شهدت السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا في استخدام التكنولوجيا الحديثة في المهن القانونية، بما في ذلك التحكيم. وكان أحد أبرز المستجدات في هذا المجال هو دمج أدوات الذكاء الاصطناعي (AI) لتعزيز كفاءة وفعالية عمليات التحكيم. في هذا السياق، أصدر المعهد المعتمد للمحكمين (CIArb) دليلًا تفصيليًا لعام 2025 يهدف إلى تقديم توجيهات واضحة بشأن كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في التحكيم مع مراعاة حقوق الأطراف وضمان نزاهة العملية التحكيمية.
أهداف الدليل
يهدف الدليل إلى تحقيق توازن بين الاستفادة من إمكانيات الذكاء الاصطناعي في التحكيم وبين الحد من المخاطر القانونية والإجرائية التي قد تنشأ نتيجة استخدامه. ومن بين الأهداف الرئيسية لهذا الدليل:
- تعزيز كفاءة التحكيم من خلال تبني أدوات الذكاء الاصطناعي التي تساهم في تسريع البحث القانوني وتحليل البيانات وإعداد المستندات القانونية.
- ضمان العدالة الإجرائية عبر تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي بحيث لا يؤدي إلى الإضرار بحقوق الأطراف أو الإخلال بمبادئ التحكيم الأساسية.
- الحفاظ على سرية المعلومات وتجنب تسرب البيانات الحساسة عند استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على معالجة البيانات.
- وضع إطار تنظيمي واضح يحدد مسؤوليات المحكمين والأطراف عند الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في مختلف مراحل التحكيم.
مزايا استخدام الذكاء الاصطناعي في التحكيم
يُشير الدليل إلى العديد من الفوائد التي يمكن أن توفرها تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات التحكيم، ومن أبرزها:
- تحسين جودة البحث القانوني باستخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعية (NLP) لتقديم نتائج بحث أكثر دقة وسرعة.
- تحليل الأدلة والوثائق من خلال أدوات تحليل النصوص واكتشاف التناقضات في الشهادات والمستندات.
- إعداد مسودات الأحكام عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تساعد في صياغة الأحكام بشكل منهجي ومتسق.
- الترجمة الفورية أثناء الجلسات لتسهيل التواصل بين الأطراف التي تتحدث لغات مختلفة.
- التسجيل والتحليل الصوتي للجلسات التحكيمية لاستخدامها كمرجع لاحقًا.
المخاطر القانونية والإجرائية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي
يُحذر الدليل من بعض المخاطر التي قد تنجم عن الاستخدام غير المنضبط للذكاء الاصطناعي في التحكيم، ومن أبرز هذه المخاطر:
- انتهاك السرية: عند إدخال بيانات حساسة في منصات الذكاء الاصطناعي التي قد لا تكون محمية بشكل كافٍ.
- التحيز الخوارزمي: حيث قد تعتمد بعض أدوات الذكاء الاصطناعي على بيانات منحازة، مما يؤثر على عدالة القرارات التحكيمية.
- فقدان الشفافية: بسبب طبيعة (الصندوق الأسود) لبعض نماذج الذكاء الاصطناعي، مما يجعل من الصعب فهم كيفية توصلها إلى استنتاجات معينة.
- عدم قابلية تنفيذ الأحكام التحكيمية: إذا ثبت أن استخدام الذكاء الاصطناعي في إصدار القرار قد أدى إلى مخالفة القوانين أو السياسات التنظيمية السارية.
التوصيات العامة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التحكيم
يحدد الدليل مجموعة من المبادئ التوجيهية التي يجب على الأطراف والمحكمين الالتزام بها عند استخدام الذكاء الاصطناعي في التحكيم، ومنها:
- إجراء تقييم دقيق لأي أداة ذكاء اصطناعي قبل اعتمادها في التحكيم.
- ضمان الشفافية من خلال الإفصاح عن أي استخدام للذكاء الاصطناعي في تحليل القضايا أو إعداد المستندات.
- الرقابة البشرية لضمان عدم الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات الجوهرية.
- الامتثال للأنظمة القانونية المحلية لضمان توافق استخدام الذكاء الاصطناعي مع القوانين السارية في مقر التحكيم.
خاتمة
يمثل دليل المعهد المعتمد للمحكمين (2025) خطوة مهمة في تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في التحكيم الدولي. وبينما يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة قوية لتعزيز الكفاءة والعدالة في التحكيم، فإن استخدامه يجب أن يتم بحذر لضمان عدم الإضرار بنزاهة العملية التحكيمية أو المساس بحقوق الأطراف. ومن ثم، فإن اتباع التوصيات الواردة في الدليل يمكن أن يسهم في تحقيق توازن بين الاستفادة من التكنولوجيا والحفاظ على مبادئ التحكيم العادل والشفاف.
ومن هنا تبرز أهمية حضور المؤتمر العربي السادس للتحكيم للتواصل المباشر مع الخبراء المختصين في تطوير دور الذكاء الاصطناعي في التحكيم، هذا بالإضافة مناقشة التطبيقات العملية لهذا الموضوع؛ بهدف تطوير استراتيجية العمل في قضايا التحكيم، احجز مقعدك الآن