في ظل الثورة التقنية العالمية التي أحدثها الذكاء الاصطناعي، تزايدت الدعوات لسن تشريعات وطنية تتلاءم مع متطلبات الحوكمة الرشيدة لهذه التقنية المتقدمة. وقد برزت الحاجة إلى إطار قانوني شامل يوازن بين التطور التقني من جهة، وحماية الحقوق الأساسية والحريات العامة من جهة أخرى. وانطلاقًا من هذا المنطلق، تأتي هذه الدراسة، الصادرة عام 202٥ عن مركز الدراسات والبحوث القانونية السعودي، لتضع تصورًا تنظيميًا شاملًا للذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية، مستندةً إلى مقارنات دقيقة مع أبرز التجارب التشريعية الدولية، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
مضمون الدراسة
تهدف الدراسة إلى تقديم تصور تشريعي متكامل يسترشد بأفضل الممارسات الدولية، وذلك عبر ثلاثة محاور رئيسية:
1. تحليل المبادئ التوجيهية الدولية: تستعرض الدراسة توصية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بشأن الذكاء الاصطناعي، وتوصية اليونسكو حول أخلاقيات استخدامه. وتركز التوصيتان على مفاهيم مركزية مثل الشفافية، والسلامة، وحقوق الإنسان، والعدالة، والمساءلة، وتقديم سياسات داعمة للبحث والحوكمة الأخلاقية.
2. تقييم التجارب التشريعية الدولية:
- قوانين الاتحاد الأوروبي: تتناول الدراسة قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي (اللائحة رقم 1689/2024)، وتسلط الضوء على النهج القائم على تقييم المخاطر، والحوكمة، والمدونات الفنية والمواصفات.
- قوانين الولايات المتحدة: تتناول الدراسة أيضاً التشريعات الأمريكية المقترحة مثل (قانون المساءلة الخوارزمية 2023) و(قانون التأثير البيئي للذكاء الاصطناعي 2024)، ومبادرة البيت الأبيض لوثيقة حقوق الذكاء الاصطناعي.
3. الواقع التنظيمي في السعودية:
- تعرض الدراسة جهود المملكة الأخيرة في تنظيم البيانات والذكاء الاصطناعي، كإصدار سياسة وضوابط البيانات المفتوحة، ونظام حماية البيانات الشخصية، والاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي (2020).
- تؤكد أن هذه الجهود، رغم أهميتها، لا تزال تفتقر إلى إطار قانوني موحد وشامل خاص بالذكاء الاصطناعي، وهو ما تسعى الدراسة إلى اقتراحه.
التوصيات
وقد توصلت الدراسة إلى ست توصيات محورية، من أبرزها:
- ضرورة سن نظام خاص بتنظيم الذكاء الاصطناعي في المملكة، يكون محايدًا تقنيًا ويغطي مختلف القطاعات.
- تبني مبادئ حقوق الإنسان والشفافية والسلامة كموجهات أساسية.
- دعم البنية التحتية التشريعية من خلال التقييم الأخلاقي المستمر لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
- الاستفادة من مبادئ اليونسكو، خصوصًا في ما يتعلق بالصحة، والبيئة، والتعليم، والتفاعل الإنساني.
خاتمة
تشكل هذه الدراسة خارطة طريق قانونية متقدمة تفتح المجال أمام المملكة لتكون في طليعة الدول العربية والعالمية في تنظيم الذكاء الاصطناعي. فالمقاربة المقترحة لا تقتصر على المعايير التقنية، بل تنطلق من رؤية شاملة تعزز القيم الأخلاقية وتحمي الحقوق الأساسية. ومن ثم، فإن تبني تشريع وطني خاص بالذكاء الاصطناعي، سيكون خطوة استراتيجية تواكب طموحات رؤية المملكة 2030، وتكرس موقعها كمرجعية إقليمية في هذا المجال الحيوي.
لاكتساب مهارات إعداد التشريعات والأنظمة والسياسات العامة في عصر الذكاء الاصطناعي وفقاً لأحدث الممارسات الدولية، انضم إلينا بالمؤتمر العربي للإدارات القانونية