  • تم رفض 7 طلبات بناءً على المستندات
  • تم وقف الإجراءات في طلب واحد
  • تم تحويل طلبين
  • ولا يزال 13 طلبًا قيد النظر

وفيما يتعلق بالطلبات المقدمة خلال عام 2022-2023، فقد كانت النتائج كما يلي:

  • تم رفض طلبين بناءً على المستندات
  • تم رفض طلب واحد بعد جلسة مرافعة
  • تم وقف الإجراءات في طلبين
  • تم تسوية طلب واحد
  • تم سحب طلب واحد

تنفيذ أحكام التحكيم الدولية

أحد الجوانب البارزة التي تناولها التقرير هو موضوع تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في المملكة المتحدة. واستنادًا إلى اتفاقية نيويورك لعام 1958 بشأن الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، أكدت المحكمة البريطانية التزامها بدعم هذا النظام الدولي. ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن المحكمة قد ترفض تنفيذ بعض الأحكام إذا ثبت وجود مخالفات خطيرة تمس بالنظام العام أو في حالة وجود أدلة على فساد أو تلاعب في عملية التحكيم.

دور التكنولوجيا في التحكيم

لم يغفل التقرير عن التطرق إلى تأثير التكنولوجيا على التحكيم، خاصة في ظل التحول الرقمي الذي تشهده الأنظمة القضائية العالمية. وقد أشارت المحكمة إلى زيادة استخدام الوسائل الإلكترونية في إجراءات التحكيم، مثل عقد الجلسات عن بُعد واستخدام المنصات الرقمية لإدارة الوثائق. وأكدت المحكمة أن هذا التحول يعزز كفاءة التحكيم ويقلل من التكاليف، ولكن يجب أن يصاحبه ضمانات تمنع أي تأثير سلبي على حقوق الأطراف.

ختاماً، يعكس تقرير المحكمة التجارية البريطانية لعام 2023-2024 الاهتمام المتزايد بالتحكيم كوسيلة فعالة لتسوية النزاعات التجارية، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. وقد أكدت المحكمة من خلال أحكامها التزامها بدعم نظام التحكيم وتطويره بما يتماشى مع المعايير الدولية. ومع ذلك، فإنها تشدد على أهمية التوازن بين استقلالية التحكيم وضرورة خضوعه للرقابة القضائية لضمان تحقيق العدالة وحماية حقوق الأطراف.

وبذلك، يبرز التقرير الدور الحيوي الذي تلعبه المحكمة التجارية البريطانية في تعزيز مكانة المملكة المتحدة كمركز عالمي للتحكيم، مع التركيز على أهمية الالتزام بالمبادئ القانونية والمعايير الأخلاقية التي تحكم هذه الآلية.