2023/11/12

قضايا التحكيم الدولي في الدول العربية 2019

شهد عام 2019 العديد من الأحداث في الدول العربية أثرت بشكل كبير على التحكيم الدولي وساهمت بشكل ما في إعادة توجيه دفة التحكيم في بعض الدول العربية, منها من أكد على ضرورة اللجوء إلى التحكيم الدولي لفض المنازعات, ومنها ما قد ينذر بتراجع التحكيم في بعض الدول العربية, إليكم تقرير عن اتجاهات التحكيم الدولي في الدول العربية, مع بيان لأكثر القطاعات التي شهدت قضايا تحكيم دولي .


التحكيم الدولي في البحرين

إن التفضيل الثقافي لحل المنازعات "وراء الابواب المغلقة " يعني أن أطراف العقود الدولية او المنازعات القائمة في البحرين أو المتعلقة بشأنها (بالإتفاق مع تلك الأطراف الموجودة في دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط) لا يزالون يفضلون التحكيم على أشكال فض المنازعات الأخرى. غير أن تكاليف التحكيم هي المسألة التي يعتبرها الأطراف عامل مؤثر في اتخاذهم القرار للجوء للتحكيم في البحرين. فعلى الرغم من اعتبار التحكيم دولياً منذ فترة طويلة بديل فعال للتقاضي من حيث التكلفة, إلا أن الفرق في التكلفة بين التحكيم الدولي والتقاضي لم يعد كبير بشكل خاص. في ضوء ذلك, ينبغي الإشارة إلى أن الإجراءات المرنة في التحكيم الدولي تعني أنه بإمكان هيئة التحكيم إتخاذ قرار أسرع بكثير من المحاكم المحلية, في ظل نطاق محدود للإستئناف وتيسير لعملية التنفيذ الدولية. لذلك, نظرياً على الأقل, يتعين أن يكون سير عملية التحكيم فعال من حيث التكلفة أكثر من الدعاوى القضائية المحلية.


أكثر القطاعات لجوءً إلى التحكيم الدولي

 شهدت البحرين في عامي 2018/2019 نشاط ملحوظ في التحكيم الدولي في عدد من الصناعات من ناحيتي الاهتمام به والحرص على إدراج بنود التحكيم في العقود, و إصدار إجراءات التحكيم.

قطاع البناء على وجه الخصوص, شهد نشاطاً ملحوظاً من ناحية التحكيم الدولي. فغالباً ما تكون النزاعات المتعلقة بقطاع البناء تقنية للغاية, وبإمكان الأطراف الذين يقومون بإدراج بنود تحكيم في اتفاقيات التشييد الخاصة بهم إختيار أعضاء هيئة التحكيم بناء على طبيعة النزاعات وتخصصات الأفراد.

السبب الآخر وراء الإنتشار المتزايد للتحكيم الدولي في قطاع البناء هو إحتمالية وجود المشاركون في مشروعات الهندسة والبناء في عديد من الولايات القضائية المختلفة, كما أنه غالباً ما تكون إجراءات تنفيذ قرارات التحكيم دولياً أسهل بكثير من تنفيذ الأحكام الاجنبية, ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى انتشار اعتماد اتفاقية نيويورك بشأن الإعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها عام 1958 (إتفاقية نيويورك).

التحكيم الدولي في مصر

 منذ عام 2013, تم إجراء تعديلات على العديد من القوانين أو الإستعاضة عنها بقوانين مختلفة كلياً في سبيل تشجيع الإستثمار الأجنبي مثل قانون الإستثمار وقانون الشركات العامة وقانون سوق رأس المال وقانون الإفلاس, إلا أن تشريعات التحكيم لم تتأثر لذلك؛ إذ أنها معترف بها عادة بإعتبارها تشريعات تقدمية.

كما أنه تم مؤخراً تخصيص غرف متخصصة في محكمتي النقض والإستئناف للتعامل مع الطعن المتعلق بالتحكيم. علاوة على ذلك, شهدت المحاكم تنظيم منهجي بأن أصبحت أكثر ميلاً لتاييد قرارات التحكيم بدلاً من إلغائها. و تُظهِر القرارات الصادرة عن المحاكم قدراً أكبر من التحفظ في تطبيق أسباب إلغاء قرارات التحكيم.


