2025/07/06

مع التطورات المستمرة في معايير المحاسبة والمراجعة والضرائب والاستشارات، واتساع نطاق الخدمات المقدمة، وتعدد أطر التقارير، والتزايد الكبير في حجم وتعقيد وسرعة وعالمية المعاملات التجارية، قد تبدو النزاعات بين المحاسبين القانونيين وعملائهم أمرًا ثانويًا، إلا أن هذه النزاعات في الواقع كثيرة ومتزايدة. لذا، ينبغي للمحاسبين القانونيين الذين يعملون كمحاسبين أو مراجعين أو معدّي إقرارات ضريبية أو مستشارين، وكذلك مستخدمي هذه الخدمات، إدراك مزايا وعيوب الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، لا سيما وأن اللجوء إلى التقاضي التقليدي غالبًا ما يكون مكلفًا، ويستغرق وقتًا طويلًا، ويفتقر إلى الخصوصية.

في هذا المقال نتعرّف على استراتيجيات التفاوض، الوساطة، والتحكيم في المنازعات المحاسبية، وكيف تحمي نفسك ومهنتك من الخلافات المتوقعة.

أهمية إدراج شرط التسوية البديلة في عقود الارتباط

ينبغي للمحاسبين القانونيين مراعاة تضمين بنود تسوية النزاعات بالوسائل البديلة في عقود الارتباط مع العملاء، مع ضرورة مراجعة الصياغة مع المستشار القانوني وشركة التأمين ضد المسؤولية المهنية. تشجع معظم شركات التأمين المحاسبين على استخدام الوسائل غير الملزمة لتسوية النزاعات، بل وقد لا تمانع في تضمين شرط التحكيم الملزم، مع ضرورة التأكد من عدم تأثير هذه البنود على استقلالية المحاسب تجاه خدمات التأكيد المقدمة للعملاء، وفقًا لقواعد السلوك المهني الصادرة عن جمعية المحاسبين القانونيين الأمريكية ومعايير لجنة الأوراق المالية والبورصات عند التعامل مع الشركات المدرجة.

وسائل التسوية البديلة المتاحة

  • التفاوض: يعد التفاوض الوسيلة الأبسط والأقل تكلفة لتسوية النزاعات فور نشوئها، مما يقلل من اضطراب العلاقة التجارية بين الأطراف، ويتيح إمكانية التوصل إلى حلول إبداعية كخدمات مجانية أو تمديد آجال السداد. إلا أن نجاح التفاوض يعتمد على حسن نية الأطراف وقدرتهم على إدارة المشاعر والتركيز على الجوانب التجارية للنزاع.
  • الوساطة: تتميز الوساطة بكونها وسيلة غير ملزمة، يتم من خلالها تعيين طرف محايد (الوسيط) يساعد الأطراف في الوصول إلى تسوية مقبولة للطرفين، في إطار يحافظ على سرية النزاع ويقلل التكاليف مقارنة بالتحكيم أو التقاضي. إلا أن نجاح الوساطة يتطلب استعداد الأطراف لقبول حل لا يحقق لهم النصر الكامل، مع التزامهم بحسن النية في عملية الوساطة.
  • التحكيم: يعد التحكيم الوسيلة الأكثر شيوعًا لتسوية النزاعات بشكل ملزم، إذ يشبه إجراءات المحاكم من حيث عرض الأدلة والمرافعات أمام محكم أو هيئة تحكيم، إلا أنه يتميز بالمرونة، والسرية، والسرعة، وتكاليف أقل نسبيًا من التقاضي التقليدي، خاصة عند تطبيق قواعد التحكيم المعجل لتقليل النفقات في النزاعات ذات المبالغ الصغيرة. كما أن اختيار المحكمين يكون بناء على خبراتهم في المجال محل النزاع، سواء كانوا محاسبين أو خبراء ماليين أو قانونيين، وهو ما يعزز جودة الأحكام الصادرة في مثل هذه النزاعات.

اعتبارات تنظيمية هامة

  • الإبلاغ الذاتي: في بعض الولايات القضائية، يُلزم المحاسبون بالإبلاغ الذاتي عن أي أحكام أو تسويات تتجاوز مبالغ محددة تتعلق بادعاءات سوء الممارسة المهنية، بغض النظر عن وسيلة التسوية المستخدمة.
  • عدم الإعفاء من المسؤولية: إن تضمين شرط التسوية البديلة في عقد الارتباط لا يعفي المحاسب من مسؤوليته عن عدم الالتزام بالمعايير المهنية، ولا يعفي العميل من مسؤوليته في حالة تقديم بيانات مضللة.
  • مرونة الصياغة: يمكن للأطراف تعديل بنود التسوية البديلة في العقود حسب احتياجاتهم، سواء من حيث تحديد نطاق النزاعات المشمولة، أو القانون الواجب التطبيق، أو مكان التحكيم، أو عدد المحكمين، أو تنظيم آليات الاكتشاف، أو تحديد وسائل الانتصاف المتاحة.

نحو تسوية منخفضة التكلفة وقليلة النزاعات

تتيح الوسائل البديلة لتسوية النزاعات للمحاسبين القانونيين وعملائهم تسوية خلافاتهم بأقل تكلفة ممكنة، مع الحفاظ على العلاقات التجارية وتقليل الخسائر المترتبة على النزاعات الممتدة. ويوصى بالتشاور مع شركات التأمين والمستشارين القانونيين قبل تضمين بنود الوساطة أو التحكيم في عقود الارتباط لضمان توافقها مع السياسات التأمينية ومتطلبات الترخيص المهني.

ختامًا، تشكل الوسائل البديلة لتسوية النزاعات، سواء عبر التفاوض أو الوساطة أو التحكيم، أدوات فعالة للمحاسبين القانونيين لحل النزاعات مع عملائهم بطرق تحافظ على السرية وتقلل التكاليف، مع تجنب الآثار السلبية للتقاضي التقليدي. وتبقى المرونة في صياغة بنود هذه الوسائل ضمن عقود الارتباط عاملاً رئيسيًا لضمان تحقيق الأهداف المشتركة للأطراف وتقليل النزاعات وتعزيز استقرار العلاقات المهنية.