نحو نهاية قضية (سلطان سولو) في فرنسا التأثير الخفي لاتفاقية نيويورك على القانون الفرنسي بشأن تنفيذ أحكام التحكيم
2025/03/10

توشك الملحمة الشهيرة (سلطان سولو) على نهايتها في فرنسا، حيث أيدت محكمة النقض الفرنسية (Cass. Civ. 1re)، بتاريخ 6 نوفمبر 2024، حكم محكمة استئناف باريس برفض تنفيذ الحكم التحكيمي التمهيدي، الذي أكد فيه المحكم المنفرد اختصاصه وحدد مدريد كمقرٍ للإجراءات التحكيمية في النزاع القائم بين ماليزيا وورثة سلطان سولو.

غير أن الحكم الصادر عن محكمة النقض الفرنسية لا يمثل الفصل الأخير في هذه القضية أمام المحاكم الفرنسية. حيث أُصدر حكمين تحكيميين في إطار هذه الإجراءات:

  1. الحكم الأول، الذي أكد فيه المحكم المنفرد اختصاصه وحدد مدريد كمقر للتحكيم (وهو موضوع الحكم الصادر عن محكمة النقض).
  2. الحكم الثاني، الذي تناول موضوع النزاع، وألزم ماليزيا بدفع مبلغ 14.92 مليار دولار أمريكي للمدعين، تعويضًا عن الإخلال باتفاقية 1878 المبرمة بين سلطان سولو (الحاكم السابق لأجزاء من الفلبين وولاية صباح الماليزية) وبين شخصين أوروبيين.

وبموجب هذه الاتفاقية، تنازل السلطان أو قام بتأجير حق استغلال الأراضي مقابل دفعات سنوية. كما نصت الاتفاقية على أن يتم عرض أي نزاع على (القنصل العام البريطاني في بورنيو) للنظر والفصل فيه. لاحقًا، انتقلت السيادة على السلطنة السابقة إلى التاج البريطاني، ثم أصبحت جزءًا من ماليزيا، التي واصلت دفع المبالغ السنوية لأفراد من الفلبين تم التعرف عليهم كـ ورثة آخر سلطان، وذلك حتى عام 2013.

من جهة أخرى، تسعى ماليزيا إلى إبطال الحكم التحكيمي الثاني المتعلق بالموضوع أمام محكمة استئناف باريس، التي قررت تعليق إجراءاتها لحين صدور حكم محكمة النقض الفرنسية. وبالنظر إلى الحكم الصادر في 6 نوفمبر 2024، فإنه لا يوجد مجال كبير للشك بأن محكمة استئناف باريس ستقرر إبطال الحكم التحكيمي الثاني.

تُبرز هذه القضية التباينات التي قد تنشأ بين الأنظمة القضائية الوطنية فيما يتعلق بتفسير اتفاق التحكيم، إضافةً إلى غياب التوحيد الدولي في تطبيق اتفاقية نيويورك ومفاهيمها الأساسية. فقد اعتبر المحكم في مدريد، ولو من الناحية الظاهرية، أن شرط التحكيم محل النزاع كان موجودًا، مما دفعه إلى تعيين محكم للنظر في القضية. ويجدر التذكير بأن إلغاء الحكم الصادر في مدريد لم يكن بسبب شرط التحكيم ذاته، وإنما بسبب مخالفات تتعلق بإجراءات تبليغ القرار إلى دولة ذات سيادة.

وفيما يتعلق بتنفيذ الأحكام التحكيمية في أنظمة قضائية أخرى:

  • لوكسمبورغ: نجح المدّعون في تنفيذ كلا الحكمين التحكيميين.
  • هولندا: أيدت المحكمة العليا الهولندية حكمًا سابقًا قضى برفض تنفيذ الحكم المتعلق بموضوع النزاع.
  • الولايات المتحدة: يجري تحريك القضية حاليًا إلى المحاكم الأمريكية.

مع ذلك، ستقتصر ملاحظاتنا على الجانب الفرنسي لهذه القضية. فمن بين القضايا العديدة التي يمكن مناقشتها، تناولت محكمة النقض الفرنسية مسألة واحدة فقط، وهي مدى صحة حكم محكمة استئناف باريس بإلغاء حكم المحكمة الابتدائية، الذي كان قد قضى بتأييد الحكم التحكيمي المتعلق بالاختصاص.

على الرغم من أن فرنسا طرف في اتفاقية نيويورك، إلا أن المحاكم الفرنسية تطبق باستمرار – وغالبًا دون تسبيب - أحكام قانون الإجراءات المدنية الفرنسي على المنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، وذلك استنادًا إلى المادة السابعة من الاتفاقية.

ووفقًا لقواعد التحكيم في فرنسا، فإن إجراءات تنفيذ الأحكام التحكيمية تتم وفق إجراء ولائي (ex parte)، حيث يكتفي طالب التنفيذ بتقديم الحكم التحكيمي واتفاق التحكيم مترجمًا إلى الفرنسية للحصول على أمر التنفيذ .(exequatur) ومع ذلك، يمكن الطعن في هذا الحكم استنادًا إلى المادة 1525 من قانون الإجراءات المدنية، إلا أن أسباب الطعن محصورة في الأسباب الخمسة التي تجيز إبطال حكم التحكيم الصادر في فرنسا، وفقًا للمادة 1520 من نفس القانون.

