تميز دبي إقامة دعوى متقابلة للمطالبة بعدم قبول الدعوي الأصلية لوجود شرط التحكيم .. لا يعد تنازلاً عن الدفع بحد ذاته
2023/05/16

أجاز المشرع للخصم أن يتنازل عن حقه في اللجوء للتحكيم صراحة أو ضمنا، واشترط أن يكون التنازل الضمني مؤيدا بفعل أو اجراء يكشف عنه بجلاء ويدل على العزوف عنه بما لا يدع مجال للشك في اتجاه ارادته إلى التنازل وترك الحق في التمسك به، واختص محكمة الموضوع بسلطة استخلاص التنازل الضمني أو نفيه، وهي في ذلك خاضعة لرقابة محكمة التمييز.

بتاريخ 27/4/2023 أصدرت محكمة تمييز دبي حكمها في الطعن رقم 1262 لسنة 2022 طعن تجاري، بعدم اعتبار إقامة الدعوى المتقابلة بعد إبداء الدفع بعدم قبول الدعوى الأصلية لوجود شرط التحكيم تنازلاً عن الدفع بحد ذاته، طالما تمسك به المدعى عليه قبل إبداء أي دفاع أو طلبات في الدعوى الأصلية أو الفرعية.

أولا ملخص النزاع

-        أطراف النزاع

مدرسة .....                       (الطاعنة)

شركة مقاولات ......              (المطعون ضدها)

-        الوقائع

تتلخص وقائع النزاع في أن الطاعنة اتفقت بتاريخ 26/4/2017 مع المطعون ضدها، بموجب خطاب تعيين وعقد مقاولة على استكمال بناء وصيانة مدرسة مملوكة لها بمنطقة القوز الصناعية بإمارة دبي، مقابل مبلغ وقدرة 54.000.000 درهم، إلا أن الطاعنة قامت دون ابداء أسباب بالإخلال بسداد الدفعات المستحقة وتعيين مقاول أخر بالرغم من انجاز المطعون ضدها نسبة 80% من المشروع، مما أضر بمصالحها وأعاق استكمال العمل بالمشروع.

إثر ذلك أقامت المطعون ضدها النزاع رقم 502/2019 (نزاع تعيين خبرة تجاري) لتصفية الحساب بينهما وتم ندب خبير خلص إلى أحقيتها بمبلغ ..... وإلزام الطاعنة برد شيكي الضمان رقمي 501735 – 501737، المسحوبين على مصرف أبو ظبي الإسلامي.

أقامت المطعون ضدها الدعوى رقم 5/2021 تجاري كلي للمطالبة بقيمة المبلغ المستحق على الطاعنة ورد شيكي الضمان سالفي الذكر، وقدم وكيل الطاعنة تضمنت ادعاء متقابلا.

بتاريخ 29/9/2021 حكمت المحكمة بقبول الدعوى المتقابلة شكلا وفي الموضوع برفضها، وفي الدعوى الأصلية بإلزام الطاعنة بأن تؤدي للمطعون ضدها مبلغ ... والفائدة القانونية 5% من تاريخ المطالبة القضائية في 7/1/2021 ورفضت ما عدا ذلك من طلبات.

وحيث لم ترتضي الطاعنة الحكم سالف البيان فأقامت الاستئناف رقم 2830 لسنة 2021 تجاري، وبعد أن ندبت المحكمة لجنة خبراء هندسية وأودعت تقريرها، قضت بتاريخ 13/8/2022 بتأييد حكم أول درجة.

بتاريخ 29/9/2022 أودعت الطاعنة صحيفة بالطعن على الحكم المستأنف طلبت فيها نقض الحكم، وقدمت المطعون ضدها مذكرة بدفاعها طلبت في ختامها رفض الطعن.

الدفوع والطلبات

تنعي الطاعنة الحكم المطعون فيه بالفساد في الاستدلال ومخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وذلك استنادا إلى تمسكها بالدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم بمذكرتها الجوابية المقدمة لمحكمة أول درجة قبل إبداء أي طلب أو دفع موضوعي، وقدمت صورة العقد المتضمن شرط التحكيم، كما تمسكت بهذا الدفع في مذكرتها المقدمة خلال حجز الدعوى للحكم.

فضلا عن تمسكها بالدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط تحكيم في دعواها المتقابلة قبل التكلم في موضوعها، ثم تمسكت في مذكراتها المقدمة لمحكمة الاستئناف بجلسة 8/6/2022 أصليا بالدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم، إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن كل ذلك ورفض دفعها على ما ذهب إليه من أن إقامتها لدعواها المتقابلة يعتبر موقفا إيجابيا من جانبها يستفاد منه تنازلها عن الدفع، مما يعيب الحكم ويتوجب نقضه.

