قضية الخرافي ضد ليبيا
2021/06/21

ملخص قضية الخرافي ضد ليبا

تدور وقائع النزاع حول إسناد السلطات الليبية لشركة محمد عبد المحسن الخرافي وأولاده للتجارة والمقاولات العامة والمنشآت الصناعية تنفيذ مشروع استثماري سياحي، يتمثل في فندق سياحي متكامل ومجمع تجارى خدمي وشقق فندقية وأماكن ترفيهية، بمنطقة تاجوراء - طرابلس. فقد أصدر السيد أمين اللجنة الشعبية العامة للسياحة الليبي (وزير السياحة) القرار رقم ۱۳۰ لسنة ۲۰۰۹ بالموافقة على تنفيذ المشروع في سبع سنوات ونصف، مع تحديد مدة الانتفاع (امتياز شركة الخرافي) بتسعين سنة، مقابل قيمة إجمالية ۱۳۰ مليون دولار. وذلك كله وفقا للشروط والضوابط الواردة بقانون الاستثمار الليبي رقم 5 لسنة ۱۹۹۷ بشأن تشجيع رؤوس الأموال الأجنبية ولائحته التنفيذية.

وبتاريخ 8/6/200 أبرم عقد الاستثمار بين كل من مصلحة التنمية السياحية الليبية وشركة الخرافي، تحت مسمى عقد إيجار قطعة أرض مساحتها 240 ألف متر مربع لغرض إقامة مشروع استثماري سياحي. وقد نصت مادته ۲۹ على أنه في حالة «نشوء أي نزاع بين الطرفين يتعلق بتفسير نصوص هذا العقد أو تنفيذها أثناء سريانه يتم تسويته وديا، وإذا تعذر ذلك يحال النزاع إلى التحكيم وفقا لأحكام الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية الصادرة بتاريخ ۲۹ نوفمبر ۱۹۸۰». على أن يكون القانون الواجب التطبيق - فيما لم يرد بشأنه نص في العقد – قانون الاستثمار والسياحة في ليبيا (المادة ۳۰ من عقد الاستثمار المبرم بين الطرفين).

وفي بداية تنفيذ المشروع فوجئت الشركة بأن الأرض محل التعاقد محملة بالعديد من العوائق المادية والقانونية التي تحول دون التنفيذ، إضافة إلى عدم توفير الأمن الازم لعمالها وموظفيها. طلبت الشركة من السلطات الليبية إزالة العوائق وتوفير الأمن اللازم، وعقدت - لهذا الخصوص- العديد من اللقاءات وتبادل المكاتبات دون الوصول لحل نهائي. وفي غضون شهر يناير ۲۰۰۹ عرض الجانب الليبي موقعا بديلا لإقامة المشروع، ولكن شركة الخرافي رفضت وصممت على الموقع محل التعاقد.

بعد أربعة سنوات من تاريخ إبرام العقد، وتحديدا في شهر مايو ۲۰۱۰، ودون سابق إنذار، أصدر السيد وزير الاقتصاد الليبي قرارا بإلغاء المشروع وسحب ترخيص الاستثمار الممنوح لشركة الخرافي، وقامت بإنهاء التعاقد من جانب واحد، ظنا منها أن العقد لم يعد شريعة المتعاقدين، إنما صار شريعة الجهة الإدارية وحدها. وهي الآفة التي تتسبب - بشكل دائم - في خسارة دولنا العربية والأفريقية لجميع منازعاتها.

وقد بررت السلطات الليبية هذا الإجراء بتراخي الشركة في الوفاء بالتزاماتها، في حين رفضت الشركة هذه الادعاءات مع التأكيد على أن حيازتها للأرض لم تكن تامة ولا هادئة، بشكل يمكنها من تنفيذ المشروع، وأن الجانب الليبي لم يضمن عدم تعرض الغير لها.

ولهذه الأسباب لجأت شركة الخرافي إلى التحكيم، وأقامت دعواها ضد كل من:

  1. حكومة دولة ليبيا.
  2. وزارة الاقتصاد في دولة ليبيا.
  3. الهيئة العامة لتشجيع الاستثمار وشئون الخصخصة (سابقا الهيئة العامة
  4. للتمليك والاستثمار).
  5. وزارة المالية في ليبيا.
  6. المؤسسة الليبية للاستثمار.

وبالنظر إلى نص المادة ۲۹ من العقد المبرم بين الطرفين نجد أنها تتضمن شرط تحكيم حر، ولكن الاتفاق بينهم لم ينص على الاتفاق على مركز مؤسسي للتحكيم. لذلك اتفق الطرفان على إقامة جلسات التحكيم بمركز القاهرة الإقليمي، ليكون فقط مكانا للتحكيم دون أن يصدر الحكم باسمه على أساس أنه تحكيم حر.

