2021/10/28

طرق التسوية الودية للديون المتعثرة

إعداد / سيف الدين البهنساوي باحث قانوني . إشراف / المحامي وليد عثمان رئيس الاكاديمية

لقد أصبح البحث عن وسائل بديلة لتسوية الديون المتعثرة بعيدا عن القضاء من المهام الرئيسية لتحسين حركة التجارة، كما أن اللجوء للتحكيم والذي كان بمثابة وسيلة موازية للقضاء ورغم مميزاته نظرياً إلا انه أصبح يواجه صعوبات عملية دعت إلى توفير تقنيات بديلة.

حيث باتت مشاكل الديون المتعثرة معضلة تؤرق أصحاب المشروعات من التجار والمستثمرين، فقد يكون التاجر حسن النية وملتزم بوفاء ديونه في أوقاتها ولكن لظروف خارجة عن إرادته يتوقف عن السداد لفترة، الأمر الذي يجعل مستقبل المشروع التجاري في خطر شهر الإفلاس، وقد لا يكون شهر إفلاس التاجر مفيد لدائنيه، بل قد يلحق الضرر بالدائنين وكذلك بالمدين التاجر أيضاً بل وقد يلحق الضرر أيضا بالدولة التي ستخسر مشروعا هاماً مفيد لها اقتصادياً.

لذلك يثور التساؤل عن أهمية البحث عن أساليب وتقنيات بديلة؟ وما هي الأساليب المتبعة عالميا كبدائل لتسوية الديون خارج المحاكم؟ وكذلك كيف تم تنظيم التقنيات البديلة في كل من مصر والسعودية؟

  • مفهوم التسوية الودية للديون المتعثرة.
  • أهمية اللجوء لبدائل للوصول لتسوية ودية للديون المتعثرة.
  • أسباب تجنب اللجوء للقضاء لحل نزاعات الديون المتعثرة.
  • لماذا لم يعد التحكيم أفضل الوسائل للوصول إلى تسوية؟
  • طرق الوصول لتسوية ودية للديون المتعثرة.
  • دور التفاوض المباشر في الوصول إلى تسوية ودية للديون.
  • دور الوساطة في الوصول إلى تسوية ودية للديون.
  • أبرز التقنيات والأساليب المتبعة عالميا في التسوية الودية للديون المتعثرة.
  • السياسات المتبعة في كل من مصر والسعودية لتسوية ودية للديون المتعثرة.

1.مفهوم التسوية الودية للديون المتعثرة.

قام البنك الدولي بوضع تعريف للتسوية الودية للديون او تسوية الديون خارج المحاكم وهي" هي ترتيبات تعاقدية خاصة غير قضائية بين المدين ودائنيه (كلهم أو بعضهم (".

يتبين من التعريف أنها تسوية مبنية على التراضي بين المدين ودائنيه، كما يكون لهم مطلق الحرية في اختيار نوع وشكل وشروط التسوية مما يضمن المرونة والسرعة في حل النزاع والوصول إلى طريقة يضمن بها كل من الأطراف حقه وتساعد في انقاذ المشروعات المتعثرة ورفع العبء عنها.

2.أهمية اللجوء لبدائل للوصول لتسوية ودية للديون المتعثرة.

 تمتلك التسوية الودية العديد من المميزات الكبرى لعل أهمها هو أنها تضمن السرعة في حل مشكلة الدين كما انها تضمن الحفاظ على السرية الضرورية لمصلحة الأطراف في تسوية الديون.

2.1. أسباب تجنب اللجوء للقضاء لحل نزاعات الديون المتعثرة.

 لم يعد اللجوء إلى القضاء أفضل الطرق لحل مسألة الديون المعثرة؛ حيث أنه ورغم كل ما يحدث في الأنظمة القضائية من تطوير إلا أن القضاء مازال من ابطأ الوسائل لتسوية المنازعات بسبب تعقيد الإجراءات وطول المواعيد وهو ما قد يكون ضار لكلا الطرفين اقتصادياً، كما أن القاضي يلتزم بتطبيق قانون الدولة وهذا قد لا يكون في صالح أحد الأطراف خاصة لو كان طرف أجنبي يصعب عليه العلم بقانون الدول الأخرى والدراية الكاملة به وبإجراءاته ، كما ان وجود فراغ تشريعي في بعض التشريعات قد لا يؤدي إلى حل النزاع القائم، ولكن الأهم هو أن عملية التقاضي تتم في علانية وهذا قد يضر بمصلحة الأطراف في الكشف لدى منافسيهم عن سرية التعاقدات والتعاملات المبرمة بينهم، ولا يضمن القضاء استمرار العلاقات الودية بين الأطراف.

