المبدأ
إن من واجبات هيئة التحكيم أن تبين بشكل واضح ودقيق ومتسق ومنسجم المقدمات التي قادتها إلى نتيجة تفسيرها للعلاقات العقدية، وللمحكم السلطة التامة في تفسير العقود وتأويلها واستظهار النية المشتركة للمتعاقدين واستخلاص ما يراه أوفى بحقوقها دون رقابة موضوعية عليه في ذلك من قبل محكمة دعوى البطلان.
إلا أن ذلك مشروط بأن تكون النتيجة التي توصل إليها مستخلصة استخلاصا سائغا ومقبولا من بينات قانونية لها أصلها الثابت في الدعوى بعد مناقشة وافية للوقائع والبينات والدفوع، فإذا أغفل حكم التحكيم مناقشة ذلك لاسيما فيما يتعلق بطبيعة العلاقة التعاقدية بينهما والمؤثرة في نتيجة الحكم لما قد يترتب عليها من تغيير في وجه الحكم ومضمونه كما تقتضيه المادة (49/7) من قانون التحكيم الأردني، الأمر الذي يكون معه حكم التحكيم مشوبا بعيب عدم التسبيب ومستوجب للبطلان.
(محكمة التمييز الأردنية – رقم القضية 5766/2022 – الحكم الصادر بتاريخ 15/12/2022).
الوقائع
تتحصل الوقائع في أنه أثر خلاف عقدي نشب بين الطاعنة (المحتكمة) والمطعون ضدها (المحتكم ضدها) بموجب عقد تسويق وترويج منتجات الأخيرة مقابل نسبة من صافي أرباح المبيعات، أقامت الطاعنة دعوى تحكيمية لحسم النزاع.
وبتاريخ 16/7/2022 صدر حكم هيئة التحكيم الثلاثية والقاضي برد دعوى المحتكم وإلزامه ب:
1- سداد مبلغ وقدره (15800) دينار أتعاب ومصاريف التحكيم.
2- سداد مبلغ وقدره (7900) دينار أتعاب ومصاريف التحكيم التي تكبدتها المحتكم ضدها.
3- سداد مبلغ وقدره (1000) دينار أتعاب المحاماة للمحتكم ضدها.
وبتاريخ 11/8/2022 أقامت الطاعنة (المحتكمة) دعوى ببطلان الحكم التحكيمي الصادر من هيئة التحكيم المكونة من السادة المحامين نظمي بكير رئيسا وغسان كوكش وإبراهيم الصرايرة عضوين طلبت فيها قبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء حكم التحكيم والقضاء ببطلانه.
وتتلخص أسباب الطعن بما يأتي:
السبب الأول:
بطلان حكم التحكيم لمخالفته شروط وأحكام المادة (41) من قانون التحكيم لما تم تقديمه من أوراق وأدلة ومستندات وردها واقتصارها على تفسير وتأويل العقد الذي عدلت عن معناه الظاهر إلى المعنى الذي تريده دون ايراد الأسباب التي استندت اليها.
السبب الثاني:
خطأ هيئة التحكيم في الاستناد إلى القرار الصادر عن محكمة التمييز في رد الدعوى التحكيمية وقصور التعليل والتسبيب وعدم رد الهيئة بقرار الحكم على طلب المحتكمة توجيه اليمين الحاسمة على واقعة إنهاء العقد وطبيعة العلاقة.
السبب الثالث:
عدم رد الهيئة على طلب إجراء الخبرة الفنية والتي تعتبر وسيلة إثبات بأن العلاقة موضوع الدعوى ومن ضمنها الاقرارات الصادرة عن المحتكم ضدها بأن العلاقة موضوع الدعوى ومن ضمنها الإقرارات الصادرة عن المحتكم ضدها وخصوصا الإنذار العدلي رقم (7339/2020) كاتب عدل غرب عمان ومفاده النص على أن المحتكم ليس سمسارا، وعدم تضمين حكم التحكيم تفنيد ردود الجهة المحتكمة على دفوع الجهة المحتكم ضدها بالتفصيل، ودون بيان كيفية الوصول لنتيجة القرار، وعدم تطبيق حكم التحكيم نص المادة (36/ج) من قانون التحكيم ومراعاة ما اتفق عليه طرفا العقد بأن يكون العقد عقد تسويق وترويج.
وبتاريخ 12/9/2022 قدم وكيل المطعون ضدها مذكرة طلب فيها 1- أصليا/ عدم قبول الدعوى شكلا لفوت الميعاد، 2- احتياطيا/ رفض الدعوى، 3- إلزام الطاعن المصروفات والأتعاب.
