كيفية اختيار مقر انعقاد التحكيم
المحامي وليد عثمان

المحامي وليد عثمان

شريك مؤسس شورى للمحاماة والتحكيم رئيس الاكاديمية الدولية للوساطة والتحكيم .
2023/07/11

يعتبر اختيار مقر التحكيم من المسائل الدقيقة والحساسة في مجال التحكيم الدولي، ومقر التحكيم يعني الدولة التي اختارها الخصوم لتكون مكاناً قانونياً للنزاع التحكيمي، وعليه يجب على الخصوم تحري الدقة عند اختيار مقر التحكيم؛ حيث أن مقر التحكيم له تأثير على سلاسة إجراءات العملية التحكيمية، كما أنه يؤثر على ضمان تنفيذ حكم التحكيم دون عوائق؛ لذلك يجب أن يتسم مقر التحكيم بإطار قانوني وتشريعي رصين وبسمعة وخدمة قانونية مميزة.

فإذا كان قرب الفندق المناسب وتوافر وسائل النقل المريحة والاتصال السريع بالإنترنت من العوامل المهمة لهيئة التحكيم، فإن اختيار مقر التحكيم(Seat of Arbitration)  له تبعات قانونية أكثر أهمية.

ما هو مقر التحكيم؟

مقر التحكيم يعبر عن فكرة قانونية بحتة تستتبع نتائج هامة وبصفة خاصة اختصاص الجهات القضائية للدولة بنظر الطعن بالبطلان، وليست فكرة مادية تعتمد على مكان اجتماع محكمة التحكيم أو مكان توقيع الحكم. أما مكان التحكيم (Venue of Arbitration) فهو مجرد موقع جغرافي يختاره الأطراف أو المحكمون لسهولة الوصول إليه وعقد بعض جلسات التحكيم فيه أو لتوقيع الحكم ولا يستتبع آية آثار قانونية على مسائل التحكيم.

ويعتبر مجلس اللوردات الإنجليزي منذ عام 1991 أول من تصدي لفكرة التمييز بين مقر التحكيم عن مكان التحكيم وسار على دربه الفقة والقضاء، ففي فرنسا وبمناسبة القضية التحكيمية التي رفعتها الجماهرية الليبية أمام محكمة استئناف باريس للحكم ببطلان حكم التحكيم الصادر ضدها، والتي قضت فيها بالرفض معللةً حكمها بأنه لا يكون الطعن بالبطلان مقبولاً أمام السلطة القضائية الفرنسية بشأن حكم تحكيم صدر في الخارج ولو في مسائل دولية؛ حيث أن لا يمكن تفسير نص اتفاق التحكيم القائل " .. تحكيم غرفة التجارة الدولية لجينف.." إلا أنه اتفاق على اختيار غرفة التجارة الدولية على أن يكون مقر التحكيم مدينة جينف، وبناء عليه يكون القضاء السوسري هو القضاء المختص بنظر دعوى البطلان وليس القضاء الفرنسي.

كما قررت محكمة النقض المصرية أن اختيار مكان معين للتحكيم لا يعنى وجوب اتخاذ جميع إجراءات التحكيم في هذا المكان. كما أن اختيار الأطراف لمكان التحكيم ينطوي ضمنا على اختيارهم للقانون الإجرائي لهذا المكان (Lex Arbitri) لتخضع له إجراءات التحكيم ما لم يعلنوا صراحة عن إرادتهم باختيار قانون آخر. ولهذا يجب التفرقة بين المكان الجغرافي الذي تنعقد فيه جلسات التحكيم (Venue of Arbitration) وبين مكان التحكيم كفكرة قانونية مقر التحكيم (Seat of Arbitration)

ويمكن أن يكون كلاً من مقر التحكيم والقانون الذي يحكم إجراءات التحكيم مختلفين بشكلٍ مربك، فعلى سبيل المثال، من الممكن أن يُجرى التحكيم في هونغ كونغ، وتتم إدارته من قبل المحكمة الدولية للتحكيم في لندن LCIA، ويكون القانون المطبق عليه هو القانون الكندي.

لماذا يعد مقر التحكيم بالغ الأهمية ؟

تحديد مقر التحكيم له تأثير مباشر على تحديد القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم، ولا يخفي على أهمية المسائل التي ينظمها؛ حيث يتناول إجراءات عقد الجلسات والإعلانات والإخطارات ووسائل الاثبات والأدلة المقبولة، كما ينظم سرية عملية التحكيم ومدي جواز الطعن بالاستئناف على حكم التحكيم من عدمه؛ حيث تختلف القوانين والقواعد حول بعض المسائل.

وتزداد أهمية القواعد الإجرائية خاصة في منازعات التجارة الدولية؛ حيث تتباين جنسيات ومصالح الأطراف، ويعد القانون الواجب التطبيق علي التحكيم حاسماً في العديد من المسائل، وأن عدم تحديده بدقة قد يؤدي إلي إشكاليات قانونية مختلفة.

كما أن محكمة مقر التحكيم هي المختصة بنظر دعوى بطلان الحكم الصادر في الدعوى التحكيمية، فعلى سبيل المثال، إذا كان مقر التحكيم مصر تكون محكمة استئناف القاهرة هي المتخصة وفقاً للمادة 54/2 و م 9 من قانون التحكيم المصري، وذلك كان مقر التحكيم الرياض تكون محكمة استئناف الرياض هي المحكمة المختصة وفقا للمادة 8 من نظام التحكيم 1433 هـ، وإذا كان مقر التحكيم لندن تكون محكمة استئناف لندن هي المحكمة المختصة.