في إحصائية للبنك الدولي بشأن المدة التي قد يستغرقه النزاع أمام القضاء أشارت الإحصائية للآتي

يتبين أن التكلفة المتوقعة ومتوسط المدة التي قد يقضيها النزاع أمام القضاء في الدرجة الأولى فقط كبير جداً هذا بفرض أن الحكم لم يطعن فيه بالاستئناف او النقض. 

2.2. لماذا لم يعد التحكيم أفضل الوسائل للوصول إلى تسوية؟

 رغم المميزات العديدة للتحكيم كوسيلة بديلة لفض المنازعات، إلا أن الواقع العملي أبرز مساوئ جعلت اللجوء للتحكيم لم يعد الخيار الأفضل في الوصول لتسوية. ويعد أهم هذه المساوئ أن إجراءات التحكيم من الممكن أن تطول حتى عن اجراءات المحاكم وذلك لأسباب كثيرة منها التمسك ببطلان شرط التحكيم أو اتفاق التحكيم، أو بسبب عدم التوصل لاتفاق بين الأطراف حول تعيين المحكم الوحيد أو رئيس هيئة التحكيم. كما أنه في التحكيم لا يجوز للمحكم نظر أي نزاع متفرع عن النزاع المرتبط باتفاق التحكيم ولا يجوز في بعض التشريعات أن يتم اختصام أشخاص آخرين او ادخالهم في دعوى التحكيم حتى ولو كان لهم مصلحة إلا بموافقة الأطراف. كل ذلك وأكثر جعل التحكيم له صعوبة في التطبيق العملي على مثل هذه المنازعات.

3. طرق الوصول لتسوية ودية للديون المتعثرة.

خلصنا مما سبق أن التسوية الودية بعيدا عن المحاكم هي الخيار الأفضل لجميع الأطراف. ولعل أبرز هذه الطرق هي التفاوض المباشر والوساطة الاتفاقية. وفيما يلي نعرض بإيجاز لأهمية ومميزات دور كل منهم في التسوية الودية.

3.1. دور التفاوض المباشر في الوصول إلى تسوية ودية للديون.

تُعد المفاوضات أفضل الوسائل لتسويه المنازعات المدنية والتجارية والاستثمارية، لما كان الأصل أن العقود يتم إبرامها عن طريق التفاوض والذي يؤدي الى توافق إرادة الأطراف على إحداث أثر قانوني معين، فإنه من باب أولى أن يتم فض المنازعات الناشئة عن هذه الاتفاقات والعقود وإيجاد حلول للخلافات والديون المتعثرة أيضاً بالتفاوض.

كما أن المفاوضات أكثر الطرق عملية للوصول إلى تسوية ودية؛ حيث أنها تضمن مراعاة ظروف كل طرف وتضع شروط وحقوق والتزامات يقبلها جميع الأطراف قبل حسم التسوية، فتضمن بذلك الوصول لحل مشكلاتهم وتسوية منازعاتهم في إطار من الودية الضامن استمرار علاقاتهم على عكس اللجوء للمحاكم التي يصعب معها استدامة لأي علاقات.

3.2. دور الوساطة في الوصول إلى تسوية ودية للديون.

في حالة فشل المفاوضات إما لوجود خلافات شخصية بين الأطراف أو عدم الفهم من قبل أحد الأطراف أو الأخذ في الاعتبار اعتبارات ومصالح الطرف الأخر، هنا نكون بحاجة إلى طرف محايد يعمل على تقريب وجهات النظر واقتراح حلول مبتكرة للنزاع القائم بين الأطراف وهو دور الوسيط.

تُعد الوساطة من أفضل وسائل التسوية الودية للمنازعات حتى أن معظم الدول المتقدمة تعتمد عليها بشكل رئيسي في الوصول للتسوية فتشير الإحصائيات العالمية مثلا إلى أن حوالي 80% من المنازعات في الولايات المتحدة يتم إحالتها إلى الوساطة، وأن ما يقرب من 80% من عمليات الوساطة تنجح في الوصول لتسوية ودية بين الأطراف مما يؤكد فعالية وجدوى الوساطة في الواقع العملي.   