أكثر القطاعات لجوءً إلى التحكيم الدولي

كان مجال التشييد والبناء, ولا يزال, هو المصدر الأساسي لقضايا التحكيم التجاري في مصر حسب ما أكدته إحصاءات "مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي" لعام 2017. مما يعكس ببساطة حقيقة أنه كان القطاع الإقتصادي الأكثر نشاطاً في مصر خلال العقد الماضي فضلاً عن معاملاته التي تتسم بطابع متضارب. كما إحتلت عقود التأجير المركز الثاني في قائمة إحصاءات "مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي" لعام 2017 (تقتصر الإحصاءات على قضايا التحكيم التي وردت لمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي). صناعة الإعلام أيضاً بما تضم من ممثلين مشاهير شهدت تشاطاً خلال الخمس سنوات الماضية بشكل خاص. من ناحية أخرى, بدأت القطاعات العادية مثل التوزيع والخدمات البترولية واتفاقيات البيع والشراء بالتواجد في ساحة التحكيم التجاري.


التحكيم الدولي في لبنان

 أثبتت عدد من التطورات النهج الليبرالي الذي اعتمدته المحاكم اللبنانية في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بالتحكيم.

  • القضية الأولى التي حظيت بقدر من الإهتمام تتعلق بالتحكيم في النزاعات الناشئة عن اتفاقيات التمثيل التجاري. وكخلفية للموضوع, فإن مرسوم القانون 34/67 (م ق 34/67) المؤرخ 5 أغسطس 1967 ينظم التمثيل التجاري في لبنان, مع المادة (5) التي تمنح الإختصاص للمحاكم اللبنانية لتسوية النزاعات الناشئة عن اتفاقيات التمثيل التجاري. ونظراً لأن مرسوم القانون 34/67 صدر في الأصل لحماية مصالح العملاء / الممثلين التجاريين اللبنانيين من مصالح رؤسائهم الأجانب, فإن إختصاص المحاكم اللبنانية للنظر في النزاعات الناشئة عن اتفاقيات التمثيل التجاري كانت تُعتبر حصرية. وبناء عليه, فإن تلك النزاعات كانت تعتبر تاريخيًا نزاعات غير قابلة للتحكيم.

في قرار صدر مؤخراً عن المحكمة الإبتدائية ببيروت, إنتهت المحكمة إلى أن المادة (5) من مرسوم القانون 34/67 منحت الإختصاص الحصري للمحاكم اللبنانية على حساب هيئات قضائية حكومية أخرى مقابل هيئات غير حكومية مثل محاكم التحكيم (المحكمة الإبتدائية ببيروت, بتاريخ 14 يوليو 2015, قرار رقم 376/74/2013). ووفقاً للمحكمة الإبتدائية ببيروت فإن أحكام المادة (5) لمرسوم القانون 34/67 تهدف إلى منع الأطراف من تسوية النزاعات الناشئة عن اتفاقيات التمثيل التجاري أمام محاكم الدولة الأجنبية فقط ولكن ليس أمام محاكم التحكيم. ويكتسب هذا الإستبعاد معنى حقيقياً في سياق الأوامر الزاجرة عن رفع الدعاوى. بالتالي فإن الإختصاص الممنوح للمحاكم اللبنانية بموجب المادة (5) لمرسوم القانون 34/67 لن يكون له تأثير في جعل النزاعات الناشئة عن اتفاقيات التمثيل التجاري غير قابلة للتحكيم.

ومع ذلك, في قرار آخر صدر مؤخراً, رأت المحكمة الإبتدائية ببيروت أنه من أجل أن تكون القرارات قابلة للتنفيذ فإن قرارات التحكيم الصادرة فيما يتعلق بالنزاعات الناشئة عن اتفاقات التمثيل التجاري يجب أن تطبق الأحكام الموضوعية لمرسوم القانون 34/67 (المحكمة الإبتدائية ببيروت, بتاريخ 2 نوفمبر 2016, قرار 48/93), ورغم أن هذا القرار يثبت طبيعة السياسة العامة للأحكام الموضوعية لمرسوم القانون 34/67 إلا أنه لا يبدو أنه يطعن في إمكانية التحكيم في النزاعات الناشئة عن اتفاقات التمثيل التجاري.

