توزيع المخاطر في عقود الفيديك
2024/02/21

تطورت مسألة توزيع المخاطر  في عقود الفيديك وتقييمها وإدارتها على مدار السنوات الماضية، وأصبحت هناك حاجة لإجراء تقييم مخاطر العمل في بداية مراحل المشروع لاتخاذ تدابير معقولة للتعامل على نحو فعّال مع أي خطر محدق أو نزاع مستقبلي.

ومن ثم يسعي هذا النوع من التقنيات إلى حماية حقوق أطرافه من المخاطر والتقلبات المستقبلية الغير المرغوب فيها، وذلك عن طريق إدارة المخاطر المالية وتحقيق الاستقرار في العلاقة بين أطراف العقد من خلال اتفاقهم بدايةً على تخصيص مخاطر معينة لتفادي التأثير السلبي في قدرة أحد المتعاقدين على تنفيذ المشروع وفقاً للمواصفات والجداول الزمنية المتفق عليها في العقد.

ذلك الأمر يعزز الفهم الأعمق للمخاطر المحتملة التي تُمكن الأطراف المتعاقدة من اتخاذ إجراءات ملموسة للتعامل معها بفعالية. وتشمل هذه المخاطر كما سنوضح فيما بعد أنها قد تكون مخاطر طبيعية غير متوقعة، أو مخاطر مادية أو سياسية واقتصادية، وبالتالي فإن تخصيص وإدارة المخاطر يلعب دوراً أساسياً في تعزيز نجاح المشروع وتحقيق أهدافه بكفاءة وفعالية.

ويتطلب تقييم المخاطر الفنية والقانونية والاقتصادية وغيرها فهماً واضحاً للبنود العقدية لتوزيع المسؤوليات بين الأطراف. وبناءً على هذا التقييم، يمكن للأطراف اتخاذ القرارات السليمة لإدارة المخاطر بشكل فعًال. لأن ترك المخاطر دون تخصيص يمكن أن ينشأ عنه نزاعات قانونية وتعقيدات إضافية حول من سيتحمل المسؤولية عن تلك المخاطر.

وسنتعرف في موضوع البحث على تعريف تخصيص المخاطر وتوزيعها وأنواع المخاطر التي قد تنشأ في العقد ومدي اختلاف تطبيق قاعدة توزيع المخاطر بين الدول.

تعريف المخاطر وفقا لعقود الفيديك

بداية وقبل الدخول في صلب الموضوع لابد أن نُبين تعريف المخاطر وفقا لعقود الفيديك:

تعرف المخاطر بأنها الظروف التي في حال حدوثها سيكون لها تأثير سلبي على تحقيق أهداف المشروع بتفويت مكاسب محققة.

وعليه، تُعرّف عملية توزيع المخاطر في عقود الفيديك بأنها: عملية يتفق من خلالها الأطراف بشأن المخاطر التي قد تحدث مستقبلاً خلال فترة تنفيذ المشروع عن طريق اتباعهم إجراءات معينه للحد من العواقب بشكل فعّال.

ومن هنا يمكن القول بأنه في حالة قبول المخاطر؛ فلابد من توزيعها من خلال الوقوف على المخاطر المحتملة التي قد يتعرض لها المشروع وتحديدها وتقييم شدتها من خلال وضع مواصفات قياسية معينة في العقد محل الالتزام.

ونقرّق بين حالتي توزيع المخاطر وتخصيصها وتركها دون تخصيص: -

أولا: عندما يتم إدارة المخاطر وتقييمها وتحليلها، بحيث يتم تخصيصها إلى واحد أو أكثر من أطراف العقد لإدارة المخاطر الناتجة عن المشروع والتي يبقيها تحت سيطرته، ويمنع حدوث أي عواقب ضارة أو عن طريق التخفيف من حده هذه العواقب، وبالتالي يجب أن ينبي قرار التخصيص على إرادة مستنيرة للحد من جميع الآثار الضارة المتوقعة والعواقب المحتملة.

