تعليق على حكم محكمة التمييز في الطعن رقم 362 لسنة 2023 تمييز استثمار- تجاري
أ أحمد عبد الغني طاهر

أ أحمد عبد الغني طاهر

مدير قانوني لمجموعة شركات – ماجستير في القانون - باحث دكتوراه في القانون.
2023/06/04

تعليق على حكم محكمة التمييز في الطعن رقم 362 لسنة 2023 تمييز استثمار- تجاري

"مدى جواز الطعن بالتمييز على الأحكام الصادرة من القاضي الفرد بمحكمة الاستثمار والتجارة"
"مدى التزام دائرة المنازعات الاستثمارية والتجارية بمحكمة التمييز بالفصل في موضوع الدعوى حال قضت بتمييز الحكم المطعون فيه

في حكم يأتي في باكورة أحكام محكمة التمييز القطرية بشأن الطعون على الأحكام الصادرة من محكمة الاستثمار والتجارة المنشأة بموجب القانون رقم 21 لسنة 2021، أصدرت محكمة التمييز – دائرة المنازعات الاستثمارية والتجارية، حُكمها في الطعن المقام من واحدة من شركات المجموعة بالطعن رقم 362/2023 تمييز استثمار تجاري بتاريخ 30 مايو 2023، وفي هذه السطور نُسلِط الضوء على أهم ما ورد بذلك الحكم:

1- تتعلق وقائع النزاع موضوع الطعن في أن المطعون ضدها الأولى كانت قد أقامت على الشركة الطاعنة دعوى أمام محكمة الاستثمار والتجارة (استثمار جزئي – على نحو أدَق أمام قاض فرد) بطلب إلزام الطاعنة بمبلغ مالي قالت إنه مقابل ما وردته من قطع غيار سيارات لمؤسسة فردية كانت مملوكة للطاعنة في وقت سابق ورغم تمسُك الطاعنة بعدم مسؤوليتها عن هذه المستحقات على أساس أنها اشترت هذه المؤسسة الفردية من مالكها السابق وتضمن عقد البيع نصًا صريحًا بعدم وجود التزامات على المؤسسة المبيعة وبأن المالك السابق (البائع) يتحمل أي التزامات على هذه المؤسسة حتى تاريخ البيع، وأن ملكية الطاعنة للمؤسسة استمرت لمدة لم تتجاوز ستة أشهر وباعتها لآخر، وأن هذه المعاملات المتحقق بسببها المديونية – حال صحتها – لم تكن إلا عن تواريخ سابقة لبيع المؤسسة إلى الطاعنة والتي تضمن عقد بيعها التزام البائع (المالك السابق) بالتزامات المؤسسة ومنها هذه المستحقات.

رفضت محكمة أول درجة دفاع الطاعنة وأصدرت حكمها بإلزامها بمبلغ المطالبة وبالتعويض، وطعنت الطاعنة أمام محكمة الاستئناف بمحكمة الاستثمار وتمسَّكت بدفاعها إلا أن الحكم الاستئنافي صدر بتأييد حكم محكمة أول درجة.

2- طعنت الشركة الطاعنة أمام محكمة التمييز بالطعن محل التعليق، وعُرض الطعن على المحكمة في غرفة المشورة ورأت المحكمة أن الطعن مُستوفٍ لأوضاعه الشكلية فقبلته شكلًا، وأنه جدير بالنظر فنظرته ثم أصدرت حكمها محل التعليق بتاريخ 30 مايو 2023 بتمييز الحكم وإعادة القضية إلى الدائرة الاستئنافية بمحكمة الاستئناف والتجارة.

