ملخص قضية التحكيم بين FIVE FCB الفرنسية ضد شركة اينا هولدينغ المغربية
أ محمد مصطفى  البنداري

أ محمد مصطفى البنداري

باحث قانوني بالأكاديمية الدولية للوساطة والتحكيم
2022/10/19

تعد نسبية العقود والإجراءات والأحكام من أعقد موضوعات القانون الخاص، فنسبية اتفاق التحكيم تعرف الأطراف الذين ينصرف إليهم شرط التحكيم، والقواعد المنظمة له، وغالبًا ما يتخذ التحكيم شكل بند تحكيمي يتعهد بموجبه أطراف العقد بتقديم أي نزاعات قد تنشأ بينهم بشأن العقد للتحكيم، والأصل أن اللجوء للتحكيم يكون من خلال الأطراف الموقعة عليه، لكن في بعض الحالات يمتد شرط التحكيم استثناءا إلى الغير الذين لم يوقعوا عليه في البداية.

وعليه فإن اتفاق التحكيم الذي أبرمته الشركة يمكن أن يمتد إلى شركة أخرى تدخلت بشكل ما في ابرام أو تنفيذ العقد بالرغم من عدم توقيعها لاتفاق التحكيم؟ فإذا كان هذا التمديد ممكناً، فما هي شروطه وآثاره؟ وسلطة القضاء في تزييل الحكم التحكيمي الممتد إلى الشركة غير الموقعة بالصيغة التنفيذية؟ وما هي الاتجاهات القضائية الدولية في امتداد اتفاق التحكيم للغير؟

وفيما يلي نجيب على تلك التساؤلات من خلال دراسة تفاصيل النزاع الحاصل بين شركتي اينا اسمنت واينا هولدينغ ضد شركة FIVE FCB الفرنسية.

النزاع أمام محكمة التحكيم الدولية بجنيف (ICC):

بتاريخ 24/7/2008 وقعت شركة اينا اسمنت عقد مع شركة FIVE FCB الفرنسية لبناء وتشغيل مصنع إسمنت بمنطقة الكيسر مقابل مبلغ وقدرة مائة اثنان وثلاثون مليون يورو.

في عام 2009 قامت شركة اينا اسمنت بفسخ العقد بإرادتها المنفردة وارجعت السبب في ذلك إلى عدم التزام شركة FIVE FCB الفرنسية بالشروط التعاقدية.

لم ترتض شركة FIVE FCB الفرنسية فسخ العقد وأقامت دعواها التحكيمية رقم 16815/ND بالمحكمة الدولية التابعة لغرفة باريس الدولية بجنيف، ضد شركة اينا اسمنت.

بتاريخ 21/9/2011 صدر الحكم التحكيمي في النزاع بغرفة جنيف ضد شركة انيا اسمنت وشركة انيا هولدينغ والقاضي حكمه بامتداد الشرط التحكيمي المتفق عليه بالعقد إلى شركة اينا هولدينغ، وإلزامهم بالتضامن سداد مبلغ وقدره 19.487.200 يورو مع الفوائد بنسبة 5% ابتداء من تاريخ 31/7/2009 وحتى تاريخ سداد المبلغ كامل.

وقد صدر الحكم استناد إلى الفصل 178 من القانون السويسري الذي يخول تمديد شرط التحكيمي لطرف ولو لم يوقع على العقد الأصلي في حالات منها مثلا تدخل ذلك الطرف في وقت لاحق لإبرام العقد الأصلي في أعمال الشركة الموقعة، أو في حال انشاء شركة لا تملك أصول والتعاقد من خلالها للتهرب من الالتزامات المالية عند نشوء النزاع (الحكم رقم 220 الصادر بتاريخ 15/1/2015 في الملف رقم 2669/8224/2013، الصادر من محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء.)

النزاع أمام القضاء المغربي:

بعد صدور الحكم التحكيمي المشار أليه سلفا قدمت شركة FIVE FCB الفرنسية دعوى لتزييل الحكم بالصيغة التنفيذية تمهيدا لتنفيذه.

وبتاريخ 28/12/2012 صدر قرار رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء في الدعوى رقم 3921 في الملف رقم 2426/1/2011، والقاضي بالاعتراف بالحكم التحكيمي سالف البيان وتزيله بالصيغة التنفيذية في مواجهة شركة انيا اسمنت، ورفض طلب التنفيذ في مواجهة شركة انيا هولدينغ.

وأسست المحكمة حكمها برفض تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية في مواجهة شركة اينا هولدينغ على كون أن امتداد اتفاق التحكيم للأخيرة فيه مساس بالنظام العام المغربي ويعتبر اجراء باطلا مستوجبا لرد الطلب في مواجهتها، كون القانون الواجب التطبيق بمقتضي العقد الذي ورد فيه شرط التحكيم هو القانون السويسري والذي ثبت - لقاضي التنفيذ – أنه لا يتضمن أي مقتضي صريح يخص تمديد اتفاق التحكيم للغير.

لم ترتض شركة FIVE FCB الفرنسية هذا الحكم واستأنفته بالاستئناف رقم 2669/8224 لسنة 2013، كما استأنفت شركة اينا اسمنت للمطالبة ببطلان الحكم التحكيمي وتم ضم الاستئنافين.

وبتاريخ 15/1/2015 أصدرت محكمة استئناف الدار البيضاء بالمملكة المغربية القرار رقم 220، بشأن الاستئنافين سالفي البيان والقاضي منطوقه بقبول الاستئناف شكلا، وفي الموضوع بقبول استئناف شركتي FIVE FCB، و CBC moroccoالفرنسية وإلغاء الأمر المستأنف فيما قضي به من رفض التنفيذ في مواجهة شركة اينا هولدينغ والحكم من جديد بالأمر بتخويل الاعتراف والصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي رقم 16815/ND المؤرخ في 21/9/2011 الصادر بجنيف المحكمة الدولية للتحكيم التابعة للغرفة الدولية بباريس في مواجهة شركة اينا هولدينغ.

