في إطار نزاع بين دولة ليبيا وشركة (Etrak) التركية، تناولت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر بتاريخ 9 أكتوبر 2024، مدى اختصاص هيئة التحكيم بالنظر في منازعات عقود الاستثمار التي وقعت قبل دخول اتفاقية الاستثمار الثنائية (BIT) حيز التنفيذ.
الوقائع:
يتعلق النزاع بعقود للأشغال العامة تم توقيعها في الثمانينيات بين ليبيا وشركة (Etrak) في عام 2016، وبعد إخفاق ليبيا في تنفيذ اتفاقية تسوية وديّة مبرمة بين الطرفين، لجأت (Etrak) إلى التحكيم مطالبةً بتعويضات، استنادًا إلى اتفاقية الاستثمار الثنائية الموقعة بين ليبيا وتركيا في 2009. وحكمت هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية (ICC) باختصاصها للنظر في النزاع، وأصدرت حكمًا لصالح (Etrak) في عام 2019، حيث وجدت أن ليبيا انتهكت التزامها بضمان المعاملة العادلة والمنصفة.
وبعد أن أيدت محكمة استئناف باريس قرار التحكيم وأمرت بتنفيذه في فرنسا، تقدمت ليبيا بالطعن أمام محكمة النقض الفرنسية. ودفعت بأن هيئة التحكيم تفتقر للاختصاص الزمني (ratione temporis)، مدعية أن النزاع نشأ قبل دخول اتفاقية الاستثمار الثنائية حيز التنفيذ، وأن الأعمال التي تمت في الثمانينيات لا تقع ضمن نطاق حماية الاتفاقية.
الحكم وأسانيده القانونية
وعند دراسة اختصاص هيئة التحكيم بناءً على اتفاقية الاستثمار الثنائية بين ليبيا وتركيا، أشارت المحكمة إلى أن موافقة الدولة على التحكيم تنشأ من العرض القائم في الاتفاقية الموجه لفئة محددة من المستثمرين لحل النزاعات المتعلقة بالاستثمارات المحددة فيها.
وأخذت المحكمة في الاعتبار أن النزاع الحالي يتعلق بعدم تنفيذ اتفاقية تسوية ودية تم التوصل إليها في عام 2013، وليس بالنزاع الأصلي حول دفع مستحقات عقود الإنشاءات من الثمانينيات. كما أشارت المحكمة إلى أن المطالبات المالية الناتجة عن اتفاق التسوية الودية لا تُعتبر (استثمارات) بموجب الاتفاقية، بل ترتبط فقط بالاستثمارات الأصلية المتعلقة بأعمال البناء.
في النهاية، رأت المحكمة أن النزاع حول تنفيذ التسوية الودية منفصل عن النزاع الأصلي بشأن دفع مستحقات الأعمال الإنشائية، وبالتالي لا يندرج ضمن تعريف (الاستثمار) المحدد في اتفاقية الاستثمار الثنائية. بناءً عليه، قضت المحكمة بقبول الطعن وأعادت القضية إلى محكمة الاستئناف لإعادة النظر.
خلاصة القول، أكد هذا الحكم أن المحاكم الفرنسية تولي عناية خاصة عند تقييم اختصاص هيئات التحكيم في منازعات الاستثمار. حيث تتحقق بدقة من أن النزاع نشأ بعد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، وكذلك من ارتباطه المباشر بالأنشطة التي تدخل تحت تعريف (الاستثمار) في الاتفاقية. ويبرز هذا الحكم الأهمية الكبيرة لتفسير نصوص الاتفاقية عند تحديد اختصاص هيئة التحكيم، خصوصًا في القضايا المتعلقة بالاستثمارات التي تمت قبل سريان الاتفاقية.
نقلاً عن: إيوانا نول تيودور (Ioana Knoll-Tudor)
محامية تحكيم دولي، وشريك بشركة أدليشو جودارد (Addleshaw Goddard)، والسكرتير العام لمؤسسة (Paris Arbitration Week(PAW))، ونائب رئيس نادي التحكيم الاسباني برومانيا (Club Espanol de Arbitraje (CEA) Romania)