3- وكان نعي الطاعنة على الحكم بصحيفة الطعن يتمثل فيما شاب الحكم المطعون فيه من خطأ في تطبيق القانون وفساد في الاستدلال وقصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع لرفض الدفع بعدم قبول الدعوى على الطاعنة لانتفاء صفتها وتمسكها بأن التعاملات سبب المطالبة قد تمت مع المؤسسة في تاريخ سابق لتملك الطاعنة لها ومع مالك آخر هو المالك السابق للمؤسسة والتي تضمن عقد بيعها للطاعنة نصًا صريحًا بتحمل البائع لا الطاعنة الالتزامات السابقة على المؤسسة وأن أوامر الشراء والفواتير كلها أو أغلبها تتعلق بالفترة التي كانت المؤسسة مملوكة للمالك السابق. وقدمت الطاعنة المستندات الدالة على ذلك. وأضافت الطاعنة أن ما ورد بالحكم المطعون فيه – ردًا على دفاعها – من أن ما تم الاتفاق عليه مع المالك السابق من تحمله لالتزامات المؤسسة السابقة على البيع لا يُحتج به على المطعون ضدها رافعة الدعوى الابتدائية بالمطالبة طالما هيَ لم تُقره وأن المؤسسة – برأي الحكم – أصبحت تابعة للشركة الطاعنة وفرعًا من فروعها، قالت الطاعنة إن هذا الذي أورده الحكم لا يصلح لمواجهة ما تمسَّكت به من دفاع جوهري التفت عنه الحكم المطعون فيه كما التفت عن المستندات المعضدة لهذا الدفاع رغم دلالتها على صحته.

4- وجاء بحكم التمييز محل التعليق أن هذا النعي من الطاعنة صحيح، ذلك أن المؤسسة الفردية لا تعد شخصًا معنويًا وليس لها ذمة مالية مستقلة عن ذمة مالكها وإنما هي عنصر من عناصر ذمته المالية وأن ما يترصد عليها أو لها من حقوق أو التزامات يكون على مالك المؤسسة، وأن للمالك حال اشتراكه مع آخرين في شركة أن يُقدم ما لهذه المؤسسة الفردية المملوكة له من حقوق كحصة له بالشركة.

وأضافت المحكمة أن الأصل في الالتزام أن يكون بسيطًا فتكون الرابطة بين دائن واحد ومدين واحد، إلا أن ذلك لا يحول دون أن يكون الالتزام مُتعدِد الأطراف بالتضامن فيما بينهم بتعدد الدائنين أو المدينين وليس هناك ما يحول دون إلزام المدينين المتعددين بدين واحد بالتضامن فيما بينهم حال اتحد مصدر التزامهم، وبالتضامم فيما بينهم حال اختلاف مصدر الالتزام.

5- وأكد الحكم التمييزي على ما استقر عليه قضاء التمييز من أن إغفال الحكم بحث دفاع جوهري أبداه الخصم أو مجابهة هذا الدفاع بما لا يصلح ردًا سائغًا يواجهه، يترتب عليه بطلان الحكم للقصور في أسبابه الواقعية.

6- وأضاف حكم التمييز أن الشركة الطاعنة تمسَّكت أمام محكمة الموضوع بعدم قبول الدعوى قِبَلها لرفعها على غير ذي صفة، لكونها – أي الطاعنة – أصبحت مالكة لهذه المؤسسة الفردية بتاريخ لاحق لتواريخ المعاملات التي تمت مع المؤسسة والتي ترتبت عليها المستحقات محل المطالبة وأن عقد البيع تضمن إقرار المالك السابق للمؤسسة بأن الحصص المبيعة غير مُحملة بأي التزامات وبأنه مسؤول عن أي التزامات سابقة على تاريخ البيع إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع وقضى بإلزام الطاعنة بالمبلغ والتعويض على سند من أن نص عقد البيع المشار إليه لا يُحتج به على المطعون ضدها "المدعية أمام محكمة أول درجة" طالما لم تُقره وأن المؤسسة الفردية أصبحت تابعة للطاعنة وفرعًا من فروعها. وأضاف حكم التمييز أن هذا الدفاع لا يواجه دفع الطاعنة بانتفاء صفتها فضلًا عن تحمل المؤسسة الفردية لالتزاماتها السابقة على عقد بيعها للطاعنة، وأن هذا يعيب الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب تمييز الحكم المطعون فيه لهذا السبب دون بحث باقي أسباب الطعن.

