الملكة القانونية في مواجهة التكنولوجيا
المحامي وليد عثمان

المحامي وليد عثمان

شريك مؤسس شورى للمحاماة والتحكيم رئيس الاكاديمية الدولية للوساطة والتحكيم .
2025/04/22

تشير الإحصائيات والتقارير الصادرة  عن the business research company ان قطاع التكنولجيا القانونية تجاوزت قيمته 33 مليار دولار امريكي خلال 2025، ومن المتوقع ان تصل الى 47.61 مليار بنهاية 2029 .

الأمر الذي دفع كثيرين لتساؤل عن إمكانية حلول المحامي الروبوت مكان المحامي البشري في عمله، أما أنه سيبقي مساعداً له فقط، وما هي الوسائل والحلول الممكنة لمواجهة مخاطر التكنولوجيا على مهنة المحاماة.

دعونا في البداية نؤكد على أن حلول الروبوتات محل البشر يستلزم في البداية الاعتراف لهم بالشخصية القانونية؛ ليكون لديهم أهلية اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، وهذا أمر لم نصل له بعد، وبناءً عليه سيكون للروبوت دور المساعدة والدعم في القيام بالمهام.

ولكن يجب على المحامين اتقان استخدام الذكاء الاصطناعي في عملهم، لما يوفر من وقت وجهد وتكلفة؛ حيث يعمل المحامي الروبوت على جمع الخبرات العملية ومعالجتها، ولكن يبقي للمحامين سوى الملكة القانونية التي تمكنهم من الإبداع والتكوين. ومن هنا يثور التساؤل عن ماهية الملكة القانونية، ووسائل تنميتها.

تعريف الملكة القانونية

الملكة القانونية تعني امتلاك رجل القانون - القاضي أو المحامي أو الباحث أو المحكم -منهجاً للتفكير السليم في المعطيات القانونية والتعامل معها، بما يعينه على القيام بالمهام الموكلة إليه، كما يمكنه من إدراك المستحدثات القانونية، وحسن التعامل معها.

مكونات الملكة القانونية

يري البعض أن يجب عليه العلم بالقانون وأصوله، بالإضافة إلى التمكن من اللغة سواء العربية أو غيرها من اللغات باعتبارها أداة تعبيره عن أفكاره، فاللغة مرآة العقل، هذا فضلاً عن الإلمام بأساسيات علم المنطق، بينما يري البعض الآخر أنه ينبغي على القانوني التمتع بمهارات التمكن من اللغة، والإحاطة بالعلوم الاجتماعية الأخرى ذات الصلة بالقانون، مصدقاً للمقولة الشهيرة " التمكن من القانون يكون بالإبحار خارجه"، مع القدرة على تشييد الحجج وتقييمها، وأيضا هناك من يرى أن رجل القانون يجب أن يكون ملماً بالموضوعات المنطق Logic، التحليل Analysis، الجدل والمحاجة Argumentation، التأويل  .Hermeneutic

وسائل تنمية الملكة القانونية

1.  مذاكرة أحكام المحاكم العليا،

ففي مطالعة الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم العليا تنمية للغة القانونية من حيث الأسلوب والقدرة على استخدام المصطلحات القانونية، كما أنها تنمي مهارات الاستدلال والجدل القانوني؛ وذلك بالوقوف الأسباب التي أُسس عليها الحكم في أول درجة، وحكم ثاني درجة، ورأي محكمة النقض في كلاً من هذه الأسباب. كذا الوقوف على أسباب الطعن والعلل التي سطرها المحامين في مذكرات طعونهم.

وتجدر الإشارة إلى اتجاه المحاكم العليا في جل دول العالم لنشر أحكام عبر مواقعها الإلكترونية، مما سهل مهمة الاطلاع عليها والوقوف على الاتجاهات القضائية فيها.

كما أنها تنمي مهارات تطبيق القانون وتفسيره، فالحكم القضائي يكشف عن الطريقة التي اتبعها القاضي في تحديد القواعد الحاكم للقضية محل الدعوى، كذا الطرق التي أعتمدها في تفسيره تلك القواعد.

2.  الاطلاع على الكتب الفقيه

قراءة الكتب الفقيه وخاصة لكبار الكتاب تنمي لمهارات التفسير والتحليل والنقد القانوني، حيث تتناول هذه المراجع النصوص القانونية بالشرح والتعليق، فيوضح مفهوم النص ومراد المشرع ويبين مواضع الاستحسان ومواضع العيب.

كما أن معظم هذه المراجع تعتمد على المنهج المقارن عن معالجة مسألة قانونية معينة، بما يزيد من معرفة القارئ بالنظم المقارنة وفي ذلك إثراء لفكره القانوني.

3.  الإلمام بالقواعد الفقهية

أن فهم هذه القواعد وحفظها يساعد المحامي على فهم مناهج الرأي، ويطلعه على حقائق الفهم ومآخذه ويمكنه من تخريج الفروع بطريقةٍ سليمة، كما أن الاستناد للقواعد الكلية يجنب المحامي التناقض، كما يساعده على إدراك مقاصد الأمور.

