إن التحكيم الدولي هو أحد أهم وسائل فض المنازعات بعيدًا عن ساحات القضاء، فلم يعد حسم النزاع حكرًا على قضاء الدولة. ذلك أن للأفراد من قديم الزمان أن يتفقوا على طرح مشاكلهم أو منازعتهم على أشخاص عاديين ليفصلوا فيها، يسمون "مُحكمين"، وما يراه هؤلاء المحكمون من حل للنزاع إنما يلتزم المتنازعون باحترامه.
تعريف التحكيم الدولي
إن التحكيم بصورة عامة هو اتفاق الأطراف على عدم طرح نزاعهم على المحكمة المختصة بالنظر فيه، وإنما طرحه على محكمين للفصل فيه.
والجدير بالذكر أن هذا الاتفاق قد ينشأ لاحقًا لنشأة النزاع وهو ما يُسمى بمشارطة التحكيم، أما إذا نشأ هذا الاتفاق قبل أن يتم مسبقًا أي عند التعاقد قبل نشأة النزاع فيُسمى في هذه الحالة بـ"شرط التحكيم"
أما التحكيم الدولي فهو لا يختلف عن التحكيم بصفة عامة إلا في وجود العنصر الأجنبي، قد يكون هذا العنصر هو أحد أطراف العلاقة، وقد يكون محل النزاع ذاته كأن يكون النزاع بين أطراف من نفس الجنسية على عقار واقع في دولة أخرى، وأيضَا يكون التحكيم دولي عندما يتعلق بالتجارة الدولية، والجدير بالذكر أن تحديد كون التحكيم دوليًا أو أجنبيًا يتحدد وفقًا لتشريع كل دولة.
ومن الأهمية بمكان التفرقة بين التحكيم الدولي والتحكيم فقًا للقانون الدولي العام، فالأول يكون المُحكمين أشخاص عاديين وعادة ما يكونون متخصصين في موضوع النزاع وأطراف النزاع يكونون أشخاص عاديين وتسوية النزاع تكون وفقًا للعدالة، أما الثاني فالمحكمون لابد أن يتم اختيارهم من بين القضاة ويتم حسم النزاع فقًا لأحكام القانون الدولي العام المعاصر ويكون أطراف النزاع من أشخاص القانون الدولي العام، أي أن التحكيم في إطار القانون الدولي العام ما هو إلا ضرب من ضروب القضاء وهو ما ذهب إليه العديد من الفقهاء.
مميزات التحكيم الدولي
لقد تزايدت أهمية التحكيم الدولي باعتباره بديلًا للمحاكم، وذلك لما يتمتع به هذا النظام من مزايا تجعله محط أنظار أشخاص العلاقات الدولية، حيث يتميز التحكيم بـ:
- السرعة: فالتحكيم يوفر الكثير من الوقت لأطراف النزاع، فبعض قضايا التحكيم يتم البت فيها في خلال بضعة أسابيع، وذلك طبعًا على عكس النظام التقاضي حيث يمكن أن يستمر النزاع مطروح لسنوات طوال.
- يعد التحكيم أداة سلمية لا تقوم على حل للنزاع يُفرض من أعلى وإنما على امتثال الأشخاص لرأي مُحكمهم الذي يحوز ثقتهم، حيث يحيط الأفراد التحكيم بالودية بينهما تحكمهم الندية عندما يلجؤون للقضاء، لأن المحكم يرى العدالة بينما لا يعتد القاصي إلا بالتشريع.
- يتميز التحكيم بالسرية والتخصص الفني اللذين يتفقان وحاجة المعاملات التجارية، فأهم ما يميز التحكيم هو اختيار الأطراف لقاضيهم الذي يجدوا فيه من الخبرة والتخصص والكفاءة ما يجعله قادرًا على حسم النزاع بصورة مُرضية لهم.
القوة التنفيذية لحكم التحكيم الدولي
من أكثر الأمور تعقيدًا فيما يخص التحكيم الدولي هو كيفية تنفيذ حكمه، حيث أن الأمر لا يتعلق بحكم صادر عن غير قضاء الدولة فحسب بل إنه فضلًا عن ذلك حكم أجنبي، لذلك لم تُترك مسألة مدى الاعتراف بحجية هذه الأحكام وتنفيذها إلى تشريع كل دولة، فقد نظمت اتفاقية نيويورك لسنة 1958 هذه المسألة.
فقد جاء في أحكام هذه الاتفاقية التي انضمت إليها أغلب الدول العربية أن الدول المُنضمة إليها يجب أن تعترف بحجية أحكام التحكيم الأجنبية، كما يجب عليها أن تنظم مسألة تنفيذه وفقًا للقواعد الداخلية المُتبعة في الدولة المطلوب تنفيذ الحكم على إقليمها، وأن لا تشترط للاعتراف أو تنفيذ هذه الأحكام شروطًا أكثر ولا رسومًا قضائية أعلى بصورة ملحوظة من الرسوم المفروضة للاعتراف بأحكام التحكيم الوطنية وتنفيذها.
ويتضح من خلال ما سبق ذكره أنه يجب الرجوع إلى قانون المرافعات لكل دولة من الدول المنضمة للاتفاقية سالفة الذكر لمعرفة كيف يتم تنفيذ حكم التحكيم الدولي أو الأجنبي.
