في ظل التحولات الرقمية والبيئية المتسارعة، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية، تجد الحكومات نفسها أمام ضرورة حتمية لتحديث أطرها التنظيمية. وفي هذا السياق، أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقريرها الرائد بعنوان (آفاق السياسات التنظيمية 2025(OECD Regulatory Policy Outlook 2025)، الذي يشكل مرجعًا أساسيًا في تحليل ومراجعة السياسات التنظيمية للدول الأعضاء.
يتناول التقرير بالتحليل الأدوات والآليات التنظيمية المعتمدة، ويقترح ممارسات قائمة على الأدلة لتعزيز جودة القواعد واللوائح، بما يخدم الأفراد، ويحافظ على البيئة، ويعزز مستقبلًا أكثر استدامة وابتكارًا.
أولًا: التنظيم من أجل الأفراد
يشدد التقرير على أن التنظيم الفعال يجب أن يُبنى (من أجل الأفراد ومعهم). فالمشاركة العامة في صنع السياسات التنظيمية ترفع من مستوى القبول المجتمعي، وتعزز الامتثال، وتزيد من الثقة في المؤسسات.
وقد أظهرت البيانات أن معظم الدول الأعضاء في المنظمة قد حسنت من آليات التشاور مع أصحاب المصلحة، لا سيما عبر المنصات الرقمية، وتوسيع فترات تقديم الآراء. إلا أن التقرير ينبه إلى أن ثلث الدول فقط تُعيد تغذية المشاركين بمعلومات حول كيفية استخدام مساهماتهم، مما يُضعف فاعلية هذه المشاركات على المدى البعيد.
ثانيًا: التنظيم من أجل التحول الأخضر
يتناول التقرير دور التنظيمات في دعم التحول الأخضر، مشيرًا إلى أن القواعد الحالية غالبًا ما تكون إما غير كافية أو معقدة، ما يعيق مشاريع التنمية المستدامة. ويوصي التقرير بـ:
- تبني تقييم بيئي شامل عند سن السياسات في مختلف القطاعات.
- تبسيط الإجراءات البيئية، لا سيما في مجالات الترخيص والتفتيش.
- تزويد الهيئات التنظيمية بصلاحيات واضحة لدعم أهداف الاستدامة.
ثالثًا: التنظيم من أجل المستقبل
يبرز التقرير التحديات التي تفرضها التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، والتي غالبًا ما تسبق الأطر القانونية والتنظيمية.
ويحث التقرير الحكومات على:
- تبني آليات استشرافية كالمسح الأفقي والرؤية المستقبلية.
- تعزيز المرونة المؤسسية وقدرة الجهات التنظيمية على التكيّف السريع.
- الاستثمار في الكفاءات البشرية لضمان رقابة فعالة على الابتكارات الجديدة.
رابعًا: التنظيم من أجل الفعالية
لا تكفي القواعد الجيدة نظريًا، بل يجب أن تُنفّذ بكفاءة على أرض الواقع. ويشير التقرير إلى الحاجة الملحة إلى:
- تحسين استخدام تحليل الأثر التنظيمي في مراحل ما قبل التشريع وبعده.
- تبني نهج الرقابة المبنية على المخاطر بدلًا من المعايير الثابتة.
- تطوير القدرات المؤسسية على مستوى التنفيذ والتنسيق بين الجهات.
خامسًا: توصيات ختامية
يدعو التقرير إلى إعادة تنشيط جهود الإصلاح التنظيمي، من خلال:
- تعزيز الحوكمة الرشيقة. (Agile Governance)
- بناء الثقة مع المواطنين من خلال الشفافية والتفاعل.
- اعتماد تنظيمات بسيطة، مرنة، قائمة على الأدلة.
ويؤكد التقرير أن النجاح في مواجهة التحديات البيئية والتكنولوجية والاجتماعية يتطلب أن تكون القواعد التنظيمية أكثر قدرة على التنبؤ، وأسهل تطبيقًا، وأقرب إلى الواقع المتغير.