ولعل من مميزات الوساطة أنها لا تحمل طابع الإلزام وذلك يكفل لكافة الأطراف الاحتفاظ بكل الخيارات فلا يوجد هنا طرف خاسر وطرف فائز فبالرغم من احتمالية وجود خلافات شخصية تكفل الوساطة الحفاظ على التعاملات الودية والعلاقات التجارية بين الأطراف. كما تعتبر الوساطة أقل وسائل تسوية المنازعات كلفة، وهذا يرجع إلى أن الوساطة لا تستغرق وقت طويل، ويستطيع وسيط واحد القيام بالمهمة على عكس باقي وسائل تسوية المنازعات الأخرى من القضاء والتحكيم.

4. أبرز التقنيات والأساليب المتبعة عالميا في التسوية الودية للديون المتعثرة.

وفقا لتقارير البنك الدولي؛ فقد اعتمدت أغلب الأنظمة البنكية في دول العالم المختلفة في تسوية الديون المتعثرة على خطط مختلفة لإعادة الهيكلة، وخطط إعادة الهيكلة المعدة سلفا، كما أنهم خلال الأعوام القليلة الماضية طُورت الأنظمة السابقة للإعسار والتدخل المبكر لإنقاذ المشروع المتعثر، وسمحت بعض الأنظمة الدخول في اتفاقات تمويل جديدة بهدف إنقاذ المشروع وكذلك اتفاقات مقاصة الديون.   

5. السياسات والتطبيقات المتبعة في كل من مصر والسعودية لتسوية ودية للديون المتعثرة.

5.1. في مصر:

قُدمت مبادرات من البنك المركزي لتسوية الديون غير المنتظمة تهدف بشكل أساسي لتحقيق تسوية سريعة وعادلة لهذه المديونيات، وأتاح امكانية استخدام أكثر من أسلوب للتسوية الودية من أهمها:

تحويل الديون إلى أسهم، مد فترات السداد، تخفيض أسعار الفائدة أو الإعفاء منها، التنازل عن المديونية، بيع الأصول التي لا ترتبط بالنشاط الرئيسي للشركة، إصدار أسهم جديدة، رسملة الدين، وتحويل الديون بين البنوك.

توفير قروض جديدة لبعض الشركات لضمان استمرار نشاطها، على أن تمنح تلك القروض على أقساط، مع متابعة أسلوب إنفاقها.

تشجع مجموعة البنك المركزي أيضاً وكذلك شركات التأمين وشركات رأس المال قيام شركات مساهمة بشراء مديونية الشركات المتعثرة.

كما أصدر البنك المركزي مبادرة في 30 سبتمبر 2019 وكانت تسري المبادرة على الأفراد الطبيعيين غير المنتظمين في السداد والبالغ أرصدة مديونياتهم غير المنتظمة لدى الجهاز المصرفي أقل من مليون جنيه، سواء كان متخذ أو غير متخذ ضدهم إجراءات قضائية من واقع التقرير المتاح لدى الشركة المصرية الاستعلام الائتماني). ويتم بموجب المبادرة، التنازل عن جميع القضايا المتداولة والمتبادلة لدى المحاكم فور اتفاق العميل مع بنك التعامل على شروط السداد مع قيام العميل السداد النقدي أو العيني لنسبة 50 % من صافي رصيد المديونية بدون العوائد المهمشة (رصيد المديونية مستبعدا منه الضمانات النقدية وما في حكمها) بالإضافة إلى الحذف من قوام الحظر بنظام تسجيل الائتمان بالبنك المركزي المصري والشركة المصرية للاستعلام الائتماني I-Score.

5.2. في السعودية:

في بيان للبنوك السعودية أكدت فيه التزامها بالضوابط وإجراءات التحصيل للعملاء الأفراد الصادرة من البنك المركزي السعودي قررت فيه التسوية الودية للديون المتعثرة عن طريق إعادة جدولة المديونية بناء على طلب العميل المتعثر بشرط أن يكون التعثر خارج عن إرادته.

كما أوجبت مراعاة ظروف العملاء الصادرة بحقهم قرارات تنفيذ قضائية لمصلحتها، وذلك عند تقديمهم للضمانات اللازمة، بحيث تلتزم بإتاحة خيار إعادة جدولة المديونية مع إمكانية تغيير تكلفة الأجل دون أي رسوم إضافية.

لمعرفة المزيد حول مهارات تحصيل الديون بالطرق الودية انضم للمشاركين في شهادة الوسيط المحترف