كما تنعي المطعون ضدها بأن نص شرط التحكيم الوارد بالبند 67 من عقد المقاولة المبرم يجيز اللجوء للتحكيم فقط في حال وجود نزاع أو اختلاف فيما يتعلق بقرار المهندس الاستشاري بالمشروع، وأن هذا الشرط لا يسري على اطلاقه في شأن كافة المنازعات التي قد تثور بين الطرفين بشأن الأمور محاسبية أو تجارية أو مبالغ مستحقة وطلبت رفض الطعن استنادا لذلك. 

- موقف المحكمة

أقرت المحكمة صحة ما نعته الطاعنة بالسبب الأول وبالوجه الثالث من السبب الثالث من أسباب طعنها، استنادا إلى نص المادة 8/1 من القانون الاتحادي رقم 6 لسنة 2018 بشأن التحكيم التي نصت على أنه "يجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل إبدائه لأي طلب أو دفاع في موضوع الدعوى، وذلك ما لم يتبين للمحكمة أن الاتفاق على التحكيم باطل ويستحيل تنفيذه".

ويدل ذلك على أن المشرع قد أبان بصريح العبارة بأنه إذا تمسك الطاعن باتفاق التحكيم قبل ابداء أي طلب أو دفاع في موضوع الدعوى أو قبل إبداء طلباته في دعواه الفرعية، فيجب على المحكمة أن تجيبه إلى دفعه وتحكم بعدم قبول الدعوى إذا ما تحققت من وجود اتفاق تحكيم غير ظاهر البطلان يتعلق بذات النزاع المرفوعة به الدعوى.

كما أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه ولئن كان يجوز للخصم أن يتنازل عن التمسك باتفاق التحكيم صراحة أو ضمنا، إلا أنه يشترط في هذا التنازل الضمني أن يكون بفعل أو إجراء يكشف عنه بجلاء ويدل على العزوف عنه بما لا يدع مجال للشك في اتجاه ارادته إلى التنازل عن ذلك الشرط وترك الحق في التمسك به، وان استخلاص هذا التنازل أو نفيه هو من سلطة محكمة الموضوع من واقع ظروف الدعوى وملابساتها، وهي تخضع في ذلك لرقابة محكمة التمييز.

لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعنة تمسكت بالدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط تحكيم بمذكرتها الجوابية المقدمة لمحكمة أول درجة بجلسة 20/1/2021 قبل ابداء أي طلب أو دفع موضوعي وقدمت سندا لدفعها صورة العقد المتضمن البند 67 الخاص بتسوية المنازعات والتحكيم، كام استهلت صحيفة دعواها المتقابلة بالتمسك بهذا الدفع قبل التكلم في الموضوع، ثم تمسكت في مذكراتها المقدمة إلى محكمة الاستئناف بجلسة 8/6/2022 أصليا بالدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم، فإن دفعها بعدم قبول الدعوى يكون قد استوى على سند صحيح من الواقع والقانون.

وأخيرا فإن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن دعوى الطاعنة المتقابلة تعتبر موقفا إيجابيا من جانبها يستفاد منه تنازلها عن هذا الدفع، لا ينال من تمسك الطاعنة الجازم والصريح باتفاق التحكيم والدفع بعدم قبول الدعوى، ولا يرتب على إبداء الدفع منع الخوض في الموضوع بعد التمسك به ابتداء.

 وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأقام قضاءه برفض دفع الطاعنة بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم، فإنه فضلا عن فساده في الاستدلال يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يستوجب نقضة لهذا السبب دون الحاجة لبحث باقي الأسباب.

- منطوق الحكم

حكمت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وألزمت المطعون ضدها المصروفات ومبلغ ألفي درهم أتعاب المحاماة، وحكمت في موضوع الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى لوجود شرط تحكيم.

ثانيا تقييم الحكم

-         من الناحية القانونية

يعد الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم، دفعا اجرائيا يستلزم ابدائه قبل تقديم أي دفاع أو طلبات في موضوع الدعوى، حيث أن مفاد المادة 8/1 من قانون التحكيم الامارات، وكذلك المادة 13 من قانون التحكيم المصري[1]، أوجبت على محكمة الموضوع أن تحكم بعدم قبول الدعوى في نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم، إذا دفع المدعى عليه بوجود شرط التحكيم.

ولكون أساس هذا الدفع هو اتفاق الطرفين على التحكيم فإنه لا يتعلق بالنظام العام وليس للمحكمة أن تقضي بإعماله من تلقاء نفسها بل يجب التمسك به أمامها ويجب تقديمه مع باقي الدفوع الشكلية وإلا سقط الحق فيه، ألا أن سلطة محكمة الموضوع تكمن في تحديد صحة تنازل المدعى عليه الضمني أو رفضه، فلا تقضي بعدم قبول الدعوى إلا بعد التأكد من اتجاه إرادة المدعى عليه بشكل قاطع لا يدع مجالا للشك للتنازل عن الحق في اللجوء للتحكيم [2].