ماهو التحكيم التجاري الدولي
يُعد التحكيم التجاري الدولي أحد أهم النتائج الناجمة عن الثورة التجارية الهائلة التي غزت العالم بأثره إثر التقدم التكنولوجي الهائل الذي جعل العالم بمثابة قرية صغيرة، وجعل تدفق السلع والخدمات من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب من أسهل ما يكون، بل أصبحت أهم العقود التجارية الدولية مثل عقود التكنولوجيا وعقود التصنيع تُعقد عن بعد دون حاجة إلى اجتماع أطرافها في مكان واحد، لذلك كان لابد من وسيلة سلمية لتسوية النزاعات الناشئة عن هذه التجارة، وكانت تلك الوسيلة هي التحكيم وذلك لما يتمتع به من سرعة وتخصص فني وسرية تتفق وحاجات المعاملات التجارية الدولية.
ما بين التحكيم والتحكيم التجاري الدولي
إن التحكيم بصفة عامة هو وسيلة من الوسائل السلمية لتسوية المنازعات بين أطرافها بعيدًا عن ساحات التقاضي واجراءاته، ولكن متى يكون التحكيم تجاريًا دوليًا:
يكون التحكيم تجاريًا إذا كان موضوعه تجاريًا، ويكون موضوع التحكيم تجاريًا إذا نشأ من أجل فصل نزاع بين أطراف بخصوص علاقة اقتصادية، هؤلاء الأطراف قد يكونون دولًا أو قد يكونون أفراد وطنيين أو أجانب، وهذه العلاقة الاقتصادية قد تنشأ بناء على علاقة عقدية_ وهو الغالب_ مثل عقود توريد السلع والخدمات أو عقود توريد التكنولوجيا، كما قد تنشأ بناءً على علاقة غير عقدية.
متى يكون التحكيم التجاري دوليًا
يكون التحكيم تجاريًا دوليًا إذا كان موضوعه الفصل في نزاع متعلقًا بالتجارة الدولية، ولكن متى يكون موضوع النزاع هو التجارة الدولية، يمكن أن نحدد ما إذا كان موضوع النزاع هو التجارة الدولية أم لا بناءً على المعايير الآتية التي تناولتها المادة الثالثة من قانون التحكيم المصري وبما لا يخالف الاتفاقيات الدولية التي تم التصديق عليها:
معيار مركز الأعمال الرئيسي: يكون موضوع النزاع هو التجارة الدولية إذا وقع المركز الرئيسي الخاص بأعمال كلٍ من طرفين في دولتين مختلفين، والعبرة في لوقت الذي تم فيه الاتفاق.
ولكن ماذا إذا كان لأحد الأطراف أكثر من مركز في آنً واحد أو لم يكن لديه مركز أعمال من الأساس؟
في الحالة الأولى تكون العبرة بالمركز الأكثر اتصالاً وارتباطاً بموضوع التعاقد أو الاتفاق، أما في الحالة الثانية فتكون العبرة بمحل إقامة الشخص المعتاد.
معيار منظمة أو مركز التحكيم: في هذه الحالة يكون موضوع النزاع هو التجارة الدولية إذا اتفق أطرافه على اللجوء إلى أحد مراكز التحكيم أو إحدى منظمات التحكيم الدائمة.
معيار تعدد دول النزاع: حيث يكون النزاع تجاريًا دوليًا إذا اتصل بأكثر من دولة.
معيار اختلاف مكان الاجراءات: في هذه الحالة يكون مقر الأعمال الرئيسي لكلٍ من الطرفين يقع في دولة واحدة ولكن المكان التي يتم فيها اتخاذ اجراءات التحكيم واقعًا خارج هذه الدولة.
معيار مكان التنفيذ: وهذه الحالة كسابقتها، حيث يكون مقر الأعمال الرئيسي لأطراف النزاع يقع في دولة واحدة ولكن مكان تنفيذ بعض الالتزامات الرئيسة المتفق عليها يقع خارج الدولة.
معيار المكان الأكثر ارتباطًا: وفي هذه الحالة أيضًا يكون مقر الأعمال الرئيسي للأطراف واقعًا في نفس الدولة، ولكن المكان الذي يرتبط أكثر بموضوع النزاع يقع خارج الدولة، كما لو كان موضوع النزاع هو عقار واقع في الخارج.
أهمية التحكيم التجاري الدولي
هناك الكثير من العوامل التي ساعدت على جعل التحكيم التجاري الدولي هو الوسيلة الأولى لتسوية النزاعات التجارية الدولية، فهناك أهمية عملية وأهمية قانونية لهذا النوع من التحكيم:
الأهمية العملية: دعت حاجة التجارة إلى وجود وسيلة سلمية لحل النزاعات الناشئة عن العلاقات التجارية تتفق وحاجة المعاملات التجارية من حيث السرعة وبساطة الاجراءات وقلة التكاليف والتخصص الفني، ومان التحكيم التجاري الدولي هو الوسيلة المُثلي التي تتفق مع حاجة المعاملات التجارية.
الأهمية القانونية: فكما هو معروف أن التجارة الدولية غالبًا ما تكون بين أطراف لا يقطنون دولة واحدة أو لا يكون مقر أعمالهم الرئيسي في ذات الدولة أو غير ذلك وهو ما يجعل الأطراف جهلاء بالقوانين الوطنية لبعضهم، ومما تجدر الإشارة إليه أن صفة الدولية التي تتصف بها هذه التجارة التي تُمثل موضوع التحكيم يتولد عنها مشكلة تنازع القوانين والاختصاص بين الأقطار المتخلفة، لذلك كان التحكيم التجاري الدولي هو الحل لحسم كل هذه الأمور.
إنضم إلينا في شهادة إعداد وتأهيل المحكم المحترف 80 ساعة ⏰، واكتسب المهارات التالية:
- مهارات صياغة اتفاق التحكيم.
- مهارات إدارة جلسات التحكيم.
- مهارات صياغة حكم التحكيم.
- الإدارة الفاعلة للدفاع لقضايا التحكيم.