ثانياً: في حالة ترك المخاطر دون تخصيص؛ فمن المؤكد أن ينشأ نزاع بين طرفي العقد بشأن توزيع المخاطر ومن ثم سيقوم المحكم أو القاضي بدوره بفحص المعايير التالية لتوزيع المخاطر في النزاع القائم:

  • أولاً: من هو الطرف الذي كان من الممكن أن يتوقع هذا الخطر بشكل أفضل؟
  • ثانياً: من هو الطرف الذي يمكن أن يتحكم في هذا الخطر وما يرتبط به على أكمل وجه؟
  • ثالثاً: من هو الطرف الذي يمكن أن يتحمل هذا الخطر بشكل أفضل؟
  • رابعاً: من هو الطرف الذي سيستفيد أو سيُعاني عندما يحدث هذا الخطر؟ 

أنواع المخاطر الناشئة عن عقود الفيديك (Types Of FIDIC Contracts Risks)

يوجد العديد من المخاطر الناشئة عن عقد الفيديك نعدد منها ما يلي على سبيل المثال:

أولا: المخاطر الطبيعية المناخية الغير متوقعة وفقا لعقود الفيديك

فيما يخص المخاطر الطبيعية المناخية؛ فقد نظم البند 8.4 حق المقاول في تمديد فترة إنجاز المشروع إذا حدث تأخير أو كان من المتوقع حصول مثل هذا التأخير بسبب الظروف المناخية المعاكسة بصورة استثنائية ويجب على المقاول إخطار المهندس بذلك إعمالاً للبند 20.1، كما يجوز للمهندس عند تقديره لفترة التمديد أن يزيد من فترة التمديد الكلي للمشروع وليس له أن ينقص منها

كما حدد البند 17.3 المخاطر الناتجة عن قوي الطبيعة واعتبرها من مخاطر صاحب العمل حيث اعتبر هذه المخاطر أمراً غير منظور لا يعقل اتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة ضده من قبل مقاول متمرس، وبالتالي ينتج عن هذه المخاطر خسارة أو ضرر للأشغال أو لوثائق المقاول، وعليه يتعين على الأخير إخطار المهندس وأن يقوم بإصلاح هذا الضرر على الفور، وفي حال تكبده أي كُلفة بسبب هذه الإصلاحات يتعين عليه إخطار المهندس بذلك لتقدير مستحقات المقاول أو بإضافتها إلى قيمة العقد.

وبذلك يكون البند 17.3 قد أعطي ميزة لصاحب العمل حيث أنه قد حدد له المخاطر التي يختص بها في حين جعل ماعدا ذلك من مخاطر حتى التعاقدية منها؛ يتحملها المقاول كما ذكر في البند 17.5، ويعتبر ذلك إجحافاً بحق المقاول؛ الأمر الذي بدوره سيؤدي إلى الدخول في صراعات جمة وإجراءات تحكيمية خطيرة.

ثانياً: المخاطر المادية غير المتوقعة

فيما يخص المخاطر المادية غير المتوقعة يكون صاحب العمل مسؤولاً عن المعلومات المتاحة للمقاول قبل وبعد تاريخ الأساس وهذا وفقاً للبند 4.10 الخاص بقيام رب العمل بتزويد المقاول بجميع البيانات التي بحوزته والمتعلقة بالأحوال الهيدرولوجية والمناخية في الموقع والبيانات الخاصة بالظواهر البيئية.

وقد شدد البند 4.10 على دور المقاول حيث اعتبر أنه قد حصل على المعلومات الضرورية المتعلقة بالمخاطر والاحتمالات الطارئة التي قد تؤثر على الأشغال وأنه قد عاين وتفحص الموقع وما يجاوره واقتنع بكل هذه المعلومات شخصياً قبل تقديم عرض المناقصة.

وعليه، فيكون بمجرد إبلاغ رب العمل بجميع البيانات الهيدرولوجية والأرضية التي بحوزته، يصبح المقاول هو الطرف الوحيد المسؤول عن تفسير هذه المعلومات، بالإضافة إلى أنه يجب عليه القيام بفحص بيانات الموقع المقدمة من قبل رب العمل.

ونتيجة لافتراض الكفاءة والخبرة المهنية في المقاول فيما يخص المعلومات الأخرى التي يمكن الوصول إليها دون وساطة رب العمل، يصبح المقاول هو الطرف المسؤول عنها مع الأخذ في الحسبان عامليّ الوقت والسعر

ثالثاً: المخاطر السياسية والاجتماعية

فيما يخص المخاطر السياسية والاجتماعية فقد حددها البند 17.3 ضمن مخاطر رب العمل حيث أنه اعتبر أن الحروب المعلن والغير المعلن عنها وكذلك التمرد وأعمال الإرهاب والإضرابات أو المشاغبات أو الاستيلاء على الحكم بالقوة أو الحروب الأهلية وغيرها من المخاطر يتحملها رب العمل.

كما اعتبر البند 19.1 أن المخاطر المذكورة من قبيل القوة القاهرة لأنها تكون خارجة عن سيطرة الأطراف، وبالتالي يتعين على الطرف الذي يتعذر عن أداء التزامه إرسال إشعار للطرف الأخر يُعلمه فيه بالواقعة التي تشكل قوة قاهرة والتي يستحيل معها تنفيذ التزامه، كما أن تبعات القوة القاهرة في حال تكبد المقاول خسائر بسبب التأخير في التنفيذ أو تكبده خسائر مالية؛ يتعين عندئذ على رب العمل تمديد مدة استكمال المشروع وتعويض المقاول عن الخسائر التي تكبدها.

كما أن البند 17.2 الخاص باعتناء المقاول بالأشغال نص على أن المقاول يتحمل المسؤولية الكاملة عن العناية بالأشغال واللوازم ابتداءً من تاريخ المباشرة وحتى تاريخ صدور شهادة تسلم الأشغال حتى تنتقل المسؤولية بعد ذلك لرب العمل، إلا أن هذا البند قد شدد على مسؤولية المقاول حيث جعله مسؤولاً عن العناية بأي عمل متبقٍ بالتاريخ المحدد في شهادة الأشغال إلى أن يتم استكمال الأعمال الأخرى

رابعاً: المخاطر الاقتصادية والقانونية

تنتج المخاطر الاقتصادية عادة عن تقلب أسعار سوق المعدات أو المواد المستخدمة أو العمالة نتيجة للتضخم؛ وبالتالي أضحت هذه المخاطر رهناً بنظام خاص يتفق عليه الطرفان، بحيث يتقاسم كلاً من رب العمل والمقاول المخاطر الناتجة عن مثل هذه التقلبات.

ووفقاً للبند 4.1 الخاص بالتزامات المقاول العامة نص على أنه يتعين على المقاول أن يصمم وينفذ الأشغال بموجب أحكام العقد ووفقًا لتعليمات المهندس وأن يصلح أي عيوب في الأعمال. كما أن المقاول يعتبر مسؤولاً عن كفاية واستقرار وسلامة جميع عمليات الموقع باستثناء ما هو منصوص عليه في العقد.

ومن ثم يُعتبر المقاول مسؤولاً عن جميع الوثائق الخاصة به والأشغال المؤقتة وتصميم أي بند من التجهيزات الآلية والمواد ليكون مطابقاً لمتطلبات العقد وفيما عدا ذلك لا يعتبر المقاول مسؤول عن الأشغال الدائمة.

وتنتج المخاطر القانونية في حال حدوث تغيرات في التشريعات الوطنية بعد سعر الأساس وتكون التغيرات حدثت بسبب تغير القوانين أو التفسير القانوني أو الرسمي أو الحكومي للقانون وبالفعل يؤثر ذلك علي المقاول فيما يتعلق بأداء التزامه وفقا لأحكام العقد.