وبرد استئناف شركة اينا اسمنت وتأييد الأمر المستأنف فيه فيما قضي به بخصوصها وتحميلها الرسوم والمصاريف.

وأسست المحكمة حكمها، أن قاضي التنفيذ عندما خلص إلى أن القانون السويسري لا يتضمن نص صريح يخص امتداد اتفاق التحكيم للغير وباعتماده على القانون السويسري المطبق على النزاع للقول بوجود خرق للنظام العام المغربي دون أن يبين أي علاقة بين القانون المذكور والنظام العام المغربي، يكون قد جانب إطار مهمته بمقتضي الفصل 327-46 من القانون المدني المغربي، ولم يجعل لقضائه أساسا قانونيا سليما.

أما في شأن ما أثاره دفاع اينا اسمنت من كون شركة اينا هولدينغ لم توقع على اتفاق التحكيم فأجابت المحكمة بأن الاتجاه السائد في قضاء التحكيم الدولي ينصرف إلى امتداد اتفاق التحكيم للغير، متى توافر شرط أساسي متمثل في قيام الغير بدور فعلي في ابرام أو تنفيذ العقد أو انهاءه، وكذلك ساد ذلك الاتجاه بأحكام اتفاقية نيويورك 1958 لتنفيذ أحكام التحكيم.

وفقا للحكم التحكيمي فإنه بالرغم من أن شركة اينا اسمنت هي من أصدرت المناقصة الدولية لبناء مصنع الأسمنت وهي من وقعت وبصفة منفردة على العقد المؤرخ في 24/7/2008، إلا أن أهم القرارات المتعلقة بالمشروع في حد ذاته تمت من طرف السيد ميلود الشعيبي رئيس اينا هولدينغ، فقد تدخل في المفاوضات مع الشركة الممولة للمشروع SFI، بالإضافة إلى تدخل السيد/ عمر الشعيبي نائب رئيس شركة اينا هولدينغ بالرسالة المؤرخة في 12/2/2009 المتعلقة انهاء التعاقد بين شركة اينا اسمنت والشركة الفرنسية، كما تدخل السيد/ ميلود الشعيبي لإخبار البنك المغربي للتجارة والصناعة بتاريخ 23/3/2009 بكون شركة اينا اسمنت تسحب خطاب الضمان الممنوح من طرف BNPP لمصلحة شركة FIVE FCB وهو ما يتشف منه أن السيد/ ميلود الشعيبي بصفته رئيس المجموعة اتخذ قرار السحب نيابة عن شركة اينا اسمنت، وظهرت شركة اينا هولدينغ عن طريق ممثليها مظهر المسؤول عن أهم القرارات المتعلقة بشركة اينا اسمنت، كما أفرد الحكم التحكيمي للعديد من الممارسات الأخرى التي توضح أسباب امتداد اتفاق التحكيم إلى شركة اينا هولدينغ.

وعليه ردت المحكمة أنه استنادا للعلل المذكورة أعلاه يكون ما قضي به الأمر المستأنف بهذا الخصوص غير مؤسسا ويتعين إلغاؤه والحكم من جديد بالأمر بتخويل الاعتراف والصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي فيما قضي به في مواجهة اينا هولدينغ

الاتجاهات القضائية الدولية في امتداد اتفاق التحكيم للغير:

ذهبت محكمة النقض الفرنسية والمحكمة الاتحادية السويسرية في بعض أحكامها إلى امتداد شرط التحكيم إلى من تدخل في تنفيذ أو انهاء العقد، حتى وإن لم يوافق عليه[1].

وقد ذهبت محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في حكمها إلى أنه " كلما ظهر في واقع النزاع أن أشخاصا لم توقع شرط التحكيم ولكنها لعبت دورا فعليا في إبرام أو تنفيذ أو فسخ العقد المتضمن لذلك الشرط، فإنها تصبح بذلك أطرافا حقيقية في العقد أو معنية به وبالمنازعات التي يمكن أن تنشأ عنه وينصرف إليها شرط التحكيم دون أن يكون في ذلك أي خرق للقواعد أو المبادئ الأساسية المشكلة للنظام العام الدولي أو الوطني ولا أن يكون في ذلك مساس بنسبية العقود أو بشرط كتابة اتفاق التحكيم" [2].

[1] - د. فتحي والي، الوسيط في التحكيم الوطني والتجاري الدولي، دار النهضة العربية، 2021، ص 305.

[2] - د. فتحي والي، المرجع السابق، ص 306.

أخيرا فإن امتداد شرط التحكيم إلى الغير يمثل أهمية بالغة يجب الانتباه إليها عند التعاقد لامتداد آثاره إلى إشراك الغير في اتفاق التحكيم، وكذلك يظهر أثر الامتداد في النزاعات المقامة أمام هيئات التحكيم، وهو مشروط دائما بشرط أساسي بتدخل الغير في العقد إما في مرحلة التعاقد أو مرحلة سريان العقد وتنفيذه وأخيرا في مرحلة انهاء التعاقد، وأن يكون ذلك التدخل يظهر الغير مظهر المسؤول أمام أطراف العقد المتضمن لاتفاق التحكيم.

شهادة المحكم المحترف

انضم للمشاركين في شهادة المحكم المحترف وامتلك مهارات صياغة اتفاق التحكيم ومعرفة انواعه المختلفة