قضية تحكيم بقيمة 15 مليار دولار تثير الغضب في الأوساط القانونية
2023/11/19

صدر حكم تحكيمي ضخم بقيمة 14.9 مليار دولار ضد ماليزيا في نزاع ناتج عن صفقة أراضي تعود إلى القرن التاسع عشر، والتي شكل أساساً لمعركة إنفاذ واسعة النطاق في أوروبا، مما يلقي الضوء على عمليات التحكيم الاستثنائية للغاية التي تتصدر العناوين في جميع أنحاء العالم.

أصدر المحكم الفرد غونسالو ستامبا حكماً بقيمة 14.9 مليار دولار في أوائل عام 2022 بعد أن قرر أن ماليزيا مدينة لمجموعة من ثمانية مطالبين "بقيمة الاسترداد" للحقوق المتعلقة بالأراضي المؤجرة على طول الساحل الشمالي لبورنيو في ما يعرف حالياً بـ Sabah, Malaysia. وتشتهر المنطقة بمواردها الطبيعية، بما في ذلك النفط.

الحكم هو نتاج عصر مضى واتفاقية تم توقيعها منذ حوالي 146 عامًا، في وقت كانت فيه منطقة جنوب شرق آسيا تثير اهتمامًا كبيرًا من قبل القوى الاستعمارية أنذاك كإسبانيا وبريطانيا. في ذلك الوقت، كانت المنطقة التي تعد الآن جزءًا من ماليزيا مقسمة إلى مناطق يحكمها سلاطين محليون. وكانت الاتفاقية التي تم نظرها أمام التحكيم بين السلطان محمد جمال -العالم - آخر سلطان لسولو - والتاجر الاستعماري البريطاني، ألفريد دينت. وقد ادعى المطالبون أنهم من نسل السلطان وأن ماليزيا تدين لهم في الأساس بالقيمة الإيجارية للعقار منذ عام 2013، وهو العام الذي توقفت فيه عن الدفع.

وتخوض الحكومة الماليزية معركة عنيفة ضد ادعاءات ومساعي المدعين للتنفيذ، وتصر على أن الإجراء كان اعتداءً على سيادتها، وهو ما يرفضه المدعون.

وفي ظل هذه الظروف، وخاصة مع وجود حكماً كبيراً مثل الحكم الممنوح لمطالبي سولو، ربما كان من المحتم أن يخضع التحكيم للتدقيق. لكن خبراء التحكيم يرون أن الإجراء، الذي بدأ في إسبانيا وانتهى في فرنسا وأدى إلى اتهامات جنائية ضد المحكم، كان على الأرجح سيلفت انتباه المراقبين الفطناء على أي حال.

وفي مقابلة أجرتها Law360 مؤخراً مع المستشار الخاص لشركةPillsbury Winthrop Shaw Pittman LLP، رافائيل بوزا صرح بأنه :"في هذه الحالة، يكون كل شئ استثنائي، وربما فريد من نوعه"

على سبيل المثال، نظرًا لكون الاتفاقية التي تضمنت اتفاق التحكيم المزعوم يزيد عمرها عن قرن من الزمان، فإنها لم تتضمن إشارات إلى أي هيئة تحكيم حديثة يسهل تمييزها. علاوة على ذلك، يقول الخبراء أن الكيفية التي قررت بناءً عليها المحاكم الإسبانية في المقام الأول أنها مختصة قضائياً لتعيين (ستامبا) ليست واضحة تماماً.

وقد ألغت محكمة استئناف فرنسية في وقتٍ سابق من هذا العام، تنفيذ حكماً قضائياً لصالح المدعين بعد استنتاجها أن العقد الأساسي ينص على أنه يمكن سماع مثل هذه النزاعات فقط أمام القنصل البريطاني العام في بورنيو، وهي محكمة لم تعد موجودة.

وفي حكمها، خلصت المحكمة الفرنسية إلى أنه بينما كانت الاتفاقية الأساسية لعام 1878 هي عقد إيجار، لا يمكن في هذه الحالة تعيين محكم، لأن الشخص الذي كان من المفترض أن يشغل هذا المنصب قد توفى بالفعل، وبالتالي اختفت وظيفته، وذلك وفقًا للمستشار القانوني للمدعيين، بول كوهين من 4-5 Gray’s Inn Square Chambers في لندن. وأضاف أن المدعين طعنوا في الحكم منذ ذلك الحين وهم "واثقون" من أنه سيتم إعادة العمل بأمر التنفيذ.

والأكثر إثارة للريبة، كان قرار المحكم بنقل مقر التحكيم من إسبانيا إلى فرنسا أثناء سير الإجراءات وبدون موافقة كلا الطرفين. وهي خطوة يرى العديد من ممارسي التحكيم أنها، على أفضل تقدير، استثنائية جداً.

ومن جانبهم، يرى المدعون ومحاميهم بأنه لا توجد أي مخالفات بشأن مسألة المقر. إذ صرح  كوهين لـ Law360 أنه "يحق للمحكم نقل عملية التحكيم إلى أي مكان، ولأسباب مختلفة، وأحد الأسباب الرئيسية هو تجنباً لتهديد التدخل السياسي في المقر الأصلي."

كما أضاف أنه:"علاوة على ذلك، لم تناقش المحكمة الفرنسية التي ألغت أمر التنفيذ في وقت سابق من هذا العام مسألة المقر".