وقد تلخصت طلبات الشركة المدعية في تعويضها عن الأضرار المادية والمعنوية التي أصابتها وقدرتها بحوالي ملياري دولار بالإضافة إلى الفوائد.

وبتاريخ 22/3/2013 أصدرت هيئة التحكيم حكمها في الدعوى وانتهت إلى أن:

أولا: الجهة الإدارية المدعى عليها ارتكبت أخطاء تعاقدية وقانونية لإنهائها للتعاقد من جانب واحد بما يؤكد مسئوليتها. حيث رفضت هيئة التحكيم اعتبار العقد المبرم بين الطرفين من قبيل العقود الإدارية، وإنما هو من عقود "البوت" B.O.T التي تخضع للقوانين الخاصة بتشجيع الاستثمار إضافة إلى الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية. وأضافت الهيئة أن الجانب الليبي لم يكن من حقه فسخ العقد وسحب المشروع، وان الاستثمار تم إنهاءه بشكل تعسفي مماثل للتجميد والتصفية والتأميم وغيرها من التدابير المماثلة، والمحظورة جميعا بمقتضى القانون الليبي والاتفاقية الموحدة. بما يؤكد ثبوت الخطأ العقدي الموجب للمسئولية في شأن الحكومة الليبية لإنهاء التعاقد بإرادتها المنفردة، بالمخالفة لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين.

ثانيا: إلزام الجهة المدعى عليها ممثلة في الحكومة الليبية ووزارة الاقتصاد والهيئة العامة لتشجيع الاستثمار ووزارة المالية بأن تدفع على سبيل التكافل والتضامن لشركة الخرافي - وهي الشركة المدعية - التعويضات الآتية:

  • ۳۰ مليون دولار عن الأضرار الأدبية.
  • 5 مليون دولار خسائر ومصروفات.
  • ۹۰۰ مليون دولار تعويض عن الكسب الفائت.
  • ۲ مليون دولار رسوم ومصاريف التحكيم.
  • فائدة 4% على إجمالي المبالغ المحكوم بها من تاريخ الحكم وحتى تمام السداد.

ولما كان هذا التحكيم قد جرى وفقا للاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية، فالمفترض وفقا لنص المادة ۸/۲ - أن «يكون قرار هيئة التحكيم.. نهائيا وملزما، يتوجب على الطرفين الامتثال له وتنفيذه بمجرد صدوره ما لم تحدد الهيئة مهلة لتنفيذه أو لتنفيذ جزء منه، ولا يجوز الطعن في قرار التحكيم». والشاهد أن الهيئة لم تحدد مهلة لتنفيذ الحكم.

حكم الخرافي ضد ليبيا أمام محكمة الاستثمار العربية

لم ترتض الحكومة الليبية حكم التحكيم السابق، فلجأت إلى محكمة الاستثمار العربية بطلب عدم الاعتداد به واعتبارها كأن لم يكن. وقد تقرر ذلك على مرحلتين: المرحلة الأولى بالدعوى رقم 1 لسنة ۱۱ق استثمار بتاريخ 12/6/2014. والمرحلة الثانية الدعوى رقم 3 لسنة ۱۳ ق استثمار بتاريخ 7/2/2017

إنضم إلينا في شهادة إعداد وتأهيل المحكم المحترف 80 ساعة ⏰، واكتسب المهارات التالية:

  • مهارات صياغة اتفاق التحكيم.
  • مهارات إدارة جلسات التحكيم.
  • مهارات صياغة حكم التحكيم.
  • الإدارة الفاعلة للدفاع لقضايا التحكيم

المرحلة الأولى: الدعوى رقم 1 لسنة ۱۱ق استثمار

أقيمت هذه الدعوى من قبل:

ا- حكومة ليبيا.

٢- الهيئة العامة لتشجيع الاستثمار وشئون الخصخصة.

٣- وزارة الاقتصاد.

- وزارة المالية.

ضد شركة عبد المحسن الخرافي وأولاده للتجارة والمقاولات العامة والمنشآت الصناعية.