7- وأصدرت محكمة التمييز حكمها بتمييز الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى الدائرة الاستئنافية بمحكمة الاستثمار والتجارة... وقد يُرى أن هذا القرار بالإحالة يُخالِف نص الفقرة الأخيرة من المادة (12) من القانون رقم 21 لسنة 2021 بإنشاء محكمة الاستثمار والتجارة، وهو النص الذي يقضي بـ "... وإذا قضت محكمة التمييز بتمييز الحكم المطعون فيه حكمت في الموضوع".

أي أنه وفق هذا النص، على محكمة التمييز أن تتصدى للفصل في موضوع الدعوى إلا أن المحكمة أحالت القضية للدائرة الاستئنافية بمحكمة الاستثمار والتجارة ولم تتصدَ للفصل في الموضوع. وقد فسَّرَت المحكمة هذا التوجه من قِبَلها على عدم وجود التزام تشريعي عليها بالفصل في الموضوع حال تمييز الحكم، ودللَت على هذا بما ساقته في حكمها مما قالت أنه تمايز في قصد المشرع في النص المذكور الوارد بالمادة (12) من القانون 21 لسنة 2021 بإنشاء محكمة الاستثمار والتجارة عن قصده في نص الفقرة الأخيرة من المادة (22) من القانون رقم 12 لسنة 2005 بشأن حالات وإجراءات الطعن بالتمييز في غير المواد الجنائية والذي جاء به "..إذا حكمت المحكمة بتمييز الحكم المطعون فيه، وكان الموضوع صالحًا للفصل فيه، أو كان الطعن للمرة الثانية، ورأت المحكمة تمييز الحكم المطعون فيه، وجب عليها أن تحكم في الموضوع.." ورأت محكمة التمييز أن استقراء هذه النصوص وتفسيرها يدل على أن التمييز وسيلة طعن غير عادية تهدف إلى مراقبة سلامة تطبيق القانون وتوحيد الاجتهادات القضائية وأنه بهذه المثابة وسيلة لضمان شرعية الأحكام من الوجهة القانونية، وإنه ليس لمحكمة التمييز من سلطة على وقائع الدعوى وليس لها ان تُغيرها او تُعدِلها وهي بذلك محكمة قانون بحكم دورها الرقابي والتأصيلي لضمان حُسن تطبيق النصوص القانونية، وتظل منشغلة بالمناعي القانونية لتوفر جوابًا قانونيًا لها سواء باستجلاب ما سبق أن تَقرر من مبادئ قانونية أو بإقرار مبدأ قانوني جديد عند الاقتضاء، وأنه ليس لمحكمة التمييز أن تأذن بتحقيقات أو أن تستكمل ما نقص من أبحاث حتى إذا رأت التمييز، فليس لها إلا الإحالة إلى المحكمة الموضوعية المختصة، ومن أجل ذلك ليس للطعن بالتمييز أثر ناقل وتعليقي، بل إنه ليس لمحكمة التمييز الفصل إلا في المسائل القانونية في المناعي المطروحة، وليس من الجائز أن تطرح أمام محكمة التمييز مسائل لم تكن محل مجادلة بين الأطراف أمام محكمة الموضوع. وقالت محكمة التمييز أن المشرع لم يسع مطلقًا لجعل التمييز درجة ثالثة للنقاضي بفرض إجراءات ومدد مميزة تتماشى ومتطلبات البحث الموضوعي في الدعوى.

