القوة القاهرة في النظام السعودي
تعد القوة القاهرة هي أحد المفاهيم القانونية المهمة التي تُستخدم للإشارة إلى الظروف أو الأحداث الاستثنائية التي تجعل تنفيذ الالتزامات التعاقدية مستحيلاً أو صعبًا بشكل كبير. في النظام القانوني السعودي، يتم الاعتراف بالقوة القاهرة بناءً على الشريعة الإسلامية، التي تُعتبر المصدر الأساسي للتشريع، إلى جانب الأنظمة الحديثة التي تتبناها المملكة.
ونجد أن الكثير من المؤسسات والشركات تواجه تحديات مالية كبيرة وضخمة تتعلق بمدي إمكانية تنفيذ العقود المبرمة في ظل الظروف الراهنة فقد يكون تنفيذ هذه العقود مستحيلاً في الوقت الراهن والمعروف بنظرية القوة القاهرة أو قد يكون صعباً ومرهقاً لأحد الأطراف وهو ما يعرف بنظرية الظروف الطارئة.
لذلك كانت هناك حاجة ملحة لوجود أسانيد نظامية تبرر للشركات والمؤسسات والأفراد فسخ العقود متي كان تنفيذها مستحيلاً أو على الأقل طلب إعادة التوازن المالي للعقود إذا أصبح تنفيذ الالتزام مرهقاً ومضراً بأحد الأطراف.
بداية ما هي القوة القاهرة
يمكن تعريف القوة القاهرة وفقاً للأنظمة السعودية بأنها: كل حدث لاحق على إبرام العقد لا يستطيع الأطراف توقعه ولا رده بحيث تؤدي إلى انفساخ العقد بسبب استحالة تنفيذه استحالة مطلقة حتى نهاية العقد وليس مجرد صعوبة تنفيذه.
فالقوة القاهرة عادةً ما تشير إلى الأحداث الخارجة عن إرادة الأطراف والتي لا يمكن توقعها أو تجنبها، ويندرج تحتها الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات، والأزمات الصحية كالأوبئة، والحروب أو القرارات الحكومية التي تعيق تنفيذ الالتزامات.
وعليه؛ كانت القرارات المتخذة في هذا الشأن من قبل القيادات الرشيدة في المملكة العربية السعودية بالاعتراف بنظريتي القوة القاهرة والظروف الطارئة لرفع الضرر ورد الالتزامات المرهقة إلى الحد المعقول وإعادة توازن العقود في مختلف الأنظمة السعودية، فنجد أن العديد من الأنظمة تضمنت نصوص متعلقة بالقوة القاهرة فنجد مثلاً:
أولاً: المادة (74) من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية لعام 1440ه.
ثانياً: المادة (14) من نظام التجارة الالكترونية لعام 1440ه.
ثالثاً: المادة (24) من نظام المحكمة التجارية لعام 1350ه.
رابعاً: المادة (74) من نظام العمل السعودي لعام 1426ه، وغيرها من الأنظمة العديدة التي لا حصر لها والتي تناولت نصوصاً عالجت أحكام القوة القاهرة.
أما عن الأساس الشرعي فتستند فكرة القوة القاهرة في النظام السعودي إلى القواعد الفقهية مثل قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، وقاعدة "المشقة تجلب التيسير" وقاعدة "لا تكليف إلا بمقدور". فإذا وقع حدث يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً، يجوز إسقاط الالتزام أو تعديله لتخفيف الضرر.
ولقد نظم نظام المرافعات الشرعية هذا النظام المسائل المرتبطة بالدعاوى المتعلقة بالقوة القاهرة من خلال توضيح آليات إثبات الضرر أو الاستحالة.
وبالتالي ما هي شروط تطبيق نظرية القوة القاهرة
حتى يعتبر الحدث الواقع قوة قاهرة كان لابد من توافر عدة شروط يجب أن تتوافر في هذا الحدث نذكر منها ما يلي على النحو التالي:
1. عدم القدرة على التوقع: أن تكون الحادثة غير متوقعة عند توقيع العقد، فالأحداث المعتادة أو التي يمكن توقعها (مثل تغييرات السوق البسيطة) لا تُعتبر قوة قاهرة فمثلاً يعتبر وقوع زلزال مدمر في منطقة غير معروفة بالنشاط الزلزالي قد يُعتبر قوة قاهرة لأنه غير متوقع.
