بذت المحكمة الدستورية في العديد من أحكامها منذ سنة 2002 ما ابتدعه المشرع المصري مما عرف بمصطلح التحكيم الإجباري. وهو مصطلح صنع في مصر بالمخالفة لقواعد علم التحكيم في القانون المقارن وفي الفقه المحلي والأجنبي على السواء.

تعليق علي قانون إلغاء التحكيم الإجباري

نبذت المحكمة الدستورية في العديد من أحكامها منذ سنة 2002 ما ابتدعه المشرع المصري مما عرف بمصطلح التحكيم الإجباري. وهو مصطلح صنع في مصر بالمخالفة لقواعد علم التحكيم في القانون المقارن وفي الفقه المحلي والأجنبي على السواء.

 

كل من درس التحكيم ولