إن التحكيم هو الوسيلة الأكثر شهرة فيما يخص تسوية منازعات حقوق الملكية الفكرية. وهو مالا يشكل مفاجأة بالنظر إلى الأهمية المتزايدة لحماية حقوق الملكية الفكرية لتحقيق الازدهار الاقتصادي وزيادة الأرباح التجارية في عالمنا الذي يمتازبالسرعة والعولمة.
يتزايد اللجوء إلى التحكيم، كإجراء خاص وسري، لتسوية المنازعات التي تنطوي على حقوق الملكية الفكرية، لا سيما عندما تشمل أطرافاً من دول مختلفة. وتتميز منازعات الملكية الفكرية بعدد من الخصائص الخاصة التي يمكن معالجتها عن طريق التحكيم بشكل أفضل من التقاضي أمام المحكمة. فمن الخصائص المميزة للمنازعات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية أنها غالباً ما تكون دولية بحيث يقع النزاع بين أكثر من دولة، كما أنها قد تتعلق بأمور فنية تتطلب وجود متخصصين، فضلاً عن أنها غالباً ما تكون عاجلة بحيث يجب حسمها بشكل سريع ونهائي وكذلك بشكل خاص لما قد تحتويه هذه النزاعات من معلومات سرية أو أسرار تجارية قد يؤدي إنتشارها إلى الإضرار بالسمعة التجارية .
ويرجع كون التحكيم أفضل وسائل فض النزاعات التي تنشأ عن حقوق الملكية الفكرية في كونه عملية خاصة وسرية على عكس معظم إجراءات التقاضي العادية. وهو ما يحد من مخاطر انتشر المعلومات الحساسة أو الخاصة، كما يعمل على تجنب بث الخلافات بين الأطرف ضمن محاكمة علنية. كما يتميز بسرعة الإجراءات وكذلك سرعة فض النزاع نظراً لمحدودية طرق الطعن على الحكم الصادر من هيئة التحكيم. فضلاً عن كون أعضاء هيئة التحكيم غالباً من أهل الخبرة فيما يتعلق بالموضوع محل النزاع هو مالا يتوافر في التقاضي أمام المحاكم العادية
وتحظر بعض القوانين الوطنية اللجوء إلى التحكيم في بعض حقوق الملكية الفكرية. فعلى سبيل المثال، قد لا تكون المسائل المتعلقة بمدى صحة حقوق الملكية الفكرية (مثل صحة براءة الاختراع) قابلة للتحكيم. ويختلف هذا عالمياً حسب قانون كل دولة، لذلك من المهم استشارة محامي التحكيم ذوي الخبرة عند اختيار طريقة حل النزاعات.
كما ينص قانون التحكيم المصري في المادة 11 منه على عدم جواز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، وهي المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام، وهو ما نصت عليه المادة 551 من القانون المدني. كما نصت ذات المادة على جواز اللجوء للتحكيم في المصالح المالية التي تترتب على الحالة الشخصية، أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم. ولم تحدد المادة ماهي مسائل الصلح؟ وماهي مسائل النظام العام؟.
وقد حدد القانون الدولي الخاص السويسري معياراً لقابلية محل النزاع للتحكيم بشكلٍ ميسر؛ حيث تنص المادة 177/1 منه على أنه " كل مسألة ذات طبيعة مالية يمكن أن تكون موضوعاً للتحكيم". وقد ذهبت المحكمة الاتحادية السويسرية في تعليقها على هذا النص أن محل النزاع يكون قابلاً للتحكيم إذا كان موضوعه مصلحة يمكن تقديرها بالنقود، وهي في ذات الوقت المصالح التي يمكن التصرف فيها أو التنازل عنها. وبناءً عليه فإن التحكيم في مجال الملكية الفكرية لا يمتد محله ليشمل الحقوق الأدبية للمؤلفين والمخترعين، وإنما سيقتصر فقط على الجوانب المالية المتصلة بالانتهاكات التي تقع على هذه الحقوق.
خاتمة:
خلاصة القول، حقوق الملكية الفكرية هي حقوق معنوية وتشمل عدة أنواع أهمها: براءة الاختراع، والعلامة التجارية وحق المؤلف والاسم التجاري وكذلك المعلومات السرية أو الأسرار التجارية. ويعد التحكيم في حقوق الملكية الفكرية أحد الوسائل الفعالة لحل النزاعات التي تنشأ عن حقوق الملكية الفكرية بطريقة خاصة وفعالة. حيث يتميز التحكيم بسرية إجراءته وسرعة إنهائه للنزاع من خلال السرعة في إصدار الحكم بالإضافة إلى محدودية طرق الطعن على الأحكام الصادرة عن هيئة التحكيم. كما يساعد على تفادي التكاليف العالية المرتبط غالباً بالطرق التقليدية لحل المنازعات مثل المحاكم. فضلاً عن توافر الخبرة في أعضاء الهيئة التحكيمية فيما يخص موضوع النزاع.
ومع ذلك تجدر ملاحظة أن المنازعات المتعلقة بالملكية الفكرية ليست كلها محلاً للتحكيم. فقد أشارنا أعلاه إلى وجود بعض القيود القانونية حول قابلية عرض بعض المنازعات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية على التحكيم للفصل فيها.
وبشكلٍ عام، فإن التحكيم يعتبر وسيلة فعالة لحل النزاعات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية – في الحدود المقررة قانوناً- حيث يساهم بشكلٍ كبير في تحسين دقة وسرعة وكفاءة حل النزاعات في هذا المجال.
المصادر
- International Arbitration and Intellectual Property (IP) Disputes, Aceris Law,
- Why Arbitration in Intellectual Property?, WIPO,
- Protecting intellectual property rights through international arbitration, Norton Rose Fulbright,
- د. عبد المنعم زمزم، حماية حقوق الملكية الفكرية في إطار منظمة التجارة العالمية من خلال منع وتسوية المنازعات، مجلة التحكيم العربي، الأعداد 28،29،30، يونية وديسمبر 2017، يونية 2018، ص 73-.74