الأسانيد والحكم
وردا على أسباب البطلان:
عن الأسباب الأول والثاني والثالث ومؤداها واحد وهو بطلان حكم التحكيم ومخالفة نص المادة 41 من قانون التحكيم الأردني بشأن تسبيب حكم التحكيم.
حيث نصت على أنه:
أ- يتم تدوين حكم التحكيم كتابة ويوقعه المحكمون، وفي حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من محكم يكتفي بتوقيع أغلبية المحكمين بشرط أن تثبت في الحكم أسباب عدم توقيع الأقلية.
ب- يجب أن يكون حكم التحكيم مسببا.
جـ - يجب أن يشتمل حكم التحكيم على أسماء الخصوم .... وملخص عن وقائع النزاع وطلبات الخصوم وأقوالهم ودفوعهم ومستنداتهم ومنطوق الحكم وتاريخ ومكان إصداره، وأسبابه إذا كان ذكرها واجب .....
كما أن الاجتهاد القضائي لمحكمة التمييز تعرض في عدة أحكام له لمفهوم تسبيب الحكم القضائي، فجاء في القرار الصادر عن محكمة التمييز رقم (227/1978): " إن قانون أصول المحاكمات الحقوقية يوجب على المحكمة أن تسبب أحكامها وأن تبين فيها الحجج القانونية، والأدلة الواقعية التي بنت عليها حكمها ولا يكفي أن تبدي أسبابا مبهمة أو غامضة، كما يجب عليها تقدير المستندات التي تبرز إليها في الدعوى، وفي حالة عدم مراعاة ذلك في حكمها يكون قاصرا في التسبيب ومستوجبا النقض".
وكذلك ما جاء في قرارها رقم (2521/1999): " إن محكمة الاستئناف إذ قضت بتصديق قرار قاضي الصلح الذي قضي بتصحيح اسم المدعية دون أن تبين أسباب استبعادها للبينة التي قدمها المميز ضدها تكون قد خالفت أحكام القانون ويكون قرارها قد صدر مشوبا بعيب القصور في التسبيب والتعليل وحقيقا بالنقض".
وأشار الفقه التحكيمي إلى أن "من واجبات المحكم / هيئة التحكيم بيان الأسباب الواقعية والقانونية التي ركن إليها فيما يصدره من حكم وكون منها عقيدته فيما أنتهى إليه"، (د. مصلح الطراونة – الرقابة القضائية على الأحكام التحكيمية – ط1، 2010، دار وائل للنشر، ص95).
وقد وضع الفقه التحكيمي عدة معايير تخضع لها أسباب حكم التحكيم وهي:
المعيار الأول
أن يتضمن حكم التحكيم أسبابا بالنسبة لكل طلب على حدة فلا يكفي اشتمال الحكم على أسباب بالنسبة لبعض الطلبات التي تم الفصل فيها دون البعض الآخر عندئذ يكون الحكم باطلا بالنسبة لهذه الطلبات، ويعتبر الحكم معدم الأسباب إذا كان التسبيب مشوها أو غامضا أو مبهما أو عاما مجملا يصلح لكل طلب كقول المحكم مجملا أن المدعى أثبت ما يدعيه.
المعيار الثاني
أن يرد بالأسباب ملخص لوقائع الدعوى التي لها علاقة قوية بالحكم كما استخلصها من أوراق الدعوى، بما في ذلك بيان ما يقدمه الطرفان من مستندات ودفاع جوهري، وأن تكون الأسباب متعلقة بموضوع النزاع، وكافية لحمل منطوقه بأن تتوافر صله منطقية بينها وبين منطوق الحكم، وعليه فإذا أغفل الحكم بحث دفاع أبداه الخصم وكان دفاعا جوهريا ومؤثرا في النتيجة التي انتهي اليها الحكم ولو صح فمن الممكن أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى فيبطل حكم التحكيم.
المعيار الثالث
أن يتضمن حكم التحكيم ردا على ادعاءات الخصوم وأوجه دفاعهم الجوهرية بصرف النظر عن مضمون ذلك الرد أو سلامته من الناحيتين القانونية والواقعية.
المعيار الرابع
لا يلتزم المحكم بتضمين حكمه القواعد القانونية واجبة التطبيق أو يلتزم ببيان التكييف القانوني للعقد محل الدعوى إذ لا يؤدي القصور في أسباب حكم التحكيم القانونية إلى بطلان الحكم ويكون القصور في الأسباب القانونية إذا كانت الأسانيد القانونية التي استند إليها الحكم مخالفة للقانون أو غير كافية.
