قضت محكمة استئناف باريس في حكمين حديثين صدر أحدهما في 9 سبتمبر والثاني في 3 أكتوبر 2023 بأن وجود علاقة غير معلنة بين أحد المحكمين وأحد الخصوم في التحكيم أو مجرد توقع تحيز هيئة التحكيم أو أحد أعضائها لأحد الخصوم لا يكفي للحكم ببطلان حكم التحكيم، مالم يثبت الطاعن أن تحيز المحكم أو علاقته مع أحد الخصوم قد أثرت بالفعل على نتيجة التحكيم.
وقد رفضت المحكمة في حكمها الأول إلغاء الحكم التحكيمي الصادر من غرفة التجارة الدولية (ICC) في النزاع بين شركة إنتاج الصلب اليونانية هاليفورجيكي (Halyvourgiki) ومؤسسة الطاقة اليونانية العامة (PPC).
ويتمحور طعن شركة هاليفورجيكي (Halyvourgiki) حول اكتشافها بعد غلق الإجراءات وجود علاقة سابقة بين أحد المحكمين ومؤسسة الطاقة اليونانية العامة (PPC)، وتمثلت تلك العلاقة في أنه قد سبق تعيينه كمحكم من قبل المؤسسة عدة مرات (11 مرة)، كما قام بتقديم عدة استشارات قانونية لها، وسبق أن كان عضواً في اللجنة القانونية فيها، كما عملت زوجته فيها لمدة 20 عاماً. وبناءً عليه عندما قررت هيئة التحكيم رفض كل المطالبات التي قدمتها شركة هاليفورجيكي (Halyvourgiki) والحكم لصالح مؤسسة الطاقة اليونانية العامة (PPC)، قررت الشركة الطعن في حكم التحكيم أمام محكمة استئناف باريس.
وأشارت المحكمة إلى المادة 1456 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي (CPC) والمادة 11 من قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية (ICC)، والتي تنص كلتاهما على أن عدم كشف المحكم عن بعض المعلومات "لا يكفي لإلغاء حكم التحكيم" ما لم تكن تلك المعلومات "قد أثارت شكاً معقولاً في أذهان الأطراف حول حياد المحكم أو استقلاليته".
كما استشهدت المحكمة بالمبادئ التوجيهية لنقابة المحامين الدولية (IBA) بشأن تعارض المصالح في التحكيم الدولي، والتي تنص على أنه ينبغي للمحكم أن يكشف عن أي علاقة مع أحد الأطراف في التحكيم يمكن أن يُنظر إليها على أنها تخلق تعارضاً في المصالح.
وبرجوع المحكمة إلى العلاقات السابقة المزعومة بين المحكم والشركة اليونانية العامة للطاقة (CPC)، توصلت المحكمة إلى أن تلك العلاقات "بالنظر إليها بشكل جماعي أو منفصل" كانت إما علاقات قديمة جداً أو أنها "ليست بالحجم والقوة" التي يُتوقع معهما تحقق قدر كبير من المصالح والأعمال يقع بمناسبته شكاً معقولاً حول حياده أو استقلاله.
أما بالنسبة للحكم الثاني فيتعلق بحكم تحكيمي صادر عن غرفة التجارة الدولية (ICC) لصالح شركة (Garoubé) البلجيكية ضد دولة الكاميرون بشأن إنهاء عقد استغلال المناطق المحمية للحياة البرية والزراعة.
وقد سعت الكاميرون إلى إلغاء الحكم، بحجة تحيز رئيس هيئة التحكيم ضد الكاميرون، حيث رفض الإفصاح عن جميع تعييناته السابقة في عمليات التحكيم التي جرت بين الدولة والقطاع الخاص، كما ادعت أيضاً أنه أظهر "عداءً" ضد الكاميرون خلال الإجراءات.
وقد قضت المحكمة بعدم قبول الطلب الأول، وسببت ذلك بفشل الكاميرون في إثارة هذه المخالفة أمام هيئة التحكيم نفسها ( وفقاً لنص المادة 1466 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي (CPC))، كما أشارت إلى أن عدم الإفصاح المزعوم لا يتعلق بالتعيينات السابقة لرئيس هيئة التحكيم، بل بالأحرى بظروف تعيينه. أما فيما يتعلق بسلوك رئيس هيئة التحكيم، فقد لاحظت المحكمة أن الحالات التي استشهدت بها الكاميرون ببساطة لا تُظهر شكًا معقولاً بشأن افتقاره إلى الاستقلالية والحياد، وبالتالي رفضت طلب الكاميرون.
وتُظهر هذه الأحكام المعايير الصارمة والمشددة التي تطبقها المحاكم الفرنسية عند تقييم استقلال وحياد المحكمين. إذ لا تؤدي جميع العلاقات غير المعلنة للمحكمين أو التحيز المتوقع بالضرورة إلى إلغاء الحكم، بل فقط تلك التي تكون جوهرية بما يكفي لخلق شك معقول في أذهان أطراف التحكيم حول حياد أو استقلال المحكمين.
للإطلاع على الحكم
شهادة المحكم المحترف
إنضم إلينا في شهادة إعداد وتأهيل المحكم المحترف 80 ساعة ⏰، واكتسب المهارات التالية:
- مهارات صياغة اتفاق التحكيم.
- مهارات إدارة جلسات التحكيم.
- مهارات صياغة حكم التحكيم.
- الإدارة الفاعلة للدفاع لقضايا التحكيم.