2025/04/17

يثير التداخل بين قواعد التحكيم التجاري الدولي وقانون المساعدات الحكومية للاتحاد الأوروبي إشكاليات قانونية معقدة، لاسيما حين تدعي إحدى الدول الأطراف أن تنفيذ حكم تحكيمي قد يُشكل مساعدة حكومية غير مشروعة تخضع لرقابة المفوضية الأوروبية. في هذا السياق، تناولت محكمة الاستئناف في باريس هذه الإشكالية في حكم حديث صادر عنها بتاريخ 25 مارس 2025، حيث نظرت في مدى مشروعية وقف إجراءات دعوى بطلان لحكم تحكيمي، لحين البت في مسألة قانونية أمام المفوضية الأوروبية تتعلق بالمساعدات الحكومية.

ملخص الوقائع

تعود وقائع النزاع إلى خلاف بين شركة OMV Aktiengesellschaft، وهي شركة نمساوية، ووزارة البيئة الرومانية، وذلك على إثر حكم تحكيمي صادر عن غرفة التجارة الدولية (ICC) قضى بإلزام الدولة الرومانية بدفع مبلغ يزيد على 31 مليون يورو لصالح .OMV وقد نشأ النزاع من آلية تعويض عن أضرار بيئية وتكاليف التخلي عن بعض المنشآت، تم الاتفاق عليها في سياق استحواذ OMV على شركة Petrom  في عام 2004.

قامت وزارة البيئة الرومانية برفع دعوى أمام القضاء الفرنسي تطلب فيها بطلان الحكم التحكيمي، مستندة إلى أن تنفيذه يُشكّل مساعدة حكومية غير مشروعة وفقًا لقواعد الاتحاد الأوروبي، وتحديدًا بموجب المادتين 107 و108 من اتفاقية الاتحاد الأوروبي .(TFEU) كما طلبت الوزارة وقف إجراءات دعوى البطلان إلى حين صدور قرار من المفوضية الأوروبية في هذا الشأن، وهو ما استجابت له محكمة الدرجة الأولى من خلال حكم صادر عن قاضي التحقيق (Conseiller de la mise en état).

غير أن شركة OMV طعنت في هذا الحكم، مؤكدة أن الوزارة لم تُثبت وجود إجراءات رسمية جارية أمام المفوضية الأوروبية، وأن طلب الوقف لا يهدف سوى إلى تأخير تنفيذ الحكم التحكيمي وإطالة أمد النزاع.

حيثيات الحكم وأسانيده القانونية

قامت محكمة الاستئناف بباريس بفحص الادعاءات والدفوع المقدمة، وخلصت إلى ما يلي:

1.   غياب الإخطار الرسمي: تبين للمحكمة أنه، وبعد مرور أكثر من عامين على صدور الحكم التحكيمي، لم تقم وزارة البيئة الرومانية بإخطار المفوضية الأوروبية رسميًا بشأن شبهة المساعدة الحكومية، وفقًا لما تقتضيه المادة 108 من اتفاقية .TFEU

2.   عدم وجود تحقيق رسمي: كما ثبت أن المفوضية، رغم علمها بالحكم التحكيمي، لم تفتح أي تحقيق رسمي بشأنه، وهو ما يُضعف حجية ادعاء الوزارة بوجود إجراءات أوروبية عالقة.

3.   موقف المفوضية الأوروبية: أشارت المحكمة إلى أن المفوضية، بعد اطلاعها على الوثائق المقدمة من الوزارة، صرحت بأن تنفيذ الحكم التحكيمي لا يُمثل خرقًا واضحًا لقواعد الاتحاد الأوروبي، بل إن البيانات المتوفرة لا تُثبت أن الحكم يشكل مساعدة حكومية.

4.   عدم كفاية مجرد الادعاء: أكدت المحكمة أن مجرد الادعاء بوجود مساعدة حكومية غير مشروعة لا يكفي لتبرير وقف إجراءات دعوى البطلان، ما لم يكن هناك تحقيق فعلي قائم من المفوضية الأوروبية أو على الأقل إخطار رسمي بها.

بناءً على ما سبق، قضت محكمة الاستئناف بإبطال الحكم بوقف الدعوى، واستئناف نظر إجراءات البطلان أمام القضاء الفرنسي.

خاتمة

تُبرز هذه القضية التوازن الحساس بين استقلالية التحكيم الدولي وبين رقابة الاتحاد الأوروبي على المساعدات الحكومية. وقد أكدت محكمة الاستئناف في باريس، من خلال هذا الحكم، أن اللجوء إلى قواعد المساعدات الحكومية لا يمكن أن يُستخدم كذريعة لعرقلة إجراءات قضائية قائمة، ما لم يكن مدعومًا بإجراءات رسمية أمام المفوضية الأوروبية.

وبالرغم من جواز وقف دعوى بطلان الحكم التحكيمي حال وجود تحقيق فعلي لدى المفوضية الأوروبية بشأن شبهة المساعدة الحكومية، إلا أن مجرد التذرع بتلك الشبهة دون تقديم إخطار رسمي أو وجود تحقيق جارٍ، لا يكفي لتبرير هذا الوقف. وبالتالي، يعد هذا الحكم سابقة مهمة تعزز من استقرار إجراءات التحكيم وتنفيذ أحكامه في مواجهة محاولات الالتفاف القانوني تحت غطاء قانون الاتحاد الأوروبي.

 

للتعرف على أبرز تحديات تنفيذ أحكام التحكيم وفقاً للممارسات الدولية والعربية، انضم إلينا في المؤتمر العربي السادس للتحكيم


 

نقلاً عن: إيوانا نول تيودور  (Ioana Knoll-Tudor)

محامية تحكيم دولي، وشريك بشركة أدليشو جودارد (Addleshaw Goddard)، والسكرتير العام لمؤسسة (Paris Arbitration Week (PAW))، ونائب رئيس نادي التحكيم الاسباني برومانيا (Club Espanol de Arbitraje (CEA) Romania)