2025/07/16

أصدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا الإسكوا تقريرًا حديثًا بعنوان مستقبل الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية، ضمن سلسلة دراسات الميجاتريند الاتجاهات العالمية الكبرى الصادرة في إطار التزامات الأمم المتحدة برصد هذه الاتجاهات وتحليل آثارها على الأجيال الحالية والمقبلة، تماشيًا مع أجندة التنمية المستدامة 2030.

يهدف التقرير إلى استشراف مسارات الذكاء الاصطناعي في الدول العربية، وتقديم رؤى استباقية لصناع القرار حول كيفية استغلال هذا التحول التقني بما يخدم الأهداف الوطنية، ويحمي المجتمعات من المخاطر المترتبة على سوء الاستخدام أو عدم الجاهزية.

أهمية اللحظة الراهنة للذكاء الاصطناعي

شهد العالم منذ إطلاق ChatGPT في 2022 تسارعًا غير مسبوق في تبني الذكاء الاصطناعي، حيث يستخدم اليوم في تطوير الصناعات، والرعاية الصحية، والتعليم، والتخطيط العمراني، وإدارة الطاقة، وغيرها. وتشير التقديرات إلى أن القيمة الاقتصادية السنوية للذكاء الاصطناعي قد تصل إلى 23 تريليون دولار بحلول عام 2040. ومع ذلك، تظل هناك مخاطر مرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي، منها انحياز الخوارزميات، والمسائل المتعلقة بحماية البيانات والخصوصية، وإساءة الاستخدام في الجرائم السيبرانية أو نشر الأخبار المضللة، مما يفرض ضرورة بناء أطر قانونية وتشريعية مرنة تستوعب هذه التحولات وتحمي المجتمعات.

مسارات مستقبل الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية

يقترح التقرير ثلاثة مسارات استراتيجية للتعامل مع الذكاء الاصطناعي:

المسار الأول: توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي والشراكات لخدمة الأولويات المحلية

يشير التقرير إلى إمكانية اعتماد الدول العربية على تطوير شراكات استراتيجية مع شركات التقنية العالمية لتكييف التقنيات بما يتناسب مع أولوياتها الوطنية، مثل تحسين التعليم، والصحة، والطاقة، وإدارة المياه. ويوصي التقرير بتبني استراتيجيات مرنة تمزج بين بناء القدرات المحلية والدخول في شراكات دولية لتقليل التكاليف، وتسريع الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وفق الخصوصية الثقافية والتشريعية لكل دولة.

المسار الثاني: الذكاء الاصطناعي والهوية الثقافية

يدعو التقرير إلى الاستثمار في تطوير نماذج لغوية كبيرة مبنية على اللغة العربية وخصوصية البيانات العربية، بما يساهم في حماية الهوية الثقافية وتعزيز المحتوى العربي في الفضاء الرقمي. كما يبرز التقرير دور الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على التراث الثقافي من خلال الترميم الرقمي للمخطوطات والمواقع الأثرية، وتوفير محتوى تعليمي باللغة العربية، وتسهيل الوصول إلى الخدمات الحكومية بشكل يعزز الشمول الرقمي.

المسار الثالث: الذكاء الاصطناعي وأهداف التنمية المستدامة

يركز المسار الثالث على استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة لتسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة SDGs، من خلال تطوير تطبيقات ذكية تسهم في حل قضايا الأمن الغذائي، وتغير المناخ، وإدارة المياه، وتحسين الخدمات الصحية، وتقليل الفجوة الرقمية، لاسيما في الدول التي تواجه تحديات كبيرة في تحقيق هذه الأهداف.

بناء القدرات: الأساس المشترك لكافة المسارات

يؤكد التقرير على أهمية بناء القدرات البشرية والمؤسسية والتحتية لتطوير وتبني الذكاء الاصطناعي في الدول العربية، بما في ذلك:

  • تطوير الكفاءات البشرية من خلال التدريب المستمر.
  • تطوير البنية التحتية الرقمية، مثل شبكات الجيل الخامس ومراكز البيانات.
  • تطوير أطر الحوكمة والتشريعات المنظمة للذكاء الاصطناعي بما يحقق الاستخدام الآمن والأخلاقي للتقنيات.

التوصيات العملية

من أهم توصيات التقرير:

  • صياغة واعتماد ميثاق عربي للذكاء الاصطناعي المسؤول، يضمن احترام الحقوق والقيم المحلية.
  • مواءمة الاستراتيجيات الوطنية للذكاء الاصطناعي مع الرؤى الوطنية طويلة الأمد.
  • تشجيع الشراكات المفتوحة المصدر لتعزيز نقل التكنولوجيا وبناء القدرات المحلية.
  • استخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق الأهداف التنموية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة العربية.

خاتمة

يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة استثنائية للدول العربية لبناء مستقبل مزدهر ومستدام، بشرط تبني سياسات استباقية، واستراتيجيات مرنة، وبناء بنية تحتية متينة، بما يضمن توجيه هذه التقنية نحو خدمة الإنسان والمجتمع مع الحفاظ على القيم الثقافية للمنطقة. ويشكل هذا التقرير أداة مرجعية قيّمة لصناع القرار والباحثين في المنطقة العربية في رسم السياسات المستقبلية بما يتماشى مع التحولات التقنية العالمية.