في هذا السياق، استندت ماليزيا إلى جميع الأسباب الخمسة للطعن في حكم القاضي الابتدائي الذي منح الأمر بالتنفيذ. ورغم عدم وجود ترتيب أو تفضيل بين هذه الأسباب، حيث يجوز للأطراف تقديمها بأي تسلسل يرونه مناسبًا، فإن محكمة استئناف باريس اعتبرت ما يلي:

(بما أن اختصاص المحكم هو مصدر سلطته القضائية، فإنه من الضروري، قبل فحص صحة تشكيل هيئة التحكيم، تحديد ما إذا كانت الأطراف قد قصدت اللجوء إلى التحكيم، وبأي شروط).

تنص المادة (1)1520 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي، والتي تحيل إليها المادة 1525 من نفس القانون، على سبب موجز ومقتضب لرفض تنفيذ حكم التحكيم مقارنةً بما ورد في اتفاقية نيويورك، إذ تنص ببساطة على أنه يجوز رفض التنفيذ إذا: (أعلنت هيئة التحكيم اختصاصها أو عدمه بشكلٍ غير صحيح).

ويتناول هذا السبب نفس المسألة المنصوص عليها في المادة V(1)(a) من اتفاقية نيويورك، ولكن بطريقة مختلفة، إذ لا يشير إلى أي قانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم.

وتعد هذه المقاربة إحدى السمات الأكثر تميزًا في القانون الفرنسي للتحكيم وتطبيقاته من قبل المحاكم الفرنسية، التي قضت، على مدى عقود، بأن:

(صحة اتفاق التحكيم الدولي، ووجوده، ونفاذه، يجب أن يتم تفسيرها دون الإحالة إلى قانون أي دولة).

(حكم محكمة النقض الفرنسية، الدائرة المدنية الأولى، قضية Dalico، الصادر في 20 ديسمبر 1993، رقم 91-16828).

وحتى صدور الحكم في قضية سلطان سولو، لم يوجد اهتمام كبير بتحديد القواعد التفسيرية التي ينبغي أن يُفسر بموجبها اتفاق التحكيم الدولي. فقد أرست الاجتهادات القضائية الفرنسية مبدأً يقوم على افتراض صحة اتفاق التحكيم، مما ترك مجالًا ضيقًا جدًا للقول بعدم صحة الاتفاق (انظر: قضية Zanzi، محكمة النقض الفرنسية، الدائرة المدنية الأولى، 5 يناير 1999، رقم 96-21.430).

غير أن الأمر اختلف في هذه القضية، حيث بدا أن اتفاق التحكيم يعاني من عيوب جوهرية (pathological)، مما استدعى تبرير الطريقة التي يجب أن يتم بها تفسير بند التحكيم في الاتفاقية. وفي حكمها الصادر بشأن قضية سلطان سولو، أضافت محكمة استئناف باريس قاعدتين تفسيريّتين جديدتين – رغم أنها سبق أن اعتمدتهما في بعض القضايا السابقة (قضيةBZ Grain، محكمة استئناف باريس، 4 أبريل 2023، رقم 22/07777، وقضيةImagine، محكمة استئناف باريس، 16 مايو 2023، رقم 21/21189):

  1. مبدأ حسن النية
  2. مبدأ الفعالية  (utility)

وقد أيدت محكمة النقض الفرنسية هذه القواعد التفسيرية، وأكدت أنه:

(يجب تفسير اتفاق التحكيم الدولي، الذي تحدد وجوده ونفاذه الإرادة المشتركة للأطراف، وفقًا لمبادئ حسن النية والفعالية، دون الإحالة إلى قانون أي دولة (تم التأكيد على هذا المبدأ.

قامت محكمة استئناف باريس بمقارنة عدة ترجمات لبند التحكيم، وخلصت إلى أن إرادة الأطراف كانت تتجه إلى تعيين طرف ثالث للفصل في أي نزاع ينشأ عن الاتفاقية المبرمة بينهم أو بين خلفائهم، وأن هذا البند: (يمكن اعتباره بمثابة شرط تحكيمي).

ومع ذلك، أشارت المحكمة إلى أن: (اختيار القنصل العام البريطاني المعين في بروناي للنظر في أي نزاع كان عاملًا حاسمًا في إرادة الأطراف اللجوء إلى التحكيم).

وبالنظر إلى الظروف الواقعية لهذه القضية، فإن تسمية القنصل العام البريطاني المعين في بروناي تبدو غير قابلة للفصل عن إرادة الأطراف في تسوية النزاع بالتحكيم، حيث تشكل جزءًا لا يتجزأ منها. ونتيجة لذلك، أصبح البند التحكيمي باطلًا ولاغيًا، نظرًا لعدم وجود هذه الوظيفة (وكذلك الشخص الذي كان يشغل هذا المنصب حينها) بعد الآن.

