2025/03/27

أصدر فريق العمل المختص بالتعديلات في قانون التحكيم الفرنسي تقريره مؤخرًا، متضمنًا مقترحات جوهرية تعكس تطورًا ملحوظًا في التشريع التحكيمي الفرنسي. وعلى عكس عملية الإصلاح في إنجلترا وويلز، التي قادتها لجنة القانون غير المتخصصة وأدت إلى تعديلات محدودة على قانون التحكيم لعام 1996، فإن الإصلاح الفرنسي يتم تحت إشراف لجنة متخصصة تضم نخبة من الخبراء في هذا المجال.

هيكلية التعديلات وسرعة الإنجاز

خلافًا للنهج الإنجليزي الذي اعتمد على استشارات واسعة النطاق، لم تتبع اللجنة الفرنسية نفس المسار، بل عملت بشكل مكثف وسريع. ففي غضون أربعة أشهر ونصف فقط، قدمت اللجنة تقريرًا من 134 صفحة يحتوي على 40 مقترحًا للتعديل. ومن الملاحظ أن بعض هذه التعديلات تجعل القانون الفرنسي أقرب إلى نظيره الإنجليزي.

تعديلات في الهيكل القانوني للتحكيم

يتمحور أحد أبرز مقترحات التقرير حول إعادة هيكلة القانون، إذ أن قواعد التحكيم الفرنسي حاليًا منصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية. ويوصي التقرير بإصدار (قانون تحكيم مستقل) لإبراز الطبيعة المستقلة لهذا النظام عن المحاكم الوطنية، وهو ما يعكس الفلسفة الفرنسية التقليدية حول استقلالية التحكيم. كما يقترح التقرير توحيد القواعد بين التحكيم المحلي والدولي، عبر تبني القواعد الدولية في كلا النظامين، إلى جانب تعزيز تخصص القضاة في القضايا التحكيمية.

تعزيز مرونة قانون التحكيم

تسعى بعض التعديلات المقترحة إلى منح القانون التحكيمي الفرنسي مرونة أكبر. فعلى سبيل المثال، يقترح البند 11 إزالة شرط الكتابة في اتفاقيات التحكيم، وهو تطور من شأنه تسهيل اللجوء إلى التحكيم دون عوائق شكلية معقدة.

ومن المسائل المثيرة للجدل، مسألة إمكانية تنازل الأطراف عن حق الطعن بالإبطال في عمليات التحكيم التي تُعقد في فرنسا. فمنذ عام 2011، كان ذلك ممكنًا في القضايا الدولية، لكن اللجنة، رغم انقسامها في هذا الشأن، قررت في النهاية اقتراح إلغاء هذه الإمكانية، لا سيما وأن الأطراف الدولية لم تلجأ إليها بشكل ملحوظ، ولتجنب احتمالات إساءة استخدامها في القضايا المحلية.

حماية الطرف الأضعف في العلاقات التعاقدية

على الرغم من أن القانون الفرنسي يدعم التحكيم بشكل كبير، إلا أن فلسفته في حماية الأطراف الأضعف تبقى حاضرة. ويقترح التقرير جعل شرط التحكيم غير قابل للإنفاذ ضد الموظفين والمستهلكين، سواء في النزاعات المحلية أو الدولية، وهو توجه يميز القانون الفرنسي عن نظيره الإنجليزي الذي يمنح الأطراف حرية أوسع في اللجوء إلى التحكيم.

تبسيط مبدأ (الاختصاص بالاختصاص)

من النقاط اللافتة في التقرير إعادة صياغة المادة 1448 من قانون الإجراءات المدنية، والتي تتعلق بمبدأ (الاختصاص بالاختصاص) السلبي، وهو أحد السمات الفريدة للقانون الفرنسي. وقد تم استبدالها بمادة جديدة (المادة 23 من مشروع القانون)، تحافظ على نفس المضمون، ولكن بصياغة أكثر وضوحًا وسلاسة.

توقعات حول مسار الإصلاح

رغم أن التعديلات القانونية في فرنسا غالبًا ما تستغرق وقتًا طويلاً، إلا أن سرعة إعداد هذا التقرير توحي بأن عملية الإصلاح قد تسير بوتيرة متسارعة، ما قد يؤدي إلى تغييرات ملموسة في إطار زمني أقصر من المعتاد.

ختامًا، تمثل هذه التعديلات خطوة جريئة نحو تحديث قانون التحكيم الفرنسي، مع الحفاظ على توازنه بين دعم التحكيم وحماية الحقوق الأساسية للأطراف الأضعف في العلاقة التعاقدية. وسيكون من المثير للاهتمام متابعة كيفية تنفيذ هذه التعديلات وانعكاساتها على بيئة التحكيم في فرنسا.


نقلاً عن:

بول ماكماهون

أستاذ بكلية الحقوق بجامعة لندن للاقتصاد