بتاريخ 20 سبتمبر 2023، أصدرت المحكمة العليا البريطانية حكمها في قضية جمهورية موزمبيق ضد شركة Privinvest Shipbuilding SAL وآخرين، حيث دار النزاع حول وقف إجراءات التقاضي لصالح التحكيم. كما يطرح الحكم مسألة استخدام الغرض الحقيقي والملائم كشرط لرفض طلبات وقف التقاضي لصالح التحكيم.
الوقائع
في هذه القضية، واجهت جمهورية موزمبيق عدة نزاعات تتعلق بثلاثة عقود تمت في عامي 2013 و2014. كانت العقود بين الحكومة الموزمبيقية من خلال ثلاث شركات تابعة لها وعدد من الشركات التابعة لمجموعة Privinvest Shipbuilding SAL، وكانت العقود تهدف إلى شراء معدات وخدمات لتطوير المنطقة الاقتصادية الحصرية (EEZ) لموزمبيق، بما في ذلك أنشطة صيد التونة واستغلال الغاز الطبيعي.
وقد تم تمويل الصفقات الثلاث بقروض من بنوك في لندن، وأعطيت مقابل تلك القروض ضمانات سيادية من قبل حكومة موزمبيق. كانت هذه الضمانات مُوقعة من وزير المالية حينها مانويل تشانغ، الذي ادعت الحكومة لاحقًا أن هذا التوقيع كان خارج حدود صلاحياته.
وفي عام 2019، رفعت حكومة موزمبيق دعوى قضائية تزعم فيها أنها كانت ضحية مؤامرة؛ حيث ادعت دفع Privinvest رشاوى بقيمة تزيد عن 136 مليون دولار أمريكي إلى مسؤولين فاسدين في الحكومة وموظفين في بنك Credit Suisse.
كما اتهمت الحكومة الموزمبيقية Privinvest بأنها أبرمت عقودًا احتيالية بهدف تضليل الحكومة والحصول على الأموال دون تقديم السلع والخدمات المنصوص عليها في العقود.
ولم تنكر Privinvest استلام قيمة العقود، لكنها ادعت أن هذه المدفوعات كانت استثمارات أو أجور استشارية مشروعة، وأن العقود كانت صفقات حقيقية وقانونية.
وبناءً على بنود التحكيم المدرجة في العقود، قدمت Privinvest طلبًا أمام أحد المحاكم الإنجليزية بوقف الإجراءات القضائية واللجوء للتحكيم. ووفقًا للقانون البريطاني، يمكن لأي طرف مرتبط بعقد يتضمن بند التحكيم أن يطلب من المحكمة وقف الإجراءات القضائية وتحويل النزاع إلى التحكيم.
غير أن جمهورية موزمبيق دفعت بأن التحكيم لن يكون مناسبًا في هذه الحالة لوجود اتهامات بالفساد والرشوة ووقائع جنائية ينبغي أن يتم النظر فيها علنًا في المحكمة. وبناءً عليه، رفضت المحكمة الابتدائية طلب Privinvest بإحالة النزاع إلى التحكيم.
فلجأت الشركة إلى محكمة الاستئناف للطعن في قرار المحكمة الابتدائية ولطلب إلزام جمهورية موزمبيق باللجوء إلى التحكيم. فصدر الحكم لصالح Privinvest، حيث رأت المحكمة أن بند التحكيم يجب أن يُنفذ وأن النزاع يجب أن يُحال إلى التحكيم بناءً على العقود الموقعة بين الأطراف.
فطعنت جمهورية موزمبيق في حكم الاستئناف أمام المحكمة العليا البريطانية مستندةً إلى أن التحكيم لن يكون ملائمًا في هذه الحالة، وأن القضايا التي تتعلق بالفساد والرشوة يجب أن تُنظر أمام المحكمة بشكل علني.
حكم المحكمة العليا البريطانية وأسانيده
قضت المحكمة العليا برفض طلب Privinvest بوقف الإجراءات القضائية لصالح التحكيم. حيث رأت المحكمة عدم وجود (غرضًا حقيقيًا وملائمًا) وراء طلب الإحالة إلى التحكيم في هذه القضية.
ويعد هذا المفهوم تطورًا قانونياً جديداً، حيث يشير إلى جواز رفض المحكمة طلب وقف الدعوى في حال كان لا يخدم هدفًا قانونيًا مشروعًا أو أُسئَّ استخدامه لتعطيل الإجراءات القضائية.
واستندت المحكمة في قضائها إلى النقاط التالية:
1. المادة 9 من قانون التحكيم لعام 1996: تنص على أنه يجب على المحكمة وقف الإجراءات القضائية لصالح التحكيم إذا كان النزاع مشمولاً باتفاق التحكيم، إلا إذا كان الاتفاق باطلاً، أو غير قابل للتنفيذ. ومع ذلك، أكدت المحكمة أنه في هذه الحالة، يجب النظر في مدى وجود غرض مشروع ومناسب من التمسك بالتحكيم.
2. الغرض الحقيقي والملائم: استندت المحكمة إلى فكرة عدم جدوى سرية التحكيم في هذه الحالة، فبعد انضمام المدعى عليهم (Privinvest) كأطراف في الدعوى العلنية، فإن معظم المعلومات المتعلقة بالنزاع قد تصبح علنية بالفعل، مما يلغي الفائدة الأساسية للتحكيم، وهي السرية. لذا، فإن إحالة النزاع إلى التحكيم لن تحقق الهدف الأساسي من العملية التحكيمية.
3. المصلحة العامة: شددت المحكمة على أن القضايا التي تتعلق باتهامات الفساد والرشوة لها أهمية عامة، ويجب النظر فيها علنًا أمام المحكمة. فإحالة هذه المسائل إلى التحكيم، حيث تكون الإجراءات سرية، لن يخدم المصلحة العامة.
خاتمة
قدمت المحكمة العليا في هذا الحكم مبدأً جديدًا ومهمًا بشأن رفض طلبات وقف التقاضي لصالح التحكيم إذا لم يكن لها غرض حقيقي وملائم. ويعزز هذا الحكم فكرة أن اتفاقيات التحكيم لا يجب أن تُستخدم كوسيلة لتأخير الإجراءات القضائية أو إساءة استخدامها، بل يجب أن يكون الهدف من التحكيم مشروعًا ويتماشى مع تحقيق العدالة.