العقود الذكية وتكنولوجيا البلوك تشين: بين الابتكار القانوني والتحديات التشريعية
2025/03/03

في ظل الثورة الرقمية التي يشهدها العالم، باتت التكنولوجيا تلعب دورًا محوريًا في إعادة تشكيل الأنظمة القانونية والتجارية. ومن بين هذه التحولات البارزة، ظهر مفهوم العقود الذكية، التي تعتمد على تكنولوجيا البلوك تشين (Blockchain) لتنفيذ الاتفاقات بشكل تلقائي دون الحاجة إلى وسيط قانوني أو طرف ثالث. ومع هذا التطور التقني، تبرز تحديات قانونية تتطلب إعادة النظر في الإطار التشريعي التقليدي للعقود.

 وفي هذا السياق، جاء بحث العقود الذكية وتكنولوجيا البلوك تشين: إطار جديد للمعاملات الرقمية (التحديات القانونية)، من إعداد المستشار/ محمد إبراهيم عبد النبي، والمستشار/ ياسين عبد الله عبد الكريم، ليسلط الضوء على التحول القانوني الذي أحدثته العقود الذكية، مستعرضًا مفهومها، وإطارها القانوني، والتحديات التي تواجه دمجها في الأنظمة القانونية المعاصرة، مع تقديم حلول مقترحة تسهم في سد الفجوة التشريعية وضمان فاعلية هذه العقود في البيئة الرقمية.

ما هي العقود الذكية؟

العقد الذكي هو برنامج حاسوبي مكتوب بلغة برمجية مشفرة يتم تخزينه وتنفيذه على شبكة البلوك تشين، بحيث يتم تنفيذ الشروط التعاقدية تلقائيًا عند تحقق المعايير المحددة مسبقًا. وذلك بخلاف العقود التقليدية، التي تعتمد على الوثائق الورقية أو الرقمية، فالعقود الذكية تضمن التنفيذ الذاتي للالتزامات دون الحاجة إلى تحكيم أو قضاء، مما يعزز من سرعة التعاملات، ويقلل من النزاعات، ويحد من تدخل الوسطاء.

الإطار القانوني للعقود الذكية

رغم ما تقدمه العقود الذكية من شفافية وأمان، فإنها تثير العديد من التساؤلات القانونية، لا سيما في ظل غياب إطار تشريعي صريح ينظمها في العديد من الدول، ومن بينها مصر والدول العربية. ووفقًا للنظرية العامة للعقود في القانون المدني، يقوم العقد على الرضا، والمحل، والسبب، وهي شروط قد يصعب التحقق منها في العقود الذكية التي تعتمد على الأكواد البرمجية بدلًا من اللغة القانونية التقليدية.

وتتمثل إحدى الإشكاليات البارزة في إثبات الأهلية القانونية للأطراف، إذ إن العقود الذكية تُبرم عبر هويات رقمية دون الحاجة إلى إفصاح مباشر عن المعلومات الشخصية، مما قد يعوق التأكد من أهلية المتعاقدين قانوناً. كما أن عدم قابلية العقود الذكية للتعديل بعد تسجيلها على البلوك تشين يتعارض مع القواعد القانونية التي تتيح للأطراف تعديل أو فسخ العقد في ظل ظروف معينة، مثل نظرية القوة القاهرة أو الظروف الطارئة.

التحديات القانونية والحلول المقترحة

يطرح البحث عدة تحديات تواجه اعتماد العقود الذكية، من بينها:

  • الفراغ التشريعي: لا تزال معظم النظم القانونية تفتقر إلى قواعد واضحة تنظم العقود الذكية.
  • صعوبة تفسير العقود الذكية قانونيًا: نظرًا لكونها مكتوبة بلغة برمجية، فإن فهم مضمونها القانوني يتطلب خبراء تقنيين إلى جانب القانونيين.
  • إشكالية فسخ العقد: لا يوجد إطار قانوني واضح يحدد كيفية إنهاء العقد الذكي بعد تفعيله، مما قد يؤدي إلى خسائر للطرف المتضرر.
  • أمان البيانات: رغم أن البلوك تشين يضمن عدم التلاعب بالعقود، فإنه لا يزال عرضة للهجمات السيبرانية، مما قد يؤثر على سرية المعاملات وموثوقيتها.

ولمواجهة هذه التحديات، يقترح البحث وضع تشريع متكامل ينظم العقود الذكية، يأخذ بعين الاعتبار الجوانب التكنولوجية والقانونية. كما يدعو إلى التعاون بين المشرعين والمبرمجين لضمان صياغة عقود ذكية تتماشى مع القواعد القانونية التقليدية، وإدراج آليات مرنة تسمح بتعديل العقود أو إنهائها عند الضرورة.

نحو مستقبل قانوني رقمي

مع تسارع تبني تقنيات البلوك تشين، بات من الضروري أن تواكب التشريعات هذا التطور لضمان التوازن بين الكفاءة التقنية والعدالة القانونية. وتحمل العقود الذكية إمكانيات هائلة في مجالات التمويل، التجارة الإلكترونية، وإنترنت الأشياء، لكنها تحتاج إلى إطار قانوني مرن يحمي حقوق الأطراف المتعاقدة. من هنا، فإن البحث يقدم رؤية متكاملة لكيفية تطوير القوانين لتلائم طبيعة العقود الذكية، مما يسهم في تحقيق بيئة قانونية رقمية أكثر تطورًا واستقرارًا.

لتحميل البحث