2. الاستحالة المطلقة للتنفيذ: إذ يجب أن تجعل الحادثة تنفيذ الالتزام مستحيلاً بشكل كلي، وليس مجرد صعوبة أو تكلفة إضافية، فالاستحالة قد تكون مؤقتة (تعليق الالتزام) أو دائمة (تلغي العقد) فمثلاً إذا تسببت جائحة في إغلاق الحدود، مما جعل تسليم البضائع مستحيلاً، فإن هذا يُعد استحالة مطلقة.
3. الخروج عن السيطرة: أن تكون الحادثة خارج سيطرة الأطراف فإذا كان في إمكان الطرف المتضرر تفادي الأثر، فلن يُعتبر الحدث قوة قاهرة فمثلاً في حال السيول التي تُغرق مشروعًا رغم وجود تدابير الحماية اللازمة تُعتبر قوة قاهرة. لكن إذا أهمل الطرف المتعاقد اتخاذ تدابير وقائية معروفة، فقد لا يُعترف بالحادث كقوة قاهرة.
الآثار الناتجة عن حدوث القوة القاهرة على الالتزامات التعاقدية
عادةً ما ينتج عن تصنيف الحالة بأنها قوة قاهرة، فيكون لها عدة تأثيرات مباشرة على الالتزامات التعاقدية تهدف إلى حماية الطرف المتضرر وتضمن تحقيق العدالة في العلاقة التعاقدية، وفيما يلي أبرز الآثار الناجمة عن حدوث القوة القاهرة:
1. الإعفاء من المسؤولية: يمكن أن تُعفي القوة القاهرة الطرف المتضرر من تحمل المسؤولية عن عدم تنفيذ الالتزامات ولا يُطلب تعويض للطرف الآخر عن أي ضرر ناتج عن الإخلال بالعقد بسبب الظروف القاهرة الخارجة عن السيطرة.
2. تعليق العقد: في بعض الحالات، قد يتم تعليق العقد مؤقتًا حتى زوال الظروف القهرية، فعند انتهاء السبب يُستأنف تنفيذ الالتزامات بنفس الشروط السابقة أو على حسب ما يتم الاتفاق عليه بين أطراف التعاقد.
3. إنهاء العقد: إذا كانت الاستحالة دائمة، قد يؤدي ذلك إلى إنهاء العقد تلقائيًا دون مسؤولية على أي من الأطراف وذلك في حال حدوث زلزال ضخم أدي إلى تدمير مشروع البناء بالكامل، يصبح من غير الممكن إكمال المشروع، وبالتالي يُنهي العقد.
4. إعفاء من الجزاءات التعاقدية: فإذا كان العقد يتضمن غرامات أو جزاءات للتأخير أو عدم التنفيذ، فإن القوة القاهرة تُعفي الطرف المتضرر من دفع هذه الجزاءات.
5. تعديل شروط العقد: إذ يمكن للطرفين الاتفاق على تعديل شروط العقد للتكيف مع الظروف الجديدة وقد يشمل ذلك تمديد المدة الزمنية، أو تعديل الالتزامات المالية، أو تخفيف شروط التنفيذ.
وبالتالي نجد أن النظام السعودي لعب دورًا محوريًا في تفسير وتطبيق القوة القاهرة، حيث يتم النظر إلى كل حالة على حدة، فنجد أن المحكمة تقوم بدراسة طبيعة الحادثة، وتأثيرها على تنفيذ الالتزام التعاقدي، ومدى توافر الشروط القانونية لتصنيفها كقوة قاهرة.
تطبيقات عملية على تطبيق نظرية القوة القاهرة في النظام السعودي
وهناك تطبيقات عملية على تطبيق نظرية القوة القاهرة في النظام السعودي في الحكم الصادر بالصك رقم 3450435 بالدعوي رقم 34208836 بتاريخ 30/2/1434ه
حيث حكمت المحكمة "بفسخ العقد وإعادة الأجرة المسلمة ذلك أن المستأجر منع من الانتفاع بالعين المؤجرة بسبب خارج عن إرادة طرفي العقد. فمن استأجر عيناً فحدث أمر غالب يمنعه من الانتفاع بالعين المؤجرة بسبب لا يتعلق بالمستأجر فأنه لا تلزمه الأجرة إلا بقدر انتفاعه".
