رائد الأعمال القانوني أو ما يُعرف بـ Lawpreneur مستقبل القانون
المحامي حسن اسلام شاد

المحامي حسن اسلام شاد

خريج كلية الحقوق بجامعة هارفارد
2024/11/23

يشهد العصر الحالي تغييرات غير مسبوقة في جميع المجالات وتطورات بوتيرة متسارعة ومن المجالات المتأثرة والمتغيرة يأتي المجال القانوني وبالتالي فإن الصورة التقليدية للمحامي تشهد تحولاً جذرياً حيث مرت هذه الصورة بكثير من التحولات حتى وصلت لما يُعرف بـ "رائد العمل القانوني"، وهو نوع جديد من المهنيين في القرن الحادي والعشرين، يجمع بين البراعة التقنية للمحامي والرؤية الاستراتيجية لرائد الأعمال. و"رائد العمل القانوني" ليس مجرد محامٍ بالمعنى التقليدي، بل هو شريك استراتيجي للعملاء، يبدع خارج حدود الممارسات القانونية التقليدية. ومع تزايد تقاطع مهنة المحاماة مع التكنولوجيا والعولمة وتوقعات العملاء المتغيرة، يعيد صعود رائد العمل القانوني تعريف مفهوم ممارسة القانون بفعالية في العصر الحديث.

جوهر رجل الأعمال القانوني

يجمع رائد الأعمال القانوني بين الكفاءات الأساسية للمحامي وبين إبداع وقدرة رائد الأعمال على التكيف. يتمتع هذا المحترف الهجين بمهارات تقنية تشمل صياغة العقود، وإجراء الدراسات القانونية الشاملة، وتحليل اللوائح المعقدة، إضافة إلى مهارات شخصية جوهرية مثل إدارة العملاء والتواصل الفعّال وفهم عميق لمجال عمل العميل وقطاعه ولا تقل ضرورة هذه المهارات وأهميتها لرائد الأعمال القانوني عن الخبرة القانونية، وبهذه المهارات يُمكنه تجاوز حدود الخدمة القانونية التقليدية وإضافة قيمة حقيقية لأعمال عملائه ليصبح مستشارًا لا يُقدّر بثمن.

لا ينظر رائد الأعمال القانوني إلى القانون كنظام جامد ومعزول، بل يراه كمنظومة حية متشابكة تمس جوانب مختلفة من الحياة البشرية، ويمتد تأثيرها إلى مجالات الاقتصاد وعلم النفس والمعايير الثقافية. بالنسبة لرائد الأعمال القانوني، لا يُعتبر القانون غاية بحد ذاته، بل وسيلة لمساعدة العملاء على التنقل في عالم معقد من العلاقات القانونية والتوقعات المجتمعية.

التخلي عن الممارسات التي عفا عليها الزمن

إحدى السمات المميزة لرواد القانون هي رفضهم القبول بالممارسات التقليدية دون تمحيص. فهم ينظرون إلى القانون وكأنه كائن حي قابل للابتكار والتكيف مع المتغيرات المجتمعية. يرى رواد الأعمال القانونيون أنفسهم كعلماء قانونيين، يختبرون باستمرار أفكاراً جديدة، ويتحدّون المعايير القائمة، ويثيرون نقاشات بناءة حول القضايا القانونية المعقدة. إنهم يحتضنون الابتكار، سواء عبر التكنولوجيا أو من خلال سير عمل حديث أو حلول قانونية إبداعية، مدركين أن مهنة المحاماة يجب أن تتطور جنباً إلى جنب مع العالم الذي تخدمه.

لكن، للأسف، غالباً ما تعجز كليات القانون عن تزويد المحامين الشباب بالمهارات اللازمة للنجاح في العالم الواقعي. وعلى الرغم من تخرجهم بمعرفة قانونية متينة، إلا أن العديد منهم يفتقرون إلى المهارات العملية والرؤية الشمولية اللازمة لمواجهة تحديات العالم الواقعي. في المجال القانوني التقليدي، يجد المحامون الجدد أنفسهم غير مهيئين لمواجهة التحديات الدقيقة وديناميكية الأمور التي يواجهها العملاء اليوم. ومع ظهور الذكاء الاصطناعي والنظم الآلية، التي نجحت في أتمتة المهام الروتينية، يرتفع سقف توقعات العملاء من محاميهم ومن خلال تبني رواد القانون لمنظور شامل لفهم تداخل القانون مع الفلسفة والمجتمع والثقافة، سيتمكنون من التأقلم والازدهار في هذا المشهد الجديد.

نهج رائد الأعمال القانوني للقضايا القانونية المعقدة

لا يكفى سرد العبارات والمقالات التي تتحدث عن الفروق العامة والدقيقة بين المحامي التقليدي ورائد الأعمال القانوني، بل يمكننا عرض حالة افتراضية ومن خلالها يتضح الفرق بين المحامي التقليدي ورائد العمل القانوني، وفي هذه الحالة الافتراضية يقوم العميل بتعيين محامٍ لتمثيله في صفقة اندماج واستحواذ عبر الحدود كمشتري، بهدف الحصول على حصة أغلبية في شركة أجنبية. المحامي التقليدي، بخبرته في عمليات الاندماج والاستحواذ عبر الحدود، سيستعين بمحامٍ محلي في الدولة التي تقع فيها الشركة المستهدفة، ويعمل معه لضمان حماية مصالح العميل. سيتضمن ذلك القيام بدراسة قانونية شاملة وصياغة اتفاقيات ملائمة لتسهيل الصفقة.

