2025/04/17

في ظل تنامي اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي لحل النزاعات العابرة للحدود، تبرز أهمية الضمانات الإجرائية في هذا المسار البديل، وعلى رأسها مبدأ الإخطار السليم الذي يعد ركيزة أساسية لضمان حق الدفاع. وقد تناولت المحكمة العليا في هونغ كونغ، في حكمها الصادر بتاريخ 27 فبراير 2025، في القضية رقم HCCT 43/2024، مدى صحة إجراءات الإخطار في إطار طلب تنفيذ حكم تحكيمي صادر عن مركز التحكيم الدولي الآسيوي، وذلك استناداً إلى نصوص قانون التحكيم المحلي المتفق مع قواعد اليونسترال النموذجية.

ملخص الوقائع

يتعلق النزاع بين مدعٍ مقيم في سنغافورة وشركة استثمارية مقرها هونغ كونغ. وقد أبرم الطرفان ثلاث اتفاقيات خدمية أعوام 2018 و2020، تضمنت بندًا تحكيميًا ونصًا صريحًا بشأن العنوان المعتمد للإخطار، وهو عنوان محدد في مبنى (سيلفركورد) في كولون، اعتُبر العنوان الرئيسي للمدعى عليها.

وعند نشوء النزاع، بادر المدعي إلى تحريك إجراءات التحكيم بتاريخ 16 فبراير 2023، وقام بإرسال إخطار بالتحكيم إلى العنوان المتفق عليه، إضافةً إلى عناوين أخرى ظهرت لاحقًا، ومنها عناوين بريد إلكتروني رسمية وأخرى مذكورة على الموقع الإلكتروني للمدعى عليها. وقد صدر الحكم التحكيمي بتاريخ 31 يناير 2024، وأجازت المحكمة تنفيذه في 13 يونيو 2024. إلا أن المدعى عليها تقدمت بطلب لإبطال أمر التنفيذ استنادًا إلى عدم تلقيها إخطارًا فعليًا، وادعت أن العناوين المستخدمة كانت غير محدثة.

الحكم وأسانيده القانونية

رفضت المحكمة دفوع المدعى عليها، مؤكدة ما يلي:

1.   نصت الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين على أن أي إخطار يتم عبر البريد المسجل إلى العنوان المذكور يُعتبر مبلّغًا بعد يومين من تاريخ الإرسال. ولم تبلغ المدعى عليها بأي تغيير في عنوانها رغم التزامها التعاقدي بذلك.

2.    قضت المحكمة بأن الإخطار السليم في سياق المادة 86 من قانون التحكيم لا يعني وجوب تحقق الاستلام الفعلي، بل يكفي استخدام وسيلة معقولة وفق ما تم الاتفاق عليه.

3.    لم تقدم المدعى عليها أدلة موثوقة تفيد بأنها لم تتسلم الإخطارات، بل اعتمدت على تغير إدارتها وعدم تحديث موقعها الإلكتروني أو بريدها الرسمي، وهي ظروف اعتبرتها المحكمة مشكلات داخلية لا يعتد بها.

4.   أكدت المحكمة أن المدعى عليها لا يمكنها الاستفادة من إخفاقها في تحديث عنوانها أو التواصل مع المدعي.

5.   لم تجد المحكمة أن هناك أي مخالفة لمبادئ العدالة أو النظام العام تبرر رفض تنفيذ الحكم التحكيمي.

خاتمة

يؤكد هذا الحكم القضائي أهمية احترام الأطراف للاتفاقات الإجرائية المنصوص عليها في العقود، لا سيما فيما يتعلق بوسائل الإخطار. ويشكل هذا القرار مرجعًا مهمًا في النزاعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام التحكيمية الدولية، حيث يعزز مبدأ حجية الاتفاق، ويقيد محاولات التحلل من التزامات واضحة بذريعة انعدام الإخطار الفعلي. كما يعكس توجه المحاكم في دعم التحكيم كآلية فعالة وملزمة، شريطة الالتزام بالضمانات المتفق عليها.

 

للتعرف على أبرز تحديات تنفيذ أحكام التحكيم وفقاً للممارسات الدولية والعربية، انضم إلينا في المؤتمر العربي السادس للتحكيم