4.  التدريب والتكرار

يقول ابن خلدون " والملكات لا تحصلُ إلا بتكرار الأفعال؛ لأنّ الفعل يقعُ أولاً وتعود منه للذات صفة، ثم تتكرر فتكون حالًا، ومعنى الحال أنّها صفة غير راسخة، ثم يزيد التكرار فتكون مَلكة أيّ صفة راسخة."

ويقول الرجراجي " العلم ميت، وحياته التعليم، فإذا حيي فهو خفي وظهوره المذاكرة، فإذا ظهر فهو ضعيف وقوته المناظرة، فإذا قوي فهو عقيم وثمرته العمل، ينادي العلم أين العمل، فإن أجاب وإلا ارتحل "

التدريب أول مرحلة في اكتساب الملكة القانونية، حيث يُجب قانون المحاماة على المحامي المقيد بالجدول العام أن يلحق بمكتب أحد المحامين المقبولين للمرافعة أمام محاكم الاستئناف أو محكمة النقض، أو للعمل بإحدى الإدارات القانونية في الجهات المرخص لها بذلك طبقا لأحكام هذا القانون تحت إشراف أحد المحامين المقبولين أمام تلك المحاكم من العاملين بالإدارة القانونية لهذه الجهة. 

إن من أكبر خطايا رجل القانون الخوف من الخطأ، فيجب أن يكون شجاعاً ولا يخشى الخطأ، فالتجارب تصقل خبراته وترفع قدراته.

5.  الاستقلال

رجل القانون صاحب رأي ووجهة نظر، والاستقلال الفكري أحد أهم مقومات بناء الشخصية القانونية، وقد كرس الدستور المصري الصادر عام ٢٠١٤ وقانون المحاماة وقانون السلطة القضائية لهذه الفكرة، حيث المادة ١٨٤ من الدستور علي استقلال السلطة القضائية، واعتبر التدخل في شئون العدالة أو القضايا جريمة لا تسقط بالتقادم، كما نصت المادة ١٩٨ من الدستور المصري أن المحاماة مهنة حرة، تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وسيادة القانون، وكفالة حق الدفاع، ويمارسها المحامي مستقلاً، ويتمتع الضمانات والحماية القانونية أثناء مباشرة حق الدفاع.

كما يجب على المحامين تزكية الاستقلال لدي المحامين تحت التمرين، وأن يفتحه له المجال للتعبير عن رأيه ووجهة نظره، ويفضل أن يعرض المحامي تحت التمرين رأيه في البداية؛ حتى يشعر بالثقة ويتحرر من خجل معارضة رأي من هو كثر منه خبرةً.

6.  الاهتمام بفلسفة القانون ومنطقه

لكل قانون أهداف وفلسفة سواء صرح بها المشرع أو أنها تظهر من خلال استقراء مواده، تلك الفلسفة هي المعين على فهم مراد المشرع والأهداف المبتغاة منها، وللأسف لم تحظي دراسة فلسفة القانون والمنطق بالعناية الكافية من كليات الحقوق، وكتفت الكليات بدراسة تاريخ القانون.

7.  التدريب على مهارات التفكير النقدي والابداعي

لابد من الاعتماد على طريقة التفكير العلمي عند التعامل مع القانون باعتباره أحد العلوم الإنسانية والاجتماعية، هذا بالإضافة إلى تنمية مهارات التفكير النقدي نظراً لأهمية عند الفصل في القضايا والمنازعات، هذا فضلاً عن تنمية مهارات التفكير الإبداعي الذي يساعد في تطوير عمل رجل القانون على المستوي الفني والإداري.

8.  الاطلاع علي العلوم المجاورة

فيجب على رجل القانون أن يكون أديباً أو متذوقاً رفيعاً للأدب، بما يعزز من تمكنه من اللغة التي هي سلاحه وعدته، كما أن التاريخ من أهم العلوم التي تلهم رجل القانون وتنمي مهارة التنبؤ لديه، فالتاريخ خير معلم.

ولا يخفي على أحد أهمية دراسة علوم الطب الشرعي ودورها في القضايا الجنائية، فلا نستطيع أن نحلل التقارير الفنية بشكل كام ما لم نحط في المسألة الفنية محل الدعوى، وهكذا المسائل المتعلقة ببراءات الاختراع، والمصنفات الفنية، النماذج الصناعية والاصناف النباتية وغيرها من المسائل التي تحتاج لخبرة فنية للوقوف على حقيقتها.

9.  الاهتمام بدارسة اللغات الأجنبية

دراسة اللغات الأجنبية تساعد رجل القانون على الاطلاع على القوانين والفقه واتجاهات المحاكم في الدول المتقدمة، كما أنها توسع مداركه من خلال الوقوف على فلسفة هذه النظم ومحاكاة أفضل الممارسات العملية.

اعرف المزيد عن الملكات القانونية

اطلع على تفاصيل مهارات التفكير القانوني، واكتساب الملكلة القانونية