هل يجوز للطرف الذي تم التنازل له عن حقوق حكم تحكيمي أن يتدخل في إجراءات تنفيذه أمام المحاكم الفرنسية؟ تناولت محكمة استئناف باريس هذه المسألة في حكمها الصادر بتاريخ 10 سبتمبر 2024، حيث أبطلت أمر القاضي الابتدائي في نفس القضية.
الوقائع
نشأ النزاع عن عقد امتياز تم إبرامه بين شركة Antrix الهندية المملوكة للدولة وشركة Devas الموجودة في موريشيوس. وبموجب هذا العقد اُجيز لشركة Devas استخدام الطيف الكهرومغناطيسي للهند لأغراض خدمات الاتصالات. وبعد إنهاء Antrix للعقد، لجأ مساهمو Devas إلى التحكيم استنادًا إلى اتفاقية الاستثمار الثنائية بين الهند وموريشيوس لعام 1998. وفي النهاية، قررت هيئة التحكيم التابعة لمحكمة التحكيم الدائمة (PCA) مسئولية الهند وأصدرت حكماً بتعويض المساهمين بمبلغ 111 مليون دولار. وبعد منح الحكم التحكيمي الصيغة التنفيذية من قبل قاضٍ فرنسي، قام المساهمون في Devas بالتنازل عن حقوقهم في تحصيل قيمة الحكم لثلاث شركات أمريكية (المتنازل لهم). فطعنت الهند في قرار منح الصيغة التنفيذية، وسعى المتنازل لهم إلى التدخل في الإجراءات.
الحكم الابتدائي
وبتاريخ 13 فبراير 2024، سمح القاضي الابتدائي بتدخل المتنازل لهم، مؤكدًا أن بنود اتفاقيات التنازل يمثل حلولاً تقليدياً لصالح المتنازل لهم، مما يمنحهم الحق والمصلحة في التدخل.
حكم الاستئناف وأسانيده
وعندما طعن ممثلي Devas في الحكم أمام محكمة استئناف باريس، أوضحت المحكمة أولاً القواعد الملزمة المتعلقة بالتدخل وفقاً لقانون الإجراءات المدنية الفرنسي، مشيرةً إلى أن التدخل الطوعي من طرف ثالث غير مسموح به في إجراءات الطعن بالبطلان أو الاستئناف على أوامر منح الصيغة التنفيذية، (إلا إذا تم بموافقة صريحة من الأطراف، وهي موافقة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال اتفاق الأطراف).
وأكدت المحكمة أن التدخل (مستقل عن أي حلول)، مشيرةً إلى أن اتفاقيات التنازل لم تنص على الحلول، وبناءً عليه رفضت افتراض أي حلول. كما لاحظت المحكمة أن المتنازل لهم (أ) عرّفوا أنفسهم على أنهم (متنازل لهم) وليس (أطرافًا بديلة)، و(ب) طلبوا تأكيد الصيغة التنفيذية (بصفتهم الشخصية) وليس بصفتهم بدلاء في حقوق الأطراف في التحكيم.
وخلصت المحكمة إلى أن المتنازل لهم، حتى وإن كان لديهم مصلحة في تنفيذ الحكم لاسترداد المطالبة، لا يمكنهم المطالبة بحق الطعن في الحكم أو أمر منح الصيغة التنفيذية، حيث تظل هذه الحقوق مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بصفة الأطراف في التحكيم، وهي صفة لا تملكها إلا الأطراف في الحكم أو الأطراف التي تم قبولها تقليديًا كأطراف.
خاتمة
تعد هذه القضية هي الأولى من نوعها التي تصدر فيها المحاكم الفرنسية حكمًا بشأن صحة التنازل عن حقوق الأحكام التحكيمية. وقد تبنت محكمة استئناف باريس موقفًا صارمًا وأوضحت الحدود الخاصة بتنازل، مشددة على أن التدخل في إجراءات التنفيذ أو الطعن بالبطلان مقتصر فقط على الأطراف المباشرة في التحكيم أو الأطراف التي تم قبولها تقليديًا كأطراف.