أما رائد الأعمال القانوني فسيتجاوز هذا النهج بخطوة إضافية فإلى جانب اتخاذ الخطوات الضرورية، سيركز على تحقيق أفضل النتائج عبر تقييم الصفقة من منظور استراتيجي وتجاري. يتطلب هذا التقييم فهم الآثار طويلة المدى للاستحواذ على أهداف العميل الاستراتيجية، وتحليل ظروف السوق، ومواءمة هيكل الصفقة مع خطط النمو الخاصة بالعميل. من خلال رؤية أوسع وشمولية، يعمل رائد الأعمال القانوني كشريك في نجاح أعمال العميل، وليس كمستشار قانوني فحسب.

أي أن نهج رائد الأعمال القانوني هو نهج استباقي وليس رد فعل وعوضًا على الاكتفاء بصياغة الاتفاقيات أو تسهيل الإجراءات فحسب، يشارك رائد الأعمال القانوني العميل في وضع استراتيجيات تضمن توافق كل خطوة مع الأهداف الكبرى. ويبحث عن هياكل صفقات مبتكرة، ويأخذ في الحسبان العوائق التنظيمية المحتملة، ويستبق المشكلات التي قد تنشأ بعد إتمام الصفقة. هذه الرؤية الشاملة والاستراتيجية تمثل السمة الأساسية لرائد الأعمال القانوني، الذي لا يسعى فقط إلى إتمام الصفقات، بل يهدف إلى إضافة قيمة طويلة الأمد لعملائه

الإبداع والابتكار: السمات المميزة لرائد الأعمال القانوني

السمة الرئيسية لرواد الأعمال القانونيين هي قدرتهم على التفكير بطرق مبتكرة وخارج الإطار التقليدي. على عكس المحامين التقليديين الذين غالباً ما يرون القواعد القانونية كحقائق مطلقة، يفهم رواد الأعمال القانونيون التعقيدات والفروق الدقيقة في القانون، ولا يترددون في اقتراح أطر جديدة، والتشكيك في القواعد الحالية، والنظر في تفسيرات بديلة. على سبيل المثال، قد يقوم رائد الأعمال القانوني بدراسة تأثير التنظيم المفرط أو نقص التنظيم في صناعات معينة، وتقييم آثاره الأوسع على المجتمع.

تدفع هذه الروح الابتكارية رواد الأعمال القانونيين للمشاركة في النقاش المجتمعي، واستكشاف كيفية تشكيل القوانين للمجتمع، والدعوة إلى إصلاحات متوازنة ومؤثرة. ويستطيع رائد الأعمال القانوني توقع ومعالجة التحديات القانونية المستقبلية التي قد تنشأ عن التحولات التكنولوجية أو الاجتماعية. هذه القدرة على التفكير كرائد أعمال تمكن رواد الأعمال القانونيين من اقتراح حلول تفيد العملاء وتساهم في تعزيز نظام قانوني صحي وتقدمي.

التكيف مع المستقبل: نموذج جديد للمحامين الشباب

في الماضي، كان بإمكان المحامين الجدد الاعتماد على المهارات الفنية والخبرة العملية لبناء حياتهم المهنية. ولكن مع التقدم التكنولوجي والمنافسة العالمية المتزايدة، لم يعد إتقان النهج القانونية كافياً. اليوم، وفي ظل الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي لأداء المهام القانونية الروتينية، يتعين على المحامين الشباب الطموحين تطوير عقلية ريادة الأعمال القانونية، مما يتطلب تحولاً جذرياً؛ تتغير بموجبه النظرة للقانون فيصير القانون أداة لحل المشكلات ضمن إطار مجتمعي وفلسفي أوسع.

يدرك رواد الأعمال القانونيون أن القانون لا يمثل سوى جزء من العالم متعدد الأبعاد الذي يتنقل فيه عملاؤهم. لإضفاء قيمة حقيقية، يتعين عليهم التعامل مع الاتجاهات الثقافية والاقتصادية والتكنولوجية التي تؤثر في احتياجات العملاء. من خلال التحرر من المفاهيم المسبقة وفهم السياق الأوسع الذي يعمل ضمنه القانون، يمكن للمحامين إعادة تعريف أدوارهم، والتحول إلى مستشارين موثوقين قادرين على تحفيز النمو ودعم الابتكار

ميزة رائد الأعمال: تحويل مهنة المحاماة

وفي الختام غني عن القول أن رواد الأعمال القانونيون يمثلون مستقبل مهنة القانون، حيث يجلبون عقلية استراتيجية لعملهم، ويتعاملون مع المسائل القانونية بإبداع ومرونة وفهم عميق للساحة التجارية. إن التزامهم بالابتكار يجعلهم ليس فقط مقدمي خدمات، بل شركاء في نجاح عملائهم، مما يسهم بشكل مستمر في تحقيق نتائج إيجابية ودفع عجلة التقدم في المجال القانوني.

وبالتالي، فإن رائد العمل القانوني ليس مجرد صيحة عابرة، بل هو تطور ضروري في مهنة المحاماة. في عصر يتسم بالتغيير السريع، يبرز أولئك الذين يتبنون نهج ريادة الأعمال القانونية كقادة، ويعيدون تعريف القيمة التي يضيفها المحامون إلى المجتمع، ويضعون الأساس لمستقبل يكون فيه القانون أداة ديناميكية ومتعددة الاستخدامات لتحقيق التغيير الإيجابي.

المؤتمر العربي التاسع للمحاماة

اعرف المزيد عن مستقبل المحاماة في المؤتمر العربي التاسع للمحاماة تحت شعار استراتيجيات قيادة مستقبل المحاماة ٧-٨ فبراير 2025 بفندق فيرمونت نايل القاهرة – جمهورية مصر العربية