استئناف باريس تحدد ضوابط تطبيق مبدأ عدم التناقض (ESTOPPEL) في نزاع تجاري دولي
2024/07/13

التحكيم ومبدأ عدم التناقض (ESTOPPEL): هل يجوز لأحد الأطراف أن يغير موقفه بشأن اختصاص هيئة التحكيم دون مواجهة عواقب قانونية أو إجرائية؟ تناولت محكمة استئناف باريس هذه المسألة في حكمها الصادر بتاريخ ٢٧ يونيو ٢٠٢٤.

تتناول القضية نزاعًا تجاريًا بين شركة Moulin de la Courbe ومقرها فرنسا، وشركة Krücken Organic الألمانية، حول عقد بيع الحنطة السوداء العضوية. وقد نص العقد بينهما على أنه في حالة نشوء نزاع يتم اللجوء إلى التحكيم أمام غرفة التحكيم الدولية بباريس (CAIP) إلى جانب الشروط الموحدة لعقود تجارة الحبوب الألمانية (EHB) والتي تتضمن أيضًا شرط تحكيم.

 وبعد نشوء النزاع، بدأ Moulin de la Courbe إجراءات التحكيم بموجب قواعد غرفة التحكيم الدولية (CAIP). فطعنت Krücken  في اختصاص هيئة التحكيم، استناداً إلى البند الوارد في الشروط الموحدة لعقود تجارة الحبوب الألمانية (EHB). فأصدرت هيئة التحكيم حكمًا جزئيًا بتاريخ 22 ديسمبر 2022 باختصاصها، مما دفع Krücken  إلى طلب الإبطال أمام محكمة استئناف باريس.

وأثناء إجراءات التحكيم، دفعت Moulin de la Courbe بعدم قبول طلب الإبطال المقدم من شركة Krücken  استنادًا إلى مبدأ عدم التناقض (ESTOPPEL)، حيث اتهمت Krücken  بالتناقض عن طريق قبول اللجوء إلى التحكيم بدايةً ثم الطعن في اختصاص هيئة التحكيم.

وقرر قاضي ما قبل المحاكمة عدم اختصاصه بالبت في حجة عدم التناقض، والذي يتعين على محكمة استئناف باريس الفصل فيها. وفي معالجة هذه المسألة، اتبع قاضي ما قبل المحاكمة نهجًا من ثلاث خطوات:

1.  أولاً، استند إلى حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر عام 2009 والذي نص على أنه وفقًا لمبدأ عدم التناقض  :(ESTOPPEL) "لا يجوز للطرف اتخاذ موقف يتعارض مع موقف اتخذه سابقًا إذا كان هذا التغيير يضر بالخصوم أو بالغير".

2.  ثانيًا، أوضح أنه وفقاً لمبدأ عدم التناقض (ESTOPPEL) يجوز رفض الموقف الإجرائي "الذي يُحتمل أن يُضلل الطرف الآخر بشأن نواياه بسبب عدم القبول" وبالتالي يجب استيعابه على أنه ادعاء بموجب المادة 1466 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي - والتي تنص على أن الطرف الذي يفشل في التمسك بالمخالفة في الوقت المناسب يُعتبر قد تنازل عن الحق في ذلك.

3.  أخيراً، أشار إلى أنه بناء على حكم أصدرته محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 20 مارس 2024، فإن التناقض الذي يُزعم أن Krücken  ارتكبته لا يتعلق بإجراءات دعوى الإبطال بل بموضوعها، وبالتالي فهو لا يقع ضمن اختصاصه بل ضمن اختصاص محكمة استئناف باريس.

خلاصة القول، يُطبق مبدأ عدم التناقض (ESTOPPEL) بشكل عام في التحكيم لمنع أحد الأطراف من التراجع عن التمسك بشرط التحكيم بعد تطبيقه. ويشير هذا الحكم إلى أن المحاكم الفرنسية تطبق مبدأ عدم التناقض بشكل أضيق مقارنة بأنظمة الانجلوسكسونية، وذلك بشرط أن يؤثر هذا التناقض سلبًا على الطرف الآخر. ويعد هذا التمييز الدقيق أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة للممارسين في مجال المنازعات الدولية، حيث يعكس التوازن الدقيق الذي تسعى إليه المحاكم الفرنسية بين الالتزام الإجراءات ومرونة الحجج القانونية. 

نقلاً عن:  إيوانا نول تيودور  (Ioana Knoll-Tudor)

محامية تحكيم دولي، وشريك بشركة أدليشو جودارد (Addleshaw Goddard)، والسكرتير العام لمؤسسة (Paris Arbitration Week(PAW))، ونائب رئيس نادي التحكيم الاسباني برومانيا (Club Espanol de Arbitraje (CEA) Romania)