ولكن يرى البعض الآخر أن الانتقال من مدريد إلى باريس قد يؤدي إلى حدوث مشكلات محتملة للمدعيين خلال سعيهم للحصول على أموالهم. وقد وصف بوزا قرار المحكم بتغيير المقر بأنه "إحدى اللحظات الحاسمة في عملية التحكيم هذه".

كما صرح أنه بموجب القانون النموذجي بشأن التحكيم التجاري الدولي الذي اعتمدته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، وهو نموذج مقبول على نطاق واسع مصمم لمساعدة البلدان على تحديث قوانين التحكيم الخاصة بها، يتمتع أطراف التحكيم بحرية الاتفاق على المقر. وهو مالم يحدث في هذه الحالة.

فعلى حد قول بوزا: "يحدد مكان التحكيم القانون الواجب التطبيق عليه، وبالتالي فإن تغيير مكان التحكيم أثناء سير الإجراءات يغير القانون الواجب التطبيق عليها"، وأضاف: "لا يمكنك القيام بذلك."

ومن المقرر أن يواجه ستامبا اتهامات جنائية في إسبانيا الشهر المقبل لنقله مقر التحكيم ، وهو ما يشكل نقضاً لأمر صادر عن محكمة مدريد بإلغاء تعيينه وأمره بوقف التحكيم بعد تقديم طعن من ماليزيا.

وقد انتقد أعضاء مجتمع التحكيم الاتهامات، إذ يرون أن الادعاء يهدد مبدأ حصانة التحكيم المقبول على نطاقٍ واسع. وفي مايو، وقع العشرات من ممارسي التحكيم من غير أصحاب المصلحة في المسألة الأساسية رسالة مفتوحة يعبرون فيها عن "ذهولهم" من محاكمة ستامبا.

وفي خضم كل ذلك، ظلت الحكومة الماليزية ثابتة في تأكيدها على أن الحكم والإجراءات الأساسية كانا غير شرعيين. كما رفضت الدولة إلى حد كبير المشاركة في التحكيم، وهو خيار قد لا يكون الأكثر حكمة، وفقًا لمستشار Pillsbury غاري جيه شو.

كما صرح بأنه "من المحتمل أن هذه لم تكن أفضل خطوة من جانب ماليزيا، لأنه كان من الممكن تجنب الكثير مما حدث لو كانت ماليزيا قد رفعت الحجج الصالحة جدًا التي قدمتها خلال إجراءات التحكيم".

وفي مقابلة حديثة، قالت وزيرة العدل والإصلاح المؤسسي الماليزية، أزاليا عثمان سعيد، لـ Law360 إن حكومتها تعتزم مواصلة مكافحة مساعي المدعين لتنفيذ الحكم.

فقد صرحت بأن لجوء المدعين للتمويل من طرف ثالث في القضية يوضح أنهم يحاولون شراء بعض الوقت عن طريق استئناف الأحكام التي تتعارض معهم، بما في ذلك حكم صادر في يونيو من محكمة استئناف هولندية رفضت فيه تنفيذ الحكم بسبب إلغاء المحكمة الإسبانية لتعيين ستامبا محكمًا في القضية.

كما قد رفضت الإفصاح عن مقدار ما أنفقته الحكومة على دفاعها ضد الحكم حتى الآن.

وقد صرحت لـ Law360بأن "تأخير العدالة هو إنكار للعدالة. فما حدث لماليزيا يمكن أن يحدث لأي دولة أخرى، حيث يتم الاتفاق مع ممولين من طرف ثالث يمولون المدعين، كما لا يوجد إفصاح، ولا اكتشاف مناسب."

وأضافت " أرى أن الانتقال من التقاضي أمام القضاء الأسباني ... إلى ولاية قضائية أخرى قبل أن نتمكن حتى من تسوية ونقض ذلك الحكم، هو أمر مثير جداً للريبة، وهذا هو السبب الأساسي وراء استمرار تأكيدي على حقيقة أن العملية لم تكن عملية شفافة للغاية".

وقد جادل كوهين في القول بأن لجوء موكليه لتمويل التقاضي غير صحيح. فعلى حد تعبيره:" "لدى الوزيرة ما يكفي من الاستشارات القانونية لمعرفة أن تمويل التقاضي تتم الاستعانة به بشكل روتيني في النزاعات القضائية ضد الدول ذات السيادة"، كما قال لـ Law360" لقد اختارت الوزيرة أن تلمح إلى وجود دافع سياسي معادٍ، بدلاً من الاعتراف بأن هناك حالات يتم فيها إنكار العدالة ما لم يتم العثور على تمويل."

كما صرح بأنه "يبدو أن الحكومة الماليزية مصممة على اكتساب سمعة بإبطال الإجراءات العادية للتقاضي التي يتم اتخاذها ضدها من قبل أي طرف أخر"، وأضاف كوهين "بالنظر إلى اعتماد اقتصادها ... على القانون الدولي والتحكيم والثقة، فإن هذا الأمر بكل بساطة يعد مُدمراً ذاتي

شهادة المحكم المحترف

إنضم إلينا في شهادة إعداد وتأهيل المحكم المحترف 80 ساعة ⏰، واكتسب المهارات التالية:

  • مهارات صياغة اتفاق التحكيم.
  • مهارات إدارة جلسات التحكيم.
  • مهارات صياغة حكم التحكيم.
  • الإدارة الفاعلة للدفاع لقضايا التحكيم


لتصلك أحدث أخبار التحكيم الدولي على الواتس اب مجانا انضم للمجموعة الان