وقد أسس المدعون دعواهم بعدم الاعتداد بالحكم واعتباره كأن لم يكن على عدة أسانيد وهي:

أولا: عدم خضوع المنازعة بين الشركة التي صدر الحكم التحكيمي لصالحها وبين المدعين لأحكام الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية. استنادا إلى الآتي: 1- أن الاتفاقية قد حددت نطاق تطبيق أحكامها الموضوعية بموجب الفقرات 5، 6، 7 من المادة الأولى منها بفكرة رأس المال العربي واستثمار رأس المال العربي وأن الحكم المشار إليه قد سطر أن الشركة المحكوم لها لم تقم بتحويل رأس مال إلى ليبيا لاستخدامه في التنمية الاقتصادية بهدف تحقيق عائد ولم تفتح حسابات باسم المشروع في البنوك الليبية.

۲- أن إعمال الاتفاقية يفيد فقط بتوفر الشروط التي وضعتها الاتفاقية نفسها لتطبيقها، ومن ثم فمتى كانت المسألة المعروضة على القاضي الوطني أو على المحكم الذي يطبق القانون الوطني لا تدخل في نطاق الإعمال التلقائي للمعاهدة فإنه من غير المنصور إعمال أحكام هذه المعاهدة وإلا عد ماسا لسيادة الدولة..

٣- أن الحكم التحكيمي قد قام بتطبيق الاتفاقية على المنازعة استنادا إلى نص المادة (۲۰) منها، وذلك على الرغم من أن المادة المذكورة تفترض أن تكون المنازعة ناشئة عن تطبيق الاتفاقية...

4- أن المادة (۲۹) من العقد واضحة الدلالة فقط على اختيارها نظام التحكيم المعمول به في الاتفاقية دون الإحالة إلى القواعد الموضوعية فيها، حيث إنه لا مجال لإعمال تلك القواعد الموضوعية على المنازعة الماثلة في ظل عدم توافر الشروط والأوصاف التي حددتها المعاهدة لانطباقها.

ثانيا: استبعاد الحكم التحكيمي لملحق التوفيق والتحكيم الملحق بالاتفاقية: حيث نعي المدعون على الحكم التحكيمي استبداله قواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي بقواعد ملحق التوفيق والتحكيم الواردة في ملحق الاتفاقية ولم يستبق منها سوى المهل. وأن استعارة الحكم لمسمى (حكم تحكيمي صادر وفقا لقواعد الاتفاقية) هي تسمية في غير محلها وأن إعطاء الهيئة التحكيمية الحكم التحكيمي صفة النفاذ المعجل هو أمر يوصم الحكم بالانحياز.

ثالثا: بلوغ العوار الذي لحق بالحكم التحكيمي مبلغا جسيما: وذلك تأسيسا على أن الحكم التحكيمي قد فصل في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم وجاوز نطاق شرط التحكيم من حيث أطرافه.

أما دفاع شركة الخرافي، وهي الشركة المدعى عليها فقد انصب على الدفوع الأتية:

١- عدم اختصاص المحكمة بنظر الطلب موضوع الدعوى.

۲- احتياطيا: عدم قبول الدعوى.

٣- إلزام الطالبين بالمصروفات وأتعاب المحاماة.

تداولت الدعوى أمام محكمة الاستثمار العربية التي كان يتوجب عليها في البداية - كأي محكمة - أن تبحث في اختصاصها، فاستعرضت في مطلع حكمها النصوص القانونية الحاكمة للاختصاص، ومما ورد بقضائها يستفاد أن مباشرة المحكمة لاختصاصها فيما يتعلق بالنزاعات المتعلقة بالاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية يكون فقط في أي من الأحوال الأتية:

1- اتفاق الطرفين صراحة على تسوية النزاعات بينهما عن طريق محكمة الاستثمار العربية.

۲- عدم الاتفاق على اللجوء إلى طريق التوفيق أو التحكيم لتسوية النزاعات بينهما.

٣- اتفاق الطرفين على تسوية النزاعات بينهما عن طريق التوفيق وعدم الموفق من إصدار تقريره في المدة المحددة.

4- اتفاق الطرفين على تسوية النزاعات بينهما عن طريق التوفيق وعدم اتفاقهما على قبول الحلول المقترحة في تقرير الموفق.

5- اتفاق الطرفين على تسوية النزاعات بينهما عن طريق التحكيم وعدم صدور حكم هيئة التحكيم في المدة المقررة.

وتأسيسا على ما تقدم فقد قضت المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى لعدم اختصاص محكمة الاستثمار العربية بنظرها وألزمت المدعين بالرسوم والمصروفات القانونية.