وهنا يظهر دور القضاء في توطين الدولة كمقر للتحكيم، فكلما كان القضاء داعم للتحكيم كلما أثر بشكل إيجابي على سمعة الدولة كمقر للتحكيم.

5 معايير تحديد مقر التحكيم

توجد العديد من العوامل التي يجب مراعاتها عند اختيار مقر التحكيم. فوفقاً لدراسة أجرتها جامعة كوين ماري بلندن عام 2015 حول التحكيم الدولي، فإنه توجد 5 أسباب هي الأكثر شيوعاً لاختيار مقر معين للتحكيم، وهي:

  1. سمعة المقر ومدى الاعتراف به.
  2. القانون الحاكم والمنطبق على موضوع النزاع.
  3. طبيعة العقد/ نوع النزاع (التي من المحتمل أن تنشأ).
  4. القرب من أطراف التحكيم.
  5. سياسة الشركة، المصطلحات والشروط المعتمدة.

معايير CIArb & Delos لمقرات التحكيم الأمنة

ويقدم كلاً من معهد الملكي للمحكمين (CIArb) في لندن، ومركز ديلوس لتسوية المنازعات في (Delos) في باريس، قوائم بمعايير "مقرات التحكيم الآمنة"، وذلك لمساعدة الأطراف والعامليين بمجال الطرق البديلة لتسوية المنازعات فيما يتعلق بالتحكيم. وتتشابه تلك المعايير إلى حد كبير، وتشمل على سبيل المثال لا الحصر:

1.   القانون: هناك قانون تحكيم دولي واضح وحديث يسمح للأطراف باختيار التحكيم مع توفير إطار عادل من التدخل المحدود من قبل المحكمة، بالإضافة إلى تحقيق توازن بين السرية والشفافية.

2.   القضاء: توافر قضاء مستقل يتمتع بخبرة في التحكيم الدولي ويقوم على احترامه.

3.   الخبراء القانونيون : توافر محترفون قانونيون مستقلون يتمتعون بخبرة دولية في حل النزاعات، بما في ذلك التحكيم الدولي، لمساعدة الأطراف وتسهيل إجراءات التحكيم في المقر.

4.   التأهيل وإعداد المحكمين: توافر الالتزام بدعم وتعزيز التخصصات والتعليم اللازم لتأهيل المحترفين في مجال التحكيم والمجالات ذات الصلة بجودة عالية.

5.   شروط ممثلو الأطراف: يمكن للأطراف اختيار ممثليهم من بين المحترفين في داخل أو خارج المقر التحكيم؛ بحيث يسمح للمحامين الأجانب وغير المحامين (المهندسين مثلاً) بالترافع أمام هيئات التحكيم.

6.   إمكانية الوصول والسلامة: يمكن للأطراف والمحامين والشهود والأطراف الأخرى المعنية الدخول والخروج من المقر دون قيود، بما يشمل أشخاصهم ووثائقهم ومعلوماتهم.

7.   قابلية التنفيذ: أن تكون دولة مقر التحكيم طرفاً موقعاً على المعاهدات والاتفاقيات التي تحكم اتفاقات وأحكام التحكيم الأجنبية، مثال اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم الإجنبية 1958 م واتفاقية الأوروبية للتحكيم التجاري الدولي (جنيف) 1961م 

أشهر المؤسسات المختارة لإدارة التحكيم هي:

من اشهر مؤسسات التحكيم الدولي

  • المحكمة الدولية للتحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية (ICC).
  • محكمة لندن للتحكيم الدولي (LCIA).
  • مركز هونغ كونغ للتحكيم الدولي (HKIAC).
  • مركز سنغافورة للتحكيم الدولي (SIAC).
  • معهد التحكيم التابع لغرفة ستوكهولم للتجارة (SCC).

كما تعد من أشهر مقرات التحكيم:

  1. لندن
  2. باريس
  3. هونغ كونغ
  4. سنغافورة
  5. جينيف

كيفية تجنب المشكلات عند تحديد مقر التحكيم

لتجنب حدوث أي مشاكل عند تنفيذ الحكم التحكيمي، يجب على الأطراف تحديد كلاً من مقر التحكيم والقانون المنظم لعملية التحكيم في العقد الأصلي أو في مشارطة تحكيم تفصيلية.

المؤتمر العربي الرابع للتحكيم

انضم للمشاركين في المؤتمر العربي الرابع للتحكيم تحت شعار تمكين وتوطين ويهدف المؤتمر الى

  • الإلمام بمستحدثات التحكيم العربي والدولي.
  • توطين ودعم صناعة التحكيم في المنطقة العربية.
  • الحد من هجرة قضايا التحكيم لمقرات تحكيم أجنبية.
  • تمكين المحكمين العرب على المستويين العربي والدولي، ودعم اختيارهم في القضايا الكبرى.
  • الاطلاع على التجارب الأجنبية الناجحة في شأن توطين صناعة التحكيم.
  • فتح آفاق التعاون بين المهنيين من مختلف الجنسيات العربية.