  • التطور الآخر المثير للإهتمام على صعيد قانون التحكيم اللبناني هو التفسيرالليبرالي المتزايد لإتفاقات التحكيم وصلاحيتها.

ومثال قوي واحد على هذا هو القرار الذي أصدرته المحكمة الإبتدائية ببيروت الذي يعتبر أن المصطلح الغير صالح الوارد في اتفاق التحكيم لا يؤدي لإبطال الاتفاق برمته (المحكمة الإبتدائية ببيروت, بتاريخ 5 يونيو 2013, قرار رقم 24/63).

كذلك, قضت المحكمة الإبتدائية ببيروت بأن إجراءات الإفلاس لا تؤدي إلى إبطال اتفاقات التحكيم التي أبرمها المدين المعسر, وأن المُصفّي مُلزَم بتنفيذ اتفاقات التحكيم وبنفس الطريقة التي كانت ستنفذ بها أي أعمال أخرى متعلقة بالتصرف أو اتفاقات أبرمها المدين قبل إعلان إفلاسه (المحكمة الإبتدائية ببيروت, بتاريخ 13 فبراير 2013, قرار رقم 9/51).

وفي القرار ذاته, صرحت المحكمة الإبتدائية ببيروت بأن عدم وجود إشارة صحيحة إلى عدد المحكمين لا يؤدي إلى إبطال إتفاق التحكيم.

  • علاوة على ذلك, على عكس عدد من الإختصاصات القضائية الأخرى في الشرق الأوسط, فإن السوابق القضائية اللبنانية تؤهل الإتفاق للتحكيم كعمل إداري يقع ضمن نطاق الإدارة اليومية للشركة, وبالتالي, فإنه لا يتطلب إذن خاص مسبق من مجلس إدارة الشركة. هذا الإتجاه الفقهي الراسخ في لبنان تم تأكيده مؤخراً من قبل محكمة بيروت للإستئناف (محكمة الإستئناف ببيروت, بتاريخ 28 اكتوبر 2009).
  • أخيراً, فيما يتعلق بتمديد اتفاقات التحكيم لتشمل الأطراف غير الموقعة عليها, أكدت المحكمة الإبتدائية ببيروت مؤخراً على أنه يكون الطرف غير الموقع مُلزَم بإتفاق التحكيم إذا شارك في المفاوضات و/أو تنفيذ الإتفاق الأساسي, لكي يثبت نيته على الإلتزام بنفس الشئ (المحكمة الإبتدائية ببيروت, بتاريخ 14 يناير 2013, قرار رقم 2/44).

أكثر القطاعات لجوءً إلى التحكيم الدولي

القطاعات الصناعية التي يكون فيها التحكيم هو طريقة فض النزاع السائدة بشكل أساسي هي : قطاع البناء, القطاع المصرفي والمالي, قطاع العقارات, قطاع الإتصالات السلكية واللاسلكية والإمتيازات, رغم أن التحكيم يستخدم لحل النزاعات في العديد من القطاعات والصناعات المختلفة.

من ناحية أخرى, بعد توقيع لبنان على إتفاقية التنقيب عن النفط والغاز في البحر وإنتاجهما خلال عام 2018, وبما أن تلك الإتفاقيات تتضمن بند تحكيم غرفة التجارة الدولية, فإنه من المتوقع إلى حد معقول أن يتم اللجوء للتحكيم بإعتباره الطريقة السائدة لحل النزاع في صناعة النفط والغاز حديثة التكوين.


التحكيم الدولي في قطر

قانون التحكيم القطري الجديد (قانون رقم 2 لعام 2017) يُتيح مزيد من الضمانات فيما يتعلق بتنفيذ وتقييد تدخل المحكمة في إجراءات التحكيم. يسمح القانون أيضاً بإمداد المحكمة المختصة بالأدلة المتعلقة بموضوع النزاع , بما في ذلك خدمات الخبرة الفنية وفحص الأدلة.

