2025/04/20

أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في أبريل 2024 تقريرًا بعنوان (التجريب التنظيمي: المضي قدمًا في أجندة الحوكمة التنظيمية المرنة)، ضمن سلسلة أبحاث السياسات العامة في الحوكمة. ويأتي هذا التقرير في ظل الحاجة المتزايدة لتحديث النظم القانونية لمواكبة الابتكارات السريعة والتغيرات المجتمعية المتلاحقة. ويسلط التقرير الضوء على أهمية التجريب التنظيمي (Regulatory Experimentation) كأداة حيوية لدعم صانعي السياسات في تصميم أطر تنظيمية أكثر مرونة وقدرة على التكيّف، تحقق التوازن بين تشجيع الابتكار وحماية المصلحة العامة.

أولًا: مفهوم التجريب التنظيمي وأشكاله

يعرف التقرير التجريب التنظيمي بأنه اختبار مؤقت ومحدد النطاق لمنتجات أو خدمات أو نماذج تنظيمية جديدة، بهدف توليد أدلة وبيانات تدعم عملية صنع القرار التنظيمي.

وتتنوع أشكال التجريب التنظيمي إلى ما يلي:

1.   الصناديق التنظيمية :(Regulatory Sandboxes) تسمح للشركات الناشئة أو الابتكارية باختبار حلولها ضمن بيئة خاضعة للرقابة ومقيدة قانونيًا مؤقتًا.

2.   التجارب الموجهة نحو الابتكار: تركز على فهم التأثيرات الناتجة عن إدخال تقنيات أو نماذج أعمال جديدة.

3.   التجريب في اللوائح نفسها: يهدف إلى اختبار أدوات أو سياسات تنظيمية قبل تعميمها.

4.   التجريب بالاستثناء: يتضمن تعليق تطبيق بعض القواعد التنظيمية لفترة محددة.

5.   التجريب عبر التفويض: يمنح صلاحيات للمستويات الإدارية الأدنى لاختبار تنظيمات محلية.

ثانيًا: مبررات اعتماد التجريب التنظيمي

يُعزز التجريب التنظيمي من جودة التنظيم ويُسهم في:

  • زيادة القدرة التكيفية للأنظمة التنظيمية.
  • تقليص فجوات المعرفة في صنع القرار، خاصة في ظل التقنيات الجديدة.
  • تمكين الابتكار من دون المساس بالحماية العامة.
  • بناء الثقة بين السلطات التنظيمية وأصحاب المصلحة من خلال الشفافية والتجريب المدروس

ثالثًا: عوامل التمكين ومتطلبات الحوكمة المرنة

لا يمكن للتجريب التنظيمي أن ينجح من دون:

1.   تحول في الثقافة التنظيمية نحو القبول بالمخاطرة المدروسة والتعلم التجريبي.

2.   وجود أساس قانوني واضح يسمح بالتجريب ويحدد نطاقه الزمني والجغرافي.

3.   تخطيط دقيق ومتابعة وتقييم صارم للنتائج.

4.   مشاركة الأطراف المعنية منذ مراحل التصميم وحتى التقييم.

5.   إدماج النتائج في السياسات العامة وتحقيق أقصى استفادة منها.

رابعًا: التحديات والتوازنات

يشير التقرير إلى أن التجريب التنظيمي ليس حلًا سحريًا، بل يتطلب موازنة دقيقة بين:

الابتكار وحماية المصلحة العامة.

المرونة القانونية والمساواة أمام القانون.

الفعالية التنظيمية وتكلفة الفرصة البديلة.

كما أن هناك حاجة ماسة لوضع ضوابط تحول دون تحول التجريب إلى استثناءات دائمة تضعف النظام القانوني.

ويدعو التقرير الحكومات إلى تعميم ثقافة التجريب التنظيمي ضمن الأطر القانونية، بما يدعم اتخاذ قرارات أكثر استنارة وفعالية في بيئات متسارعة التغير. ويؤكد على ضرورة التعاون الدولي لتبادل الخبرات، وتنسيق المبادرات، وتعزيز الابتكار المنضبط والمنهجي.