8- وبهذا الاستقراء للنصوص، انتهت المحكمة إلى أن المشرع بنصه في الفقرة الأخيرة من المادة (12) من قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة رقم 21 لسنة 2021 لم يُلزم محكمة التمييز بالفصل في الموضوع متى قضت بتمييز الحكم وأنه ليس في هذا النص ما يحمل محكمة التمييز للفصل في الموضوع على وجه الإلزام مهما كانت حالة أوراق الدعوى. وأنه ووفق هذا النص ليس لمحكمة التمييز أن تفصل في الموضوع إلا إذا كان الموضعوع صالحًا للفصل فيه بما يتوافر في الأوراق ما يسمح للمحكمة بالحكم في الموضوع دون القيام بأبحاث إضافية أو تحقيقات تكميلية، وأنه إذا كان الفصل في الموضوع يتوقف على إنجاز هذه الأبحاث، فليس لمحكمة التمييز إلا التمييز والإحالة، وأن استعمال المشرع عبارة "وجب على المحكمة أن تفصل في الموضوع" في الفقرة الأخيرة من المادة 22 من القانون رقم 12 لسنة 2005 بشأن حالات وإجراءات الطعن بالتمييز في غير المواد الجنائية، يدل على هذا الفهم للنصوص، حيث استعمل المشرع صيغة الوجوب الإلزامية في النص الأخير، في حين لم بستعمل هذه الصيغة في الفقرة الأخيرة من المادة 12 من قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة بل استعمل في النص الأخير عبارة "..حكمت في الموضوع" دون استعمال لفظ الوجوب، بما يعني – وفق حكم التمييز محل التعليق – إنه وفي الطعون على أحكام محكمة الاستثمار والتجارة أمام التمييز فيكون للمحكمة أن تفصل في الموضوع حال تمييز الحكم فقد إذا كان الموضوع صالحًا للفصل فيه أو كان الطعن للمرة الثانية على المسألة ذاتها التي كانت محلًا للتمييز في المرة الأولى، أما إذا كان الموضوع غير صالح للفصل فيه بأن كان يحتاج لأبحاث إضافية أو تحقيقات تكميلية، فلا يكون ثمة إلزام على محكمة التمييز أن تفصل في الموضوع وعليها أن تقضي بالإحالة للمحكمة الموضوعية حتى في ظل الفقرة الأخيرة نص المادة 12 من القانون 21 لسنة 2021 بإنشاء محكمة الاستثمار والتجارة الذي يتحدث عن فصل المحكمة في الموضوع حال ميزت الحكم المطعون فيه دون وضع شروط لهذا الأمر.

خاتمة:

بهذا الحكم الذي يأتي في باكورة أحكام محكمة التمييز في الطعون المقامة ضد أحكام محكمة الاستثمار والتجارة، وبالإضافة لما أورده الحكم من تأكيد لعدد من المبادئ القضائية سواء تلك الخاصة بطبيعة المؤسسة الفردية، أو تلك المتصلة بالتفرقة بين الالتزام البسيط ونظيره المُتعدِد، وكذلك ما يتعلق بإغفال بحث الدفوع الجوهرية، إلا أن هذا الحكم قد حسمت به محكمة التمييز مسألتين هامتين كانتا مثار اختلاف وتباين في وجهات النظر بين بعض القانونيين في شأن بعض نصوص قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة.

المسألة الأولى: كانت مسألة إمكانية الطعن أمام محكمة التمييز "دائرة المنازعات الاستثمارية والتجارية" عن حكم صادر من محكمة جزئية أو على نحو أدَق من قاض فرد بمحكمة الاستثمار والتجارة، مسألة محل خلاف، ففي حين كان يقول البعض بعدم جواز ذلك قياسًا على عدم جواز الطعن أمام محكمة التمييز في الأحكام الصادرة من المحكمة الجزئية وفق أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، ولم يكن لأصحاب هذا الرأي سند سوى القياس واستجلاب نصوص قانون المرافعات المدنية والتجارية لتطبيقها على أعمال محكمة الاستثمار والتجارة.

