لاحظت في الفترة الأخيرة – بحكم طبيعة عملي – أن عدد لا بأس به من الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم التي تعمل في مجال المقاولات والاستثمار العقاري تتعرض لخسائر جسيمة أثناء تنفيذ المشروعات الإنشائية بسبب عدم درايتها الكافية بحقوقها والتزاماتها التعاقدية، وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل: لماذا لا تهتم معظم الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم بدراسة وإدارة العقود؟ وأعتقد أن الإجابة على هذا السؤال ببساطة هو أن هذه الشركات لا تدرك مدى أهمية هذا الأمر. وبالتالي سأحاول باختصار شرح دور متخصصي العقود في شركات المقاولات.
دور متخصصي العقود في شركات المقاولات.
في بداية الأمر أود أن أوضح أن غالبية ما سيتم ذكره بهذا المقال ليس بالجديد على معظم المتخصصين بمجال العقود، إلا أن عدد لا بأس به من صناع القرار في كبرى شركات الاستثمار العقاري والمقاولات والمكاتب الاستشارية ليسوا على دراية كافية بأهمية دراسة وإدارة العقود، وحجم النفع أو الضرر الذي قد يقع على هذه الشركات نتيجة لحسن أو سوء دراسة وإدارة العقود. وفي رأيي المتواضع، فإن قسم العقود يعتبر أحد أهم الأقسام (إن لم يكن أهمها على الإطلاق) في أي شركة تعمل في هذا المجال، بل إن نجاح أي شركة تعمل في هذا المجال هو دليل قاطع على وجود قسم عقود محترف بهذه الشركة، يعلم جيدا كيفية المحافظة على حقوق شركته وكيفية المطالبة بها. ولمن لا يعلم فإن العديد من الشركات الرائدة التي تعمل في هذا المجال تستطيع وبسهولة تحويل خسائرها في المشروعات إلى أرباح بفضل وجود متخصص عقود متميز.
لقد لاحظت في الفترة الأخيرة أن العديد من الشركات لا تمنح إدارة العقود نفس قدر الاهتمام الذي تمنحه لبعض الأمور الأخرى كتخطيط المشروعات وإدارة التكاليف على سبيل المثال بالرغم من أنه لا يقل أهمية، وهو ما أجده شيء مؤسف. وبعض الزملاء يعتقدون أن سبب هذه المشكلة يرجع إلى أن الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم لا تقدر ماديا على تعيين مهندسي أو متخصصي عقود محترفين، والذين قد يطالبون بمرتبات تعتبرها هذه الشركات باهظة، وهو الأمر الذي يدفع هذه الشركات إلى تعيين مهندسين أقل خبرة من أجل توفير المال أو عدم إنشاء قسم عقود. وحقيقة الأمر فأنني أختلف تماما مع هذا الرأي، وذلك لأنني مقتنع تماما بأن تعيين الشركات لمتخصصين محترفين في مجال العقود قد يمنع هذه الشركات من خسارة ملايين الجنيهات (وفي بعض الأحيان من دون أن تعرف هذه الشركات السبب الحقيقي وراء هذه الخسائر). وغير ذلك فإن هذه الشركات يمكنها ببساطة التعاقد مع مهندسين للعمل بدوام جزئي. وسأحاول في هذا المقال توضيح دور متخصصي العقود في شركات المقاولات، حيث أنها الشركات الأكثر تعرضا للخسائر والأضرار في المشاريع الإنشائية، على أن أقوم في المستقبل – إن شاء الله - بنشر مقالات أخرى عن دور متخصصي العقود في شركات الاستثمار العقاري والمكاتب الاستشارية.
إن دور قسم العقود في مرحلة العطاء لا يقل أهمية عن دور قسم العطاءات نفسه الذي يقوم بتسعير المشروع، حيث أنه لا يمكن تسعير أي مشروع بشكل صحيح إذا لم يتم تعريف المخاطر الموجودة بالعقد حتى يتم إضافتها لسعر العقد. علاوة على ذلك، تتم مراجعة العقد بدقة وتحديد البنود التعاقدية التي يمكن قبولها والبنود الأخرى التي يجب التفاوض مع المالك من أجل تعديلها، مثل الدفعات والأوامر التغييرية وتسليم المشروع والمطالبات والقوة القاهرة والفسخ وغرامات التأخير وتسوية المنازعات وغيرها من البنود التعاقدية. بعد الاتفاق على الشكل النهائي للعقد يقوم متخصص العقود بإعداد تقرير عن مخاطر المشروع وملخص العقد بلغة سهلة وبسيطة لكي تستطيع باقي إدارات الشركة وطاقم المشروع التعرف على حقوق والتزامات الشركة مما ينتج عنه تنفيذ المشروع بكفاءة واحترافية.
