2022/08/27

إستقالة المحكم وعرقلة سير إجراءات التحكيم

استقالة المحكم خلال سير اجراءات المحاكمة التحكيمية أو إمتناعه عن المشاركة في سيرها، امران كانا استثنائيين واذا حصلا فيعالجا باستبدال المحكم!

الى ذلك ذهبت اكثر القوانين التحكيميـة ولاسيمـا تلـك المستمـدة مـن قانـون اليونسترال النموذجي UNCITRAL بينما ذهبت القوانين ذات الاتجـاه الفرنسـي الـى انهاء الدعوى التحكيمية، فتعود المحاكمة الى اولها وتؤلف المحكمة من جديد. هذا اذا طرأ مثل هذا الطارئ. الى ان بدأت استقالة المحكـم او امتناعـه يتحـولان الى وسيلـة للمماطلة والتسويف في التحكيم.

ولكن الطرف الذي يريد تعطيل التحكيم توصل الى فكرة جديدة وهي الطعن في الشرط التحكيمي ذاته، كالإدلاء بعيوب الرضى مثلاً التي يزعم انها تعيب الشرط التحكيمي كالغش والخداع والغلط والإكراه الخ... وكان الهدف من ذلك هو تعطيل سير التحكيم لأن المحكمين يستمدون سلطتهم من الشرط التحكيمي. وأقفل الفقه والاجتهاد الباب بنظرية اختصاص الاختصاص Compétence compétence بحيث يبقى للمحكمين سلطة النظر في اختصاصهم في ما يخص عيوب الشرط التحكيمي المزعومة وهكذا أقفل باب ثانٍ امام تعطيل التحكيم.

اليوم اخذ يتكاثر استعمال وسيلة جديدة للمماطلة والتسويف ولتعطيل سير التحكيم عن طريق امتناع المحكم اي مقاطعته سير الاجراءات، او استقالته من المحكمة التحكيمية، وأجمع الفقه والاجتهاد، على مساواة المحكم الممتنع الذي يقاطع التحكيم بالمحكم الذي لا يوقّع الحكم التحكيمي بشرط ان تتوافر له كل الفرص والظروف للمشاركة في اجراءات المحاكمة التحكيمية فإذا امتنع رغم ذلك بدون سبب مشروع فإن امتناعه لا يؤثر على سير التحكيم ويعتبر امتناعه عن المشاركة مثل امتناعه عن توقيع الحكم التحكيمي اي بدون اثر قانوني.

الاّ ان استقالة المحكم أمر آخر.

فالإستقالة تعني ان المحكمة التحكيمية اصبحت غير مكتملة، والأمر يطرح قاعدتي الوجاهية والمساواة بين طرفي النزاع، ويطرح تشكيل المحكمة التحكيمية ومطابقتها للشرط التحكيمي، ومن هو الذي يقرر ما اذا كانت الاستقالة مشروعة ام غير مشروعة مبررة ام ليس لها اي مبرر؟

المحكمان؟ القضاء؟ ام مركز التحكيم اذا كان التحكيم مؤسساتياً؟ واذا كان تحكيم حالات خاصة فمن يعيّن المحكم الثالث في هذا النظام؟ هل المرجع هو السلطة القضائية ام انه الطرف الذي سبق ان سمى المحكم المستقيل؟

يجب تحديد المرجع الذي يقرر ما اذا كانت الاستقالة مبررة ام لا! ثم يجب تحديد ما اذا كان المحكم المستقيل يجب ان يستبدل ام ان المحكمة التحكيمية ستسير بمحكمين! وهل يكون الحكم التحكيمي صحيحاً اذا صدر عن محكمين؟ وفي اي مرحلة قدّم المحكم استقالته، ما الذي يحصل عندما تكون الاستقالة تعسفية للمماطلة والتسويف، الذي يحصل ان يقدم المحكم استقالته في المراحل الأخيرة للتحكيم، عند المذاكرة مثلاً حين يتم الحسم ويتقرر من هو الذي ربح ومن هو الذي خسر الدعوى التحكيمية ولكن عند المذاكرة او بعدها! لا يبقى وقت للإستبدال اذا اعتمدت صيغة استبدال المحكم.

طبعاً المحكم المستقيل المتعسف الذي يهدف باستقالته الى المماطلة والتسويف تبقى مسؤوليته القانونية قائمة، ويمكن ملاحقته بالمسؤولية المهنية، ويبقى الأمر أمر ملاءته، ولكن التحكيم في هذه الحالة سينتهي بدون حكم تحكيمي، الاّ اذا اعتمدت صيغة المحكمة المبتورة من محكمين اثنين.