وطبقا للبند 13.7 فإنه يتعين تعديل قيمة العقد بالزيادة أو النقصان في حال حدوث أي تغيرات في التشريعات الدولية بعد التاريخ الأساسي، وفي حال تحمل المقاول كلفة إضافية يجب عليه إخطار المهندس لتقدير مستحقاته بحيث يتم الوصول إلى اتفاق بخصوص هذه الأمور، وبالتالي تكون هذه التغيرات التشريعية ضمن مسؤوليات رب العمل.

اختلاف عبء تخصيص المخاطر بين القوانين المعمول بها

يختلف عبء تخصيص المخاطر وفقاً للقانون المطبق ولبنود العقد وأيضاً للظروف التي من غير المتوقع حدوثها والتي قد تنشأ في مدة تنفيذ المشروع[1].

فيما يخص القانون الألماني: يظل تخصيص المخاطر في القانون الألماني مشكلة فنية تماماً ولم يفهم بعد على أنه مشكلة تعاقدية؛ لأنهم ليسوا على دراية حقاً باستخدام الأشكال القياسية المختلفة من العقود وتوفير نماذج بشروط مختلفة لتوزيع المخاطر.

كما يقبل المقاولون الألمان دائماً بنموذج توزيع المخاطر يسمى قواعد العقد للمشاريع الحكومية كشروط عامة للأشغال العامة التي يجب استخدامها لجميع مشاريع الدولة الألمانية والبلديات والتي تعتبر عادة عادلة للأطراف الخاصة.

وفيما يخص القانون الإنجليزي: فيتم التعرف على نماذج فيديك القياسية بشكل عام على أنها متوازنة بشكل جيد؛ لأن كلا الطرفين يتحملان أجزاء من المخاطر الناشئة عن المشروع، وفي نظرهم من المفيد للمشروع تخصيص المخاطر وتحديدها والاعتراف بحقيقة وجود خطر محتمل عليهم تحمله.

ومن وجهه نظر ممارسو القانون المدني: فهم يعتمدوا عادة على القاعدة القائلة بأن توزيع المخاطر بشروط قياسية يجب أن يتماشى مع القاعدة المنصوص عليها في الأحكام القانونية وفي حدودها[2].

وعند تقييم المخاطر التي لا يمكن التنبؤ بها بشكل معقول من قبل مقاول متمرس فبموجب شروط الفيديك يتعين على الطرفين ابتداءً إلقاء نظرة على النماذج وتخصيص مخاطر صاحب العمل والمقاول فيما يتعلق بالطبيعة التعاقدية بينهما[3]. 


وبذلك عندما يتحمل رب العمل المسؤولية عن مخاطر معينة يتم تحسين إدارة المخاطر التعاقدية، وعندئذ يحق للمقاول تعاقدياً تمديد مدة تنفيذ الأعمال أو طلب زيادة السعر أو كلاهما معاً، وعندما يتم تخصيص مسؤولية المقاول عن مخاطر معينة، فإن ذلك لن يؤدي إلى حدوث خطر يتولد عنه الحق في الحصول على وقت أو مال إضافي لإكمال الأعمال.

وعليه، نخلص إلى أن من الأهمية بمكان تخصيص المسؤوليات التي قد تحدث أثناء مراحل تسليم المشروع المختلفة، وتثقيف المهندسين والمقاولين بشأن مسألة تخصيص وتوزيع المخاطر لتوخي الحذر؛ بحيث يتم في النهاية توزيع وتخصيص المخاطر بطريقة عادلة ومتوازنة وضرورية لتحسين نتائج المشروع.

تعد شركة شورى للمحاماة والتحكيم واحدة من شركات المحاماة المعدودة والمتميزة داخل جمهورية مصر العربية التي تولي أهمية خاصة للإدارة القانونية لعقود المقاولات على المستويين المحلي والدولي سواء في مرحلة التنفيذ كدور وقائي في تجنب النزاعات أو بعدها كدور حمائي للدفاع عن حقوق عملائنا.