وعلى الجانب الآخر كنا نرى مع آخرين بجواز ذلك الطعن على أساس أن قانون محكمة الاستثمار والتجارة لم يُفرِق بين أحكام القاضي الفرد أو الهيئة، من حيث الطعن عليها، واعتبر كل منهما دوائر ابتدائية يتم الطعن عليها أمام الدوائر الاستئنافية بمحكمة الاستثمار والتجارة وهو ما يعني جواز الطعن في الأحكام الصادرة من هذه الدوائر الأخيرة أمام محكمة التمييز أو على نحو أدَق دائرة المنازعات الاستثمارية والتجارية بمحكمة التمييز وسواء كانت الأحكام الابتدائية صادرة من قاض فرد أو من هيئة فكلاهما يعتبر دائرة ابتدائية. حيث تنص المادة (12) من قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة رقم (21) لسنة 2021 على أن:


"تُنشأ بمحكمة التمييز دائرة أو أكثر تسمى "دائرة المنازعات الاستشمارية والتجارية"، تختص بالفصل في الطعون في الأحكام الصادرة عن الدوائر الاستئنافية بالمحكمة، ويكون ميعاد الطعن بالتمييز في هذه الأحكام ثلاثين يوما، وإذا قضت محكمة التمييز بتمييز الحكم المطعون فيه حكمت في الموضوع".

 

ولمَّا كان القانون رقم (21) لسنة 2021 بإنشاء محكمة الاستثمار والتجارة قانون خاص يقيد القانون العام فيما نظمَه على نحو مُغاير، وإذ نصت المادة (8) من قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة على جواز تولِّي دائرة ابتدائية أو أكثر مُشكَلة من قاض فرد في الدعاوى والمنازعات التي لا تزيد قيمتها على عشرة ملايين ريال والتي يُحددها مجلس القضاء، ونصت المادة (12) منه على أن "تنشأ بمحكمة التمييز دائرة أو أكثر تسمى "دائرة المنازعات الاستثمارية والتجارية" تختص بالفصل في الطعون في الأحكام الصادرة عن الدوائر الاستئنافية بالمحكمة، ويكون ميعاد الطعن بالتمييز ثلاثين يومًا. وإذا قضت محكمة التمييز بتمييز الحكم المطعون فيه قضت في الموضوع". وكان مفاد هذه النصوص مجتمعة أن المشرع قد اختص الدعاوى التي تختص بها تلك المحكمة والأحكام الصادرة فيها بنظام يُغاير قانون المرافعات وقانون إجراءات الطعن بالتمييز في غير المواد الجنائية، ومن ذلك، جواز الفصل من قاض فرد في الدعاوى الابتدائية التي لا تزيد قيمتها عن عشرة ملايين ريال، بينما اختص الدائرة الاستئنافية بالفصل في كافة ما يصدر من الدوائر الابتدائية بها على اختلافها، وجعل الطعن بالتمييز في تلك الأحكام الاستئنافية دون تمييز كذلك بينها، بغض النظر عن قيمتها وهو ما يُغاير حكم قانون المرافعات فيما تضمنته المادتان (22،24) منه باختصاص المحكمة الابتدائية بهيئة استئنافية بالفصل في الطعن بالاستئناف على الأحكام الصادرة من القاضي الفرد المسماة "دوائر جزئية". 

الأمر الذي يجعل الطعن بالتمييز جائزًا على كافة الأحكام الصادرة من الدوائر الاستئنافية التابعة لمحكمة الاستثمار والتجارة أيًا ما كانت قيمتها ولو قضى فيها قاض فرد، وهو ما أكده حكم محكمة التمييز في الطعن محل التعليق بقبول الطعن شكلًا حال كون الدعوى الابتدائية كانت منظورة أمام قاض فرد وليس هيئة ابتدائية من قضاة ثلاث.

 

المسألة الثانية: حسَم هذا الحكم محل التعليق مسألة هامة شغلت القانونين بشأن مدى التزام محكمة التمييز بالفصل في الموضوع عند القضاء بتمييز الحكم، وانتهى الحكم كما أسلفنا بأنه لا إلزام على محكمة التمييز بالفصل في الموضوع عند تمييز الحكم إذا لم يكن الموضوع صالحًا للفصل فيه ولها أن تُعيد القضية لمحكمة الموضوع لاستكمال الأبحاث الإضافية أو إجراء تحقيقات تكميلية. وهذا الذي انتهت إليه محكمة التمييز وإن كان يتعارض مع النص الصريح في الفقرة الأخيرة من المادة 12 من قانون 21 لسنة 2021 بإنشاء محكمة الاستثمار والتجارة إلا إنه عمليًا لا يمكن أن تتحول محكمة التمييز لمحكمة موضوع تندب خبيرًا أو تجري تحقيقًا موضوعيًا وهو أمر لا يتناسب مع كونها محكمة قانون في الأساس.