وقد طبقت محكمة التمييز صحيح القانون بتطبيقها نص المادة المشار اليه وفرض سلطتها الرقابية على محكمة الموضوع بشأن اعتبار إقامة دعوى متقابلة عمل إيجابيا يفيد التنازل عن شرط التحكيم، دون النظر إلى الدفع المبدى صراحة وبشكل جازم من الطاعنة قبل التطرق للموضوع سواء في ردها على الدعوى أو المذكرة المقدمة بالاستئناف، بالرغم من أن اتجاه المحكمة بشأن الطعن الماثل مغايرا لما درج عليه القضاء في اعتبار إقامة كلا الخصمين لدعوى أمام قضاء الدولة تتعلق بالعقد المتضمن شرط التحكيم اتفاقاً ضمنياً على التنازل عن شرط التحكيم.

-         تأثير الحكم على مقومات المجتمع

يعد الاتفاق على التحكيم تنازلا من أطراف التحكيم عن الحق في اللجوء إلى القضاء، فإذا قرر أحد الأطراف اللجوء للقضاء كان ذلك متوقفا على قبول الطرف الآخر للجوء للقضاء ويقضى بعدم قبول الدعوى إذا دفع بوجود شرط التحكيم أمام المحكمة، لذا فأن إرادة المشرع تهدف إلى إقامة مانع يحول دون طرح النزاع أمام القضاء حماية لاتفاق الطرفين، وهو ما جاء متفقا مع مضمون ما توصل إليه الحكم الماثل[3].

كما أن الأحكام الصادرة عن المحاكم العليا في مسائل التحكيم تراقب أسباب تدخل القضاء في المسائل التي يوجد بشأنها اتفاق تحكيم، وترسي المبادئ القضائية بشأن الحالات التي يمتنع تدخل القضاء الوطني في اتفاق التحكيم والحكم التحكيمي الصادر عنه.

أسس الحكم محل البحث مبدأ هاما في حالات الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط تحكيم وهو أن إقامة المدعى عليه دعوى متقابلة لا يعني في حد ذاته تنازل إيجابيا عن هذا الدفع وإنما يلزم أن تتجه إرادته بفعل أو إجراء يكشف عن التنازل بجلاء، ولا يرتب على ابداء الدفع منع الخوض في الموضوع بعد التمسك به ابتداءا، وينعكس أثر هذا المبدأ على النظرة الإيجابية للتحكيم بدولة الامارات العربية المتحدة.

[1] - كذلك نصت المادة 1458 من قانون المرافعات الفرنسي على أنه "إذا رفع النزاع المعروض على محكمة التحكيم بموجب اتفاق التحكيم على القضاء الوطني، يجب على هذا القضاء أن يقرر عدم اختصاصه ...".

[2] - محكمة النقض المصرية - مدني - الطعن رقم 17684 لسنة 81 قضائية بتاريخ 21-10-2020، مكتب فني 71 رقم الصفحة 593.

[3] - المستشار الدكتور. محمد ماهر أبو العنين – الدكتور. عاطف محمد عبد اللطيف، قضاء التحكيم، الكتاب الأول، دار أبو المجد للطباعة، القاهرة، ص192.

- الخاتمة

الخلاصة أن الحكم جاء مطابقا لصحيح القانون وأعمل القاعدة القانونية المناسبة لتحديد اختصاص محكمة الموضوع بنظر النزاع المطروح وفقا لاختصاصات محكمة التمييز، ألا أنه يثير العديد من التساؤلات حول اتجاه القضاء السابق باعتبار أن إقامة كلا الخصمين لدعوى أمام قضاء الدولة تتعلق بالعقد المتضمن شرط التحكيم اتفاقاً ضمنياً على التنازل عن شرط التحكيم، وما يستلزمه ذلك من حاجة لعرض الأحكام الواردة في الاتجاهين على الهيئة العامة لمحكمة التمييز لتوحيد المبادئ في ذلك الشأن.


لتحميل نص الحكم

شهادة المحكم المحترف

إنضم إلينا في شهادة إعداد وتأهيل المحكم المحترف 80 ساعة ⏰، واكتسب المهارات التالية:

  • مهارات صياغة اتفاق التحكيم.
  • مهارات إدارة جلسات التحكيم.
  • مهارات صياغة حكم التحكيم.
  • الإدارة الفاعلة للدفاع لقضايا التحكيم.