المرحلة الثانية: الدعوى رقم 3 لسنة ۱۳ق استثمار

بعد رفض الدعوى السابقة قامت الهيئة العامة للسياحة الليبية منفردة بإقامة الدعوى الحالية رقم 3 لسنة ۱۳ق استثمار أمام محكمة الاستثمار العربية بعريضة مودعة لدى أمانة المحكمة بتاريخ 12/10/2015، للمطالبة بعدم الاعتداد بحكم التحكيم الصادر لصالح شركة الخرافي واعتباره كأن لم يكن في مواجهتها. والذي يبدو للوهلة الأولى - اتفاق الدعويين في موضوعهما، وأطرافهما، ولكن يلاحظ الاختلاف في صفة وأشخاص المدعين.

فالدعوى الحالية رقم 3 لسنة ۱۳ ق فقد أقيمت من جانب الهيئة العامة للسياحة الليبية. والعجيب أنها أقامتها ليس فقط في مواجهة شركة الخراف وإنما إجمالا ضد:

  1. شركة محمد عبد المحسن الخرافي.
  2. حكومة ليبيا.
  3. وزارة الاقتصاد الليبية.
  4. الهيئة العامة لتشجيع الاستثمار وشئون الخصخصة بدولة ليبيا.
  5. وزارة المالية الليبية.
  6. المؤسسة الليبية للاستثمار.

وقد أسست الهيئة العامة للسياحة الليبية دعواها على سند من القول بأن شركة الخرافي تعمدت عدم اختصامها في التحكيم الذي صدر ضد حكومة ليبيا وباقي المدعى عليهم في دعواها الماثلة، وذلك وقت أن كان مسماه مصلحة التنمية السياحية، مما يجعل الحكم غير ذي أثر في مواجهتها. وقد دفعت شركة الخرافي الدعوى بعدم الاختصاص وانعدام صحيفة الدعوى لرفعها من غير ذي صفة، إضافة إلى عدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها. والعجيب أيضا أن الحكومة الليبية وقفت في صف شركة الخرافي في دفاعها وطالبت بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذی صفة، إضافة لانعدام صحيفتها لزوال مصلحة التنمية السياحية من الوجود بسبب حلها.

وقد استعرضت محكمة الاستثمار العربية في بداية قضائها مختلف النصوص التي تتناول اختصاصها، وقد سبق لها تناولها في قضائها الأول.

ووصلت إلى حكم مفاده إنها تختص فقط بتيسير مسألة تنفيذ الحكم التحكيمي والقضاء بما يكون مناسبا من اجل الوصول إلى هدف معين وهو تنفيذ الحكم دون أن يتعدى ذلك إلى الاختصاص بنظر أيه مسائل أخري. وعلية فقد حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر النزاع مرة أخري.

قضية الخرافي ضد ليبيا أمام القضاء المصري

بالتزامن مع دعواها أمام محكمة الاستثمار طرقت الحكومة الليبية سبيل التقاضي أمام محكمة استئناف القاهرة باحثة عن بطلان حكم التحكيم الصادر لصالح شركة الخرافي. وقد اتخذت دعواها منحنيات شديدة، ففي البداية قضت محكمة استئناف القاهرة في الدعوي رقم 39 لسنة 130 ق بعدم القبول، فطن المدعون على حكمها بالنقض. فقضت محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 6065 لسنة 84 ق بنقض الحكم والإحالة لمحكمة الاستئناف للفصل في دعوي البطلان. لم تفصل مرة أخري محكمة الاستئناف في موضوع البطلان وقضت مجددا – على خلاف أحكام القانون – بعدم اختصاصها بذات الدعوي، فطعن مرة أخري على حكمها بالنقض فتمسكت المحكمة العليا بقضائها السابق، ناقضة الحكم – بالطعن رقم 18615 لسنة 88 ق وحالته مرة ثانية للنظر في دعوي البطلان. وقد تصدت محكمة الاستئناف في النهاية للفصل في موضوع الدعوي، وقضت ببطلان حكم تحكيم الخرافي ضد ليبيا.

خمسة أحكام حتى الأن، ثلاثة منهم لمحكمة استئناف القاهرة، وحكمان لمحكمة النقض المصرية، وفي انتظار قضاء النقض في الطعن الأخير لشركة الخرافي الذي لم يصدر بعد حتى وقتنا هذا.

المصادر:

[1] راجع حكم المحكمة في الدعوي بموقعها http://www.leagueofarabstates.net/


قضايا تحكيم مشهورة أخرى

أقرأ أيضا

شهادة المحكم المحترف

إنضم إلينا في شهادة إعداد وتأهيل المحكم المحترف 80 ساعة ⏰، واكتسب المهارات التالية:

  • مهارات صياغة اتفاق التحكيم.
  • مهارات إدارة جلسات التحكيم.
  • مهارات صياغة حكم التحكيم.
  • الإدارة الفاعلة للدفاع لقضايا التحكيم