2025/06/19

في ظل التطور المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، برزت الحاجة إلى مراجعة وتكييف سياسات الملكية الفكرية بما يتلاءم مع خصائص هذه التكنولوجيا العابرة للقطاعات. وفي هذا السياق، أعدت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) وثيقة تشاورية تضمنت )مشروع قائمة قضايا سياسات الملكية الفكرية والذكاء الاصطناعي)، لطرحها على الدول الأعضاء والجهات المعنية بغية فتح نقاش شامل وعابر للتخصصات حول الإشكاليات القانونية والتنظيمية ذات الصلة.

أولاً: دور الذكاء الاصطناعي في إدارة نظم الملكية الفكرية

تشهد مكاتب الملكية الفكرية حول العالم تناميًا في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لا سيما في مجالات الترجمة، وتصنيف العلامات، ومعالجة الطلبات. وقد أطلقت الويبو مبادرات لتبادل أفضل الممارسات ودعم بناء القدرات في هذا الإطار، عبر اجتماعات دولية ومنصات إلكترونية تفاعلية.

ثانيًا: محاور التفاعل بين الذكاء الاصطناعي والملكية الفكرية

صنفت الويبو القضايا الناشئة إلى محاور تشمل:

  • براءات الاختراع
  • حق المؤلف والحقوق المجاورة
  • البيانات وقواعدها
  • التصاميم الصناعية
  • الفجوة التكنولوجية وبناء القدرات
  • الحوكمة والمساءلة عن القرارات المتخذة عبر الأنظمة الذكية

ثالثًا: إشكاليات براءات الاختراع

تمثلت أبرز الإشكالات في تحديد صفة (المخترع) حال كانت الابتكارات ناتجة كليًا أو جزئيًا عن خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وما إذا كان القانون يجب أن يقصر هذه الصفة على الإنسان. كما طرحت تساؤلات بشأن مدى أحقية منح براءات لاختراعات مستقلة عن التدخل البشري، وإعادة النظر في مفاهيم كـ (النشاط الابتكاري) و(عدم البداهة) عند تقييم الأهلية.

رابعًا: حق المؤلف والمصنفات الذكية

تناقش الوثيقة أهلية المصنفات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي للحماية بموجب حق المؤلف، ومدى ضرورة وجود عنصر الإبداع البشري، كما تطرقت إلى حقوق الملكية في (المصنفات عميقة التزييف (deepfakes)، وإمكانية تطوير أنظمة حماية جديدة توازن بين كرامة الإبداع الإنساني وإتاحة المحتوى.

خامسًا: البيانات – المورد الأساسي للذكاء الاصطناعي

أثارت الويبو تساؤلات حول مدى كفاية نظم الملكية الفكرية الحالية لحماية البيانات، لا سيما تلك المستخدمة لتدريب النماذج الذكية، وطرحت إمكانية إنشاء حقوق جديدة تتعلق بامتلاك البيانات أو استخدامها العادل، دون الإضرار بحرية تداول المعلومات والابتكار.

سادسًا: الفجوة التكنولوجية والمساواة في الوصول

حذرت الوثيقة من اتساع الفجوة الرقمية بين الدول بسبب تركز قدرات الذكاء الاصطناعي في أيدي عدد محدود من الدول المتقدمة، داعية إلى سياسات متكاملة لبناء الكفاءات التقنية ودعم الابتكار المحلي في البلدان النامية.

سابعًا: الحوكمة والمساءلة

أشارت الويبو إلى أهمية تنظيم استخدام الأنظمة الذكية في اتخاذ قرارات إدارية داخل مكاتب الملكية الفكرية، مثل تسجيل الطلبات وفحصها، مع التأكيد على ضرورة توافر الشفافية والمساءلة القانونية في حال حدوث أخطاء أو تجاوزات.

خاتمة

يشكل هذا المشروع خطوة أولى نحو بناء فهم مشترك بين الأطراف المعنية حيال الأثر المتسارع للذكاء الاصطناعي على النُظم القانونية للملكية الفكرية. ويُنتظر أن يُسهم في بلورة سياسات أكثر توازنًا تضمن حماية الحقوق، وتشجيع الابتكار، وتحقيق العدالة الرقمية عالميًا.