لكن هذا السبب العملي في الوقت نفسه لا يدعنا نسير كليًا مع تأييد الاتجاه الذي اتخذته المحكمة في حكمها من عدم إعمال لنص قانوني واضح حتى وإن أوجدت له المحكمة تخريجًا ما، رأته المحكمة مناسبًا، إلا أننا نظل أمام نص قانوني لم يتم إعماله، وفي الحقيقة هو نص يتعذر إعماله على إطلاقه.

لذلك، فنرى أن الحل لهذه المسألة في أمرين، أولهما هو اللجوء إلى إجراء تعديل على النص التشريعي الوارد بالفقرة الأخيرة من المادة 12 من القانون رقم 21 لسنة 2021 بإنشاء محكمة الاستثمار والتجارة والتي تنص على: "...وإذا قضت محكمة التمييز بتمييز الحكم المطعون فيه قضت في الموضوع".

 بأن يكون النص المقترح على غرار ما ورد بنفس الحالة في الفقرة الأخيرة من المادة 22 من القانون رقم 12 لسنة 2005 بشأن حالات وإجراءات الطعن بالتمييز في غير المواد الجنائية، أي بأن يكون النص بعد تعديل كالتالي:

"إذا حكمت المحكمة بتمييز الحكم المطعون فيه، وكان الموضوع صالحًا للفصل فيه، أو كان الطعن للمرة الثانية، ورأت المحكمة تمييز الحكم المطعون فيه، وجب عليها أن تحكم في الموضوع.

والخيار الآخر، وقي حال بقاء النص دون تعديل، فيكون لا مجال سوى لأن تفصل دائرة المنازعات الاستثمارية والتجارية في الموضوع حال قضت بتمييز الحكم، ولكن حينها يحتاج الأمر لتفعيل نص الفقرة الأولى من المادة 12 من القانون رقم 21 لسنة 2021 سالفة الذكر وذلك بإنشاء أكثر من دائرة تمييز لنظر الطعون المقامة على أحكام محكمة الاستثمار والتجارة ليكون هناك مجالًا يمكن معه أن تفصل هذه الدوائر في الموضوع حال القضاء بتمييز الحكم في كل مرة وسواء كان الموضوع صالحًا للفصل فيه أو لم يكن كذلك، إذ يستوجب النص الحالي بالفقرة الأخيرة من المادة 12 سالف الذكر (حال الإبقاء عليه دون تعديل) أن تحكم محكمة التمييز في الموضوع طالما قضت بتمييز الحكم. لكن هذا الأمر فضلًا عن أنه يحتاج لعدد أكثر من دوائر التمييز المختصة بهذه الطعون وهو أمر أبدًا ليس باليسير، كذلك فإنه في الحقيقة يقلب الأمر رأسًا على عقب بأن تتحول محكمة التمييز إلى محكمة موضوع وحينها قد نجد أنفسنا أمام درجة ثالثة من درجات التقاضي وهو أمرُّ غير مسبوق.

لذلك، فتعديل النص وفق الحل الأول هو ما نراه مناسبًا، بحيث تحتفظ محكمة التمييز بدورها القانوني الرقابي، وتتدخل بالفصل في الموضوع متى كان صالحًا للفصل فيه أو كان الطعن للمرة الثانية على المسألة ذاتها التي كانت محلًا للتمييز بالمرة الأولى، وفقط، وهذا أدعى لإعمال النص التشريعي وكذلك لأداء محكمة التمييز لدورها الرقابي المنوط بها.