جائحة فيروس كورونا
تعد جائحة فيروس كورونا والقرارات الصادرة من حكومة المملكة العربية السعودية لمجابتها والحد من انتشارها حدثاً استثنائياً غير متوقعاً ولا يمكن دفعه
فمتي تحققت شروط تطبيق نظرية القوة القاهرة يجوز عندئذ لأطراف العلاقة التعاقدية إما التوجه للقضاء للمطالبة بالفسخ القضائي للعقد أو طلب إعادة التوازن المالي بين الطرفين، وقد تتم التسوية أو التفاوض للوصول إلى تسوية ودية يتفق بموجبها الأطراف على الفسخ الرضائي للعقد أو إعادة التفاوض وتعديل شروط العقد بما يضمن مصالح جميع الأطراف، ولكن في الأحوال دائماً الحل الأفضل هو اللجوء إلى تسوية ودية بعيداً عن القضاء.
وقد حكمت المحكمة التجارية بالسعودية في القضية رقم ١٠٥٥٣ لعام ١٤٤٠ هـ "بالموافقة على طلب المدعي بتعديل الخطة المقدم من المدين بما يحقق مصلحة المدين ودائنيه نظراً لتوقف العمل بسبب جائحة كورونا".
كما قضت المحكمة التجارية بالسعودية في القضية رقم 4470683440 لعام 1444 ه "بإلزام المدعي عليه بدفع التعويض للمدعي إذ استحال تنفيذ العقد نهائياً بسبب حدوث ظروف طارئة تمثلت في وجود أمطار وفيضانات ابتداء ً ثم استحال تنفيذها نهائياً لحدوث قوة قاهرة وجائحة وهي جائحة كورونا وما سببته من خسائر".
المطالبة بالفسخ القضائي للعقد لانقضاء الالتزام باستحالة التنفيذ:
وحيث إن حالات انتشار جائحة فيروس كورونا والقرارات الحكومية الصادرة لمجابهتا تعتبر بمثابة القوة القاهرة لبعض العقود في حال استحالة التنفيذ. عندئذ يمكن القول إنه يجوز لأطراف أي علاقة تعاقدية تأثرت بهذه الظروف اللجوء للقضاء للمطالبة بفسخ العقد الاستحالة التنفيذ إلا أن مسألة تقدير الاستحالة تعود للسلطة التقديرية للقاضي الذي يقدرها بالنظر إلى طبيعة العقد والظروف المحيطة التي ترتبت عليها هذه الاستحالة.
كما أن للقاضي سلطة تقديرية مطلقة في اعتبار أن الاستحالة المترتبة على جائحة كورونا تعد استحالة جزئية أو مؤقتة، وفقاً لطبيعة العقد وملابساته ودرجة تأثره، ومن ثم الحكم بوقف تنفيذ العقد لفترة معينة دون فسخه أو الحكم بالفسخ الجزئي متى كان الالتزام المترتب على العقد قابل للتجزئة.
وأخيراً
يمكن القول بأن القوة القاهرة في النظام السعودي تعتبر أداة قانونية عادلة تهدف إلى حماية الأطراف من الأضرار الناتجة عن الظروف الخارجة عن إرادتهم، ومع مراعاة المملكة لتطور الأنظمة والتشريعات. لذلك، فإن تضمين بنود واضحة حول القوة القاهرة في العقود يعد ضرورة لتجنب النزاعات وضمان العدالة.
ومع ذلك، لا ينبغي أن تكون هذه الظروف الطارئة شماعة تبرر التقاعس عن أداء الالتزامات، بل يجب أن تخضع لشروط وقيود تحددها السلطة القضائية، وعلى أصحاب الشركات والمؤسسات والأفراد التروي قبل إقامة الدعاوى المتعلقة بهذه الظروف حتى تتضح الأمور ما لم تكن هناك ضرورة ملحة، كطلب عدم احتساب هذه المدة ضمن نطاق العقد.
وأفضل مشورة يمكن تقديمها للمتعاقدين هي السعي للتفاهم الودي، وتحمل كل طرف جزءاً من الخسارة مراعاةً للظروف العامة، بعيداً عن المحاكم، لأننا جميعاً في قارب واحد، ومن الظلم أن يتحمل طرف الضرر وحده.