ودور متخصص العقود أثناء تنفيذ المشروع لا يقل أهمية عن دوره في فترة العطاء، ففي هذه المرحلة يقوم قسم العقود بمتابعة تنفيذ العقد والتأكد من أن المقاول يقوم بتنفيذ كافة التزاماته التعاقدية تفاديا لوقوعه في مخالفة لأي شرط من شروط العقد، كما يتأكد من تنفيذ المالك لالتزاماته التعاقدية وحفظ حقوق المقاول أثناء تنفيذ العقد. وفيما يلي سأناقش بعض المشاكل الشائعة في مشروعات الإنشاءات. وسوف يتم اتخاذ عقد فيديك 1999 الكتاب الأحمر كمثال لمناقشة هذه المشكلات
إخطار المطالبة:
طبقا لعقد فيديك 1999 الكتاب الأحمر، فإنه يحق للمقاول المطالبة بزيادة مدة المشروع ومبالغ إضافية، ولكنه يجب أن يخطر المهندس في مدة لا تتعدى 28 يوما من تاريخ علمه أو وجوب علمه بالحدث أو الظرف الذي أدى إلى المطالبة. وهنا يجب أن يتم إرسال الإخطار في موعده تجنبا لسقوط حق المقاول.
تأخر صرف الدفعات النقدية:
من أكثر المشكلات التي تتعرض لها شركات المقاولات أثناء تنفيذ المشروعات هي تأخر صرف الدفعات النقدية. وطبقا لعقد فيديك 1999 الكتاب الأحمر، في حالة تأخر أي دفعة من دفعات المقاول، فإنه يستحق تقاضي تكاليف تمويل عن المبالغ الغير مسددة خلال فترة التأخير، والتي يستحقها دون إخطار رسمي أو تصديق. وبالرغم من أن معظم شركات المقاولات توافق على حذف هذا البند من العقد، إلا أنني لاحظت أنه حتى في العقود التي تحتفظ بهذا البند، لا تقوم شركات المقاولات باستخدامه في المطالبة بفوائد على المبالغ المتأخرة. واعتقد أن السبب وراء ذلك يرجع إلى عدم دراية هذه الشركات بوجود هذا البند في العقد.
الأوامر التغييرية:
بالرغم من وجود بند كامل في عقد فيديك 1999 الكتاب الأحمر للتغييرات والتعديلات، وهو بند 13 الذي يتكون من 8 بنود فرعية، إلا أن هذا البند لم يتطرق إلى التزام المقاول بإرسال إخطار بالأوامر التغييرية لحفظ حقه في الوقت والتكلفة. وبالرغم من أنه عادة تحدث خلافات بين المالك والمقاول في الاتفاق على تكلفة أمر التغيير، إلا أن هذه ليست هي المشكلة الحقيقية، ولكن المشكلة تكمن في عدم الموافقة على زيادة مدة المشروع نتيجة لأمر التغيير، والذي قد يرجع في بعض الأحيان إلى عدم قيام المقاول بتقديم إخطار بالمطالبة بزيادة مدة المشروع.
استخدام المالك لجزء من المشروع:
طبقا لعقد فيديك 1999 الكتاب الأحمر، فإنه إذا قام المالك باستخدام أي جزء من الأعمال قبل إصدار شهادة التسلم، فإن هذا الجزء يعتبر قد تم تسلمه اعتبارا من تاريخ استخدامه، وهو ما يعني وقف مسئولية المقاول عن العناية بهذا الجزء اعتبارا من هذا التاريخ وانتقال المسئولية إلى المالك، وهو ما يعني أيضا تخفيض قيمة التعويض عن التأخير (في حالة ما كان تاريخ استخدام المالك لهذا الجزء يسبق تاريخ تسليم هذا الجزء). وفي كثير من الأحيان نجد أن المالك يقوم باستخدام أجزاء من المشروع ولا يعتبر نفسه مسئولا عنها، بل في بعض الأحيان لا يقوم بإصدار شهادة التسلم بتاريخ الاستخدام ثم يقوم بتطبيق غرامة التأخير.
لقد حاولت أن أذكر في هذا المقال بعض المشاكل الشائعة التي تتعرض لها شركات المقاولات نتيجة لعدم الإلمام ببنود العقد، ولكن ذلك لا يغني عن وجود متخصص عقود لإدارة العقد بشكل سليم. وفي النهاية وبعد أن قمت بتوضيح دور متخصص العقود في شركات المقاولات، سأطرح سؤالا يحتاج إلى إجابة: هل تعتقد فعلا أنه من الأفضل للشركات الكبيرة أن تتبع نهج الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم وأن تقوم بعدم تعيين متخصصي عقود كفء توفيرا للمال والاعتماد على خبرة باقي أقسام الشركة في إدارة العقود كما هو الحال الآن، أم أنه حان الوقت لتغيير هذا الفكر؟
بقلم: م. محمد وائل استشاري عقود ومطالبات