القانون هو مجموعة من القواعد القانونية والأسس التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وتُجبَر الأفراد على اتباعها بالقوة عند الاقتضاء. ولا يمكن تصور وجود مجتمع ناجح وسلمي دون وجود قواعد قانونية آمرة ومكملة تحكم سلوك الأفراد في المجتمع وتنظمه. ويتعين أن تتناسب هذه القواعد مع التطورات والتغيرات التي تحدث في المجتمع. فما لم تكن هناك قواعد قانونية تحكم سلوك الأفراد في المجتمع، ستسوده الفوضى وضياع الحقوق والحريات. ويضم القانون القواعد التي تحدد واجبات الأفراد وحقوقهم. ويطلق على هذا التعريف العام للقانون اسم "القانون الوضعي". ولا بد من ملاحظة أن القانون والحق لهما علاقة وثيقة، حيث يعمل القانون على تنظيم سلوك الأفراد في المجتمع ويمنح الفرد الحق في القيام بأعمال معينة ضمن نطاق القانون. في الوقت ذاته، يقيد القانون الفرد لمصلحته ويعطيه حماية من الاعتداء على حقوقه، مثل حماية ملكيته وحقوقه الشخصية. وهكذا، تحدد القواعد القانونية الحقوق وتحميها.
وفي عالمنا الحالي، توسعت دائرة التعاملات بين الأفراد والشركات والمؤسسات والدول في المجالات التجارية والتقنية والعلمية والمعرفية، وتنوعت قنواتها. ومن هنا، تم تنظيم هذه العلاقات عن طريق المواثيق والتعهدات والاتفاقيات والعقود القانونية. تحكم هذه المستندات القانونية العلاقات بين الأطراف، وتوضح التزامات كل طرف وواجباته وحقوقه، والعقوبات المفروضة في حال الإخلال بأي من هذه الأحكام. ونظرًا لأهمية هذه الأحكام القانونية، يتم صياغتها في شكل بنود ومواد من قبل القانونيين بمعايير محددة، حتى يتم تفسيرها بشكل واضح ومحدد دون أي تفسيرات متعارضة. ولذلك، يلتزم المختصون باستخدام مصطلحات وعبارات ثابتة يتم الرجوع إليها للفصل في النزاعات. ويتكون النص القانوني من هذه القوالب اللغوية التي يتم الرجوع إليها لفصل أي نزاع أو خلاف يحدث بين الأطراف حول أيٍ من الأحكام التي تحويها.
تعريف النص القانوني؟
يمكن تفسير النص القانوني بشكل ضيق أو واسع، فالمفهوم الضيق للنص القانوني يقتصر على ثلاثة عناصر أساسية. الأول هو القاعدة القانونية، سواء كانت مادة في الدستور أو في إحدى المعاهدات الدولية أو أحد التشريعات. الثاني هو الحكم القضائي، بغض النظر عن درجة التقاضي التي صدر عنها. والثالث هو الاستشارة القانونية، والتي تتمثل في السؤال حول وقائع معينة يريد الشخص معرفة حكم القانون فيها. وأما الاتجاه الواسع؛ فيضيف للنص القانوني - فضلا عما سبق ذكره- النص المقتبس من كتاب قانوني، وكذلك منهجية إعداد تقرير ... وغيرها.
وعلى الرغم من أن الفهم يرتبط بجميع أنواع النصوص، سواء كانت دينية أو فلسفية أو تاريخية أو غير ذلك، إلا أن ارتباط الفهم بالنص القانوني ليس مهمة كبيرة فحسب، بل يزيد من خطر الخروج عن القانون ذاته. وهنا يزداد التكليف والمسؤولية بشكل كبير، لأن القاضي أو القانوني بشكل عام ملزم بعدم الخروج عن النص القانوني، حيث أن سوء تفسير أو استخدام القانون يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية خطيرة ومباشرة.
تعريف المنهجية، والفرق بينها وبين المنهج
لقد استخدمت كلمة علم المناهج لأول مرة على يد الفيلسوف"كانت"، عندما قسم المنطق إلى قسمين، مذهب المبادئ الذي يبحث في الشروط والطرق الصحيحة للحصول على المعرفة، وعلم المناهج الذي يهتم بتحديد الشكل العام لكل علم؛ بينما مصطلح المنهجية، كان قد استعملها الفلاسفة اليونانيين (بدوي 1997).
تشتق كلمة "منهج" من الفعل نهج، وتعني البحث، والنظر، والمعرفة عند أفلاطون (ابراس 1994) ولم يتحدد معناها الاصطلاحي، إلا في بداية القرن السابع عشر، إذ عرف اصطلاحاً بأنه فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة، إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين، أو من أجل البرهنة عليها للآخرين حين نكون لها عارفين (مدني، الوجيز في منهجية البحث القانوني 2015)، كما تعتبر الطريق الأقصر والأسلم للوصول إلى الحقيقة (بدوي1997).
والمفهوم الفلسفي للمنهجية، هي التفكير السائد المتبع في الأبحاث العلمية، أما مفهومها العلمي هي أحسن الطرق أو الأساليب التي يتبعها العقل البشري، لمعالجة أو دراسة موضوع أو مسألة ما بغية التوصل إلى الكشف عن الحقيقة (طاليس 2010).
وإذا كانت كلمة منهج تعني الطريقة أو الأسلوب أو النظام، فإن المنهجية في الإصطلاح تعني : "الكيفية العقلانية المتبعة لتقصي الحقائق وإدراك المعارف، والتي تتطلب ترتيب الأفكار وعقلنة الفرضيات وإخضاعها للامتحان والتحليل، بما يضمن الوصول إلى نتائج معرفية جديدة، وبالتالي فهي أصوب وأوضح طريق للوصول إلى العلم والمعرفة، لأنها تتيح مباشرة الموضوع بشكل مختصر وسليم."
أو هي: "مجمل الإجراءات والعمليات الذهنية التي يقوم بها الباحث لإظهار حقيقة الأشياء أو الظواهر التي يدرسها."
وتُعرف دائرة المعارف البريطانية المنهجية بأنها: "مصطلح عام لمختلف العمليات التي ينهض عليها أي علم من العلوم، ويستعين بها في دراسة الظاهرة الواقعة في مجال اختصاصه".
انطلاقاً مما سبق يمكن تعريف المنهجية بأنها: "أسلوب علمي ُيتوخى منه الوصول إلى الحقيقة المعرفية السليمة".
أما المنهجية القانونية فتعني " إكساب الباحث الأسلوب والطريقة العلمية والمنطقية في التعامل مع المواضيع القانونية، وهي عديدة ومتشعبة، فتكون لديه الضوابط التي تمكنه من تحديد مادة البحث أو المعالجة والموجهات التي تمكنه من معرفة: كيف يفتش، وكيف يعرض، وكيف يناقش".
وينبغي الإشارة إلى أن مضمون المنهجية القانونية يتم تحديده بناءً على ما يطلب من الطالب أو الباحث أو القانوني بشكل عام، سواء كان ذلك في إطار دراسة وتحليل نصوص قانونية أو الإصدار أو التعليق على حكم قضائي، أو تقديم ورقة بحثية، مذكرة، تقرير، استشارة قانونية أو غير ذلك. ومن المؤكد أن اتباع المنهجية القانونية يُمكن أي طالب أو باحث أو قانوني من تحقيق هدفه بخطوات ثابتة، وتزويده بحجج أقوى وقدرة أكبر على الإقناع، وعلى التفكير المنطقي.
أهمية اتباع منهجية معينة مناهج تحليل النص القانوني التي تضمن فهمه
تعتبر المنهجية وسيلة لتنظيم التفكير وكذلك العمل، مما يضمن النجاح في أي عمل للأشخاص الذين يتبنونها، وخاصة في مجال البحث العلمي بشكل عام والبحث القانوني بشكل خاص. ويمكن إيجاز أهمية المنهجية في النقاط التالية:
أولاً: تعد المنهجية أداة للفكر والتفكير والتنظيم، وبالتالي فهي أداة هامة في زيادة المعرفة والتقدم، وتساعد الإنسان على التكيف مع بيئته وحل مشكلاته وتحقيق أهدافه.
ثانيًا: تعد المنهجية أداة للعمل والتطبيق، حيث تزود الدارس بالمهارات التي تجعله قادرًا على نقد الأعمال العلمية وتقييم نتائجها والحكم على مدى أهميتها والاستفادة منها في التطبيق العملي، وهذا أمر مهم خاصةً في عصرنا الحالي الذي يعتمد بشكل كبير على نتائج البحوث والدراسات.