وبعبارة أخرى، كان تعيين القنصل العام البريطاني في بروناي كمحكم عنصرًا جوهريًا في موافقة الأطراف على التحكيم.

وفي هذا السياق، يناقش بعض الفقهاء إمكانية أن يقوم الأطراف بـإضفاء الطابع الجوهري (Essentialisation) على بعض عناصر اتفاق التحكيم، مثل تسمية محكم معين بالاسم أو تحديد منصب محدد له. فإذا كانت إرادة الأطراف تتجه بوضوح إلى اللجوء إلى التحكيم، فيجب حماية هذه الإرادة؛ أي أنه في حال تعذر تعيين الشخص المحدد كمحكم، ينبغي الإبقاء على البند التحكيمي وتعيين محكم آخر بديل.

(انظر، على سبيل المثال: ليليان لاريبير، تعيين المحكم intuitu personae وبطلان اتفاق التحكيم، Gazette du Palais، 23 أكتوبر 2023).

من وجهة نظرنا، إذا حدد الأطراف بشكل دقيق الصفات الواجب توافرها في المحكم (مثل خبرة معينة أو المعرفة بلغة محددة)، فيجب احترام هذا العنصر الجوهري في موافقة الأطراف على التحكيم، طالما أن هذا الاختيار لا يتعارض مع مبدأ عدم التمييز. فإذا اختار الأطراف صفةً أو وضعًا معينًا للمحكم، فيجب الالتزام بذلك.

غير أنه إذا زالت هذه الصفة أو الوظيفة كما هو الحال في هذه القضية، حيث كانت أول سلطة تعيين لجأ إليها المدعون هي وزارة الخارجية البريطانية، التي رفضت تعيين محكم، فإن اتفاق التحكيم يصبح غير قائم، بغض النظر عن أسباب اختفاء الوظيفة أو المنصب المحدد.

وقد أيدت محكمة النقض الفرنسية هذا التحليل الوارد في حكم محكمة استئناف باريس، ومنحت المحكمة سلطة تفسير واسعة، على غرار تعاملها مع أي عقد آخر. فوفقًا لاجتهادات القضاء الفرنسي، فإن تفسير العقود يقع ضمن سلطة القضاة الموضوعيين، ولا يمكن نقض تفسيرهم إلا في حالات استثنائية، عندما يمنح القضاة للبند معنى لا يمكن أن يكون له، وهو ما يُعرف في القانون الفرنسي بـ التحريف .(dénaturation)

تعد هذه أول قضية يتم فيها رفض تنفيذ حكم تحكيم أجنبي بسبب بطلان اتفاق التحكيم بعد إبرامه، وذلك نتيجة زوال وظيفة دبلوماسية محددة كانت جوهرية في الاتفاق.

ومع ذلك، فإن القانون الفرنسي الخاص بتنفيذ الأحكام التحكيمية لا ينص صراحةً على بطلان اتفاق التحكيم (caducité) كسبب لرفض التنفيذ. وكما تم توضيحه سابقًا، فإن أول سبب لرفض التنفيذ بموجب المادة 1520 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي يتعلق بكون هيئة التحكيم قد قررت اختصاصها أو عدم اختصاصها بشكل خاطئ.

وبطبيعة الحال، قد يكون أحد أسباب عدم اختصاص هيئة التحكيم هو أن اتفاق التحكيم أصبح باطلًا ولاغيًا. وبالتالي، يمكن بسهولة الاستدلال ضمنيًا بأن هذا السبب مشمول ضمن القانون الفرنسي للتحكيم. ومع ذلك، فإن الإشارة الصريحة إلى بطلان اتفاق التحكيم وردت في المادة II(3) من اتفاقية نيويورك، مما يثير تساؤلات حول مدى تأثير ذلك على التفسير الفرنسي لهذه الحالات.

هل يمكن أن تكون محكمة استئناف باريس بصدد إرساء اتجاه جديد في تفسير أسباب رفض التنفيذ المنصوص عليها في القانون الفرنسي، مستوحى من اتفاقية نيويورك؟

لا يمكن أن نطمح إلى ما هو أفضل من ذلك. إن تطبيق أحكام اتفاقية نيويورك بدلًا من القانون الفرنسي - عند غياب الدليل على أن القانون الفرنسي أكثر ملاءمة من الاتفاقية – من شأنه أن يُمكن المحاكم الفرنسية من المساهمة في تطوير القانون الدولي بشأن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية.

بمعنى آخر، سيتيح ذلك تبني نهج عالمي (universalist approach)، بدلًا من الاستمرار في النزعة الاستثنائية (exceptionalism)، التي طالما تميز بها الاجتهاد القضائي الفرنسي في هذا المجال، وهو ما تم التطرق إليه خلال مؤتمر حديث عُقد في جامعة مدينة باريس .(Université Paris Cité)

المصدر:

المؤلف: كارولين كلاينر، أستاذة القانون بجامعة باريس تاريخ النشر: 25 فبراير 2025 المنصة: Kluwer Arbitration Blog