المعيار الخامس
لا يلتزم المحكم / هيئة التحكيم بتعقب جميع الأقوال والمستندات والحجج التي يقدمها الخصوم ومناقشتها جميعا.
المعيار السادس
يجب أن تكون الأسباب غير متناقضة فيما بينها بما تتماحى به الأسباب بحيث تتساوى مع خلو الحكم من الأسباب، وأن تكون غير متناقضة مع المنطوق، ويؤدي تناقض أسباب الحكم أو تعارضها مع المنطوق إلى بطلان الحكم.
المعيار السابع
ما يرد في الحكم تزيدا من أسباب معيبة غير مؤثرة في النتيجة التي انتهت اليها الحكم لا تؤدي إلى بطلانه.
وبشأن حكم التحكيم محل دعوى البطلان نجد أن معالجة هيئة التحكيم في حكمها لمطالبات المحتكم ووقائع الدعوى جاءت متسمة بالغموض والإجمال والقصور، إذ توصلت هيئة التحكيم وبعد استعراضها لبنود عقد التسويق المبرم بين طرفي الدعوى وبمعزل عن أيه بيانات أخرى إلى أن تكييف هذه العلاقة هو في حقيقته عقد سمسرة وأن المتحكم هو سمسار، وكونه لم يثبت واقعة تسجيله كسمسار في غرفة التجارة، فإن عقده يغدو باطلا وقررت بالنتيجة رد دعواه.
ولما أغفل حكم التحكيم مناقشة بينات طرفي الدعوى كما أغفل بحث الدفوع والادعاءات المثارة في الدعوى لاسيما ما تعلق منها بطبيعة العلاقة بينهما والمؤثرة في نتيجة الحكم، لما قد يترتب عليها من تغيير في وجه الحكم ومضمونه كما تقتضيه المادة (49/7) من قانون التحكيم، ولما كان من حق الخصوم والمحكمة التثبت من مدى روية وتأني هيئة التحكيم، وإحاطتها بكامل وقائع الدعوى ومدى اطلاعها على جميع البينات والوثائق المقدمة من المتقاضين قبل فصل النزاع لبث شعور الطمأنينة في نفوسهم وبعدالة قضائهم بعيدا عن الشك والتدليل على مدي احترامهم لحقوق الدفاع، فعمل المحكم " ينطوي على عمل قضائي فهو ينظر في المنازعات التي يتفق أطرافها على فصلها بأسلوب التحكيم ويكون حكمه في هذه المنازعات ذات الحجية التي تتمتع بها الأحكام الصادرة عن المحاكم فهذه المنازعات جميعها تملى على المحكم أن يتبع النهج القضائي في مراعاة المبادئ الأساسية في التقاضي وفي أسلوب فصل المنازعات فالمحكم على غرار القاضي يعمل فكره في تحصيل الواقع وتسبيب الحكم كما يراه هوا لا كما يراه" (3848/2016) محكمة التمييز.
وكذلك الأمر بالنسبة للقرار التحكيمي فيقتضي أن يكون الحكم بما اشتمل عليه من تسبيب يتضمن تقديرا للوقائع وتفسيرا للأدلة وتطبيقا للقانون وهو ناتج عن فكر وتقدير المحكم ورأيه فهو من يصوغ مستقلا القرار، وحرصا على ما ينبغي أن تتسم به المنظومة التحكيمية من ثقة تؤتي ثمارها كوسيلة بديلة لفض المنازعات.
وحيث أخفق حكم التحكيم في تحقيق هذه الاعتبارات كما أغفل المعايير المفترض توافرها أثناء تسبيب الحكم، الأمر الذي تجد معه المحكمة بأن حكم التحكيم جاء مشوبا بعيب عدم التسبيب ومستوجبا للبطلان.
فلهذه الأسباب
وعليه ودونما الحاجة للرد على باقي أسباب دعوى البطلان، قررت المحكمة قبول الدعوى، وإبطال حكم التحكيم الصادر بتاريخ 16/7/2022، وجاهيا بحق المحتكم والمحتكم ضدها، عن هيئة التحكيم المكونة من السادة المحامين نظمي بكير رئيسا وغسان كوكش وإبراهيم الصرايرة عضوين.
قرارا صدر بتاريخ 21 جمادى الأولى 1444 الموافق 15/12/2022
شهادة المحكم المحترف
إنضم للمشاركين في شهادة إعداد وتأهيل المحكم المحترف 80 ساعة ⏰، واكتسب المهارات التالية:
- مهارات صياغة اتفاق التحكيم.
- مهارات إدارة جلسات التحكيم.
- مهارات صياغة حكم التحكيم.
- الإدارة الفاعلة للدفاع لقضايا التحكيم.