ثالثًا: تعد المنهجية أداة للتخطيط والتسيير، حيث تزود المشتغلين في المجالات الفكرية بأدوات وتقنيات تساعدهم على اتخاذ قرارات ملائمة وفعالة لحل المشكلات والصعوبات والتحديات التي يواجهونها في مجالاتهم العلمية والعملية.
ما المقصود بمناهج التحليل القانوني؟
يمكننا تعريف مناهج التحليل القانوني كمجموعة من الأساليب والطرق المنهجية المنظمة، التي يستخدمها الباحث القانوني في دراسته العلمية القانونية، والتي تعتمد على التسلسل المنطقي والمنهجي في جمع وتحليل المعلومات وترتيبها، بهدف الوصول إلى حلول ونتائج دقيقة ومثبتة بالبراهين والقرائن، وذلك للتعامل مع المشكلات والظواهر التي تنتمي لأحد فروع القانون. يعد فهم مناهج التحليل القانوني ضروريًا لرجل القانون محامياً أو قاضياً أو محكماً أو مستشاراً قانونياً أو باحثاً، حيث يؤثر المنهج على طريقة جمع المعلومات وترتيبها وتحليلها، مما يؤدي إلى وصولهم إلى نتائج دقيقة ومؤكدة في دراستهم العلمية.
أهمية تحليل النصوص القانونية
تكمن أهمية تحليل النصوص القانونية في أنه يعمل على صقل شخصية الباحث العلمية والقانونية، كما ينمي الاستنتاج العقلي لديه. فالبحث والإطلاع على النصوص القانونية يساعد في اكتساب مهارات قانونية قوية من خلال دراسة الأراء الفقهية والتعليق على الأحكام القضائية. كما أن كثرة البحث والتحليل القانوني يعمل على إثراء المكتبات القانونية وأيضاً تعزيز النظام القانوني مما يساهم بقوة في حماية المجتمع.
كما أن معرفة الباحث بمناهج البحث القانوني تمكنه من إتقان البحث وبالتالي تمكنه من الفهم الصحيح للنصوص القانونية والغاية منها. فلا تعد مناهج التحليل القانوني هدفاً في حد ذاتها، ولكنها وسيلة للفهم السليم، بحيث يتوصل من خلالها الباحث إلى حلول منطقية وقابلة للتطبيق للمشكلات والقضايا التي يبحث فيها.
أشهر المناهج في تحليل النصوص القانونية
يقسم بعض الفقهاء مناهج البحث إلى قسمين: المناهج العقلية والمناهج الإجرائية.
أولاً: المناهج العقلية
هي المناهج التي تبنى على أساس العمليات العقلية، كالمنهج الاستقرائي والمنهج الاستنباطي.
1. المنهج الاستقرائي: هو المنهج الذي يعتمد فيه الباحث على عدد من الظواهر المتشابهة، بصدد موضوع معين، ويقوم بدراستها وتحليلها، ومعرفة أسباب التشابه بينها، ثم يصل إلى قاعدة عامة تحكم هذه الظواهر.
ويعرف هذا المنهج في المجال القانوني بـ " المنهج التأصيلي". ويطبق هذا المنهج بكثرة في مجال القانون الجنائي، حيث يطبق على العديد من الظواهر الجنائية، مثل ظاهرة الجريمة.
ويطبق المنهج الاستقرائي في المجال القانوني عندما يكون موضوع البحث غير منظم تشريعياً، أو كان منظماً ولكن له تطبيقات متعددة، ويرغب الباحث في وضع نظرية عامة، تجمع شتات هذه التطبيقات المتفرقة، كما لو أراد الباحث دراسة وضع المرأة في النظام القانوني المصري، عندئذ يقوم بتجميع كل ما يتعلق بالموضوع، سواء في التشريع، أو في أحكام القضاء، أو في الأعمال الفقهية، ليصل في النهاية إلى حكم عام أو قاعدة عامة، بشأن هذا الموضوع، وما قد يشابهه مستقبلاً.
2. المنهج الاستنباطي: على النقيض من المنهج الاستقرائي، فإن نقطة الإنطلاق في المنهج الاستنباطي، هي انتقال الباحث من العام إلى الخاص، أي يبدأ من القاعدة العامة أو الكلية لينتهي إلى القاعدة الخاصة أو الجزئية. فيعتمد الباحث في هذا المنهج على القواعد العامة الموجودة سلفاً، ويتخير أيها ينطبق على الظاهرة محل البحث. ولذلك يعرف بالاستدلال التنازلي. ويكثر اللجوء إلى المنهج الاستنباطي في المجال القانوني ويعرف بالمنهج التحليلي.
ثانياً: المناهج الإجرائية
1. المنهج المقارن: يقصد بالمنهج المقارن، دراسة الباحث ظاهرة أو إشكالية معينة في قانونه الوطني، ومقارنتها مع نظام أجنبي أخر أو أكثر بهدف معرفة أوجه الشبه والاختلاف، وتفسير أسباب الاتفاق أو الاختلاف، وصولاً إلى أفضل القواعد التي تحكم هذه الظاهرة أو المشكلة في قانونه الوطني. وعليه فإن المنهج المقارن يُمكن الباحث من دراسة موضوع البحث دراسة معمقة ودقيقة، لذا كان لهذا المنهج استخدامات عديدة في الدراسات الاجتماعية والقانونية، كمقارنة ظاهرة اجتماعية، كالجريمة أو الإرهاب في عدة مجتمعات، أو مقارنتها في مجال معين سياسي أو اقتصادي.
2. المنهج الوصفي: يهدف المنهج الوصفي إلى جمع الحقائق والبيانات عن ظاهرة أو موقف معين مع محاولة تفسير هذه الحقائق تفسيرا كافياً.
وتتمثل صور المنهج الوصفي في دراسة الحالة، الدراسة المسحية، ودراسة الرأي العام.
ففي دراسة الحالة يعرض الباحث لإشكالية معينة بالدراسة المتعمقة والفحص الدقيق وصولاً إلى نتائج قد تكون قابلة للتطبيق على حالات أخرى. أما الدراسة المسحية فتقوم على دراسة ظاهرة موجودة (وليست ماضية) في جماعة معينة، وفي مكان معين، بهدف الكشف عن الوضع القائم للظاهرة، ومحاولة النهوض بها من خلال خطة أو برنامج إصلاحي، ويكثر استخدام هذا المنهج في الجهات الحكومية. كما تقوم دراسة الرأي العام على قيام الباحث بالتعرف على أراء شريحة من المواطنين تجاه قضية أو نظام معين.
3. المنهج التاريخي: هو السبيل الذي يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، إذ يعتمد على تحري المعلومات والوقائع من الماضي، ويعتمد على أدلة وأدوات ومصادر يمكن استعمالها بعد التأكد من صحتها؛ ذلك أن أي ظاهرة أو مشكلة لا بد أن يكون لها تاريخ يدرسه الباحث ويتعرف عليه، الأمر الذي يساعده على إيجاد الحلول القانونية السليمة لمشكلة البحث.
وتتمثل مصادر المنهج التاريخي في الوثائق التاريخية الأصلية الأولية باعتبارها سجل الأحداث، والأثار التاريخية من بقايا أحداث أو حضارات ماضية، ومصادر ثانوية تكون لاحقة على وقوع الأحداث الأصلية للظاهرة، ويلجأ إليها الباحث إذا لم تتوفر المصادر الأصلية.
وبشكل عام، فإن دراسة مناهج التحليل القانوني تساعد المشتغليين بالمجال القانوني على فهم القانون بشكلٍ أفضل، وبالتالي تحسين قدرتهم على العمل في مجالات القانون المختلفة، مثل المحاماة والقضاء وغيرها. وكذلك تحقيق الفهم القانوني الصحيح للمعنى الكامن في النص القانوني للعامة وغير المشتغليين بالمجال القانوني مما يؤدي إلى امتثال أفضل للقانون وبالتالي يصب في حماية المجتمع. كما تساعد الباحثيين القانونيين في أبحاثهم القانونية مما يعمل على إثراء الكتابات القانونية بالأراء التفسيرية والفقهية القيمة.
شهادة الملكات القانونية
انضم للمشاركين في شهادة الملكات القانونية واحترف مهارات
- لتحليل القانوني.
- مهارات التكييف القانوني السليم.
- استخلاص الوقائع استخلاصاً صائغاً.
- طرق استخلاص وبناء الأدلة.
- أدوات كشف الحيل والمغالطات.
- تفنيد الآراء الزائفة ودحض الأدلة الباطلة.
- تحديد القواعد القانونية واجبة التطبيق.
- إنزال حكم القانون على وقائع الدعوي.
- قواعد التأويل.
- مهارات التفسير اللفظي والمنطقي.