غير أن تكاليف التحكيم لا تزال المسألة الأساسية التي تؤثر في القرار المتخذ من قبل الأطراف في المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم. يرى المقاولون في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم (الشركات المحلية بشكل أساسي) أن المقاضاة هي طريقة فعالة من حيث التكلفة لحل النزاعات على الرغم من مخاوفهم التي تتعلق بـ 1) الوقت اللازم للمحاكم للوصول إلى الحكم النهائي و2) كفاءة وقدرة الخبير المُعيّن من قِبَل المحكمة. من جهة أخرى, تجدر الإشارة إلى أن التكاليف المعقولة لإجراءات التحكيم بمركز قطر الدولي للتوفيق والتحكيم تميل إلى تشجيع المقاولين في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم للموافقة على التحكيم وفقاً لقوانين مركز قطر الدولي للتوفيق والتحكيم في الوقت الحاضر.

أثرت بعض المسائل الثانوية الأخرى على إجراءات التحكيم في عامي 2018 و 2019 وذلك بعد الأزمة الدبلوماسية بين قطر من جهة والمملكة العربية السعودية, الإمارات العربية المتحدة, البحرين ومصر من جهة أخرى. خاصةً عندما شارك محكمون من تلك البلدان, تعين تغيير مكان التحكيم إلى موقع مقبول للطرفين كالكويت أو عمان. ولم يؤثر ذلك على سير إجراءات التحكيم ولكن أدى إلى تكاليف إضافية غير متوقعة عندما تم الإتفاق على أن تكون الدوحة المقر في اتفاقية التحكيم.

أكثر القطاعات لجوءً إلى التحكيم الدولي

 معظم المشاريع الموقعة بين المقاولين الدوليين و كيانات حكومية/شبه حكومية لأعمال البنية التحتية مثل السكك الحديدية القطرية, المطار, الميناء الوطني, متحف قطر الوطني, أهم التطورات في (على سبيل المثال: مشيرب, لوسيل, إلخ), قطر للبترول, هيئة الأشغال العامة هي مشاريع خاضعة للتحكيم الدولي.

بعض المشروعات المذكورة أعلاه تشهد أنشطة تحكيم دولية هامة إما بسبب إنهاء العقود من قبل المالكين – لعدم التنفيذ على سبيل المثال- أو بسبب عدم الإتفاق بين الأطراف على طلبات التغيير (ويرجع ذلك إلى أسباب مختلفة مثل التغيير في التصميم أو المواصفات) مما يؤدي إلى تأخير إنجاز المشاريع مع تكاليف/مطالبات متزايدة.

التحكيم الدولي في الإمارات

 بالنظر إلى طبيعة إقتصاد الإمارات العربية المتحدة, إمارة دبي على وجه الخصوص, لا تزال معظم حالات التحكيم في الإختصاص القضائي تتعلق بنزاعات قطاعي البناء والعقارات.

رغم أن حالات التحكيم في البناء والعقارات لها حصة الأسد من القضايا من حيث الحجم, إلا أن هنالك رغبة متزايدة من قبل الأطراف للتحكيم في المسائل ذات الطابع التجاري العام, مع تزايد ملحوظ بشكل خاص في نزاعات المشاريع التجارية المشتركة.


أكثر القطاعات لجوءً إلى التحكيم الدولي

لا تزال حالات تحكيم البناء والعقارات في الواجهة. إن طبيعة نزاعات البناء تميل إلى أن تكون تقنية ومعقدة وتحتاج بشكل عام إلى خبير لتحديد المسائل المعنية والخبراء المحليين الذين تعينهم المحكمة بشكل عام لا يعتبرلديهم الخبرة المطلوبة والقدرة الفنية للتعامل مع ذلك النوع من النزاعات. بالإضافة إلى أن أهم أعمال البناء في الإمارات العربية المتحدة تشتريها الحكومة في الغالب, والتي بدورها توظف المقاولين الدوليين وشركات الهندسة, وكثيراً ما يفضل هؤلاء المقاولون الدوليون استخدام التحكيم في عقودهم للسماح لمحاكم التحكيم التي هم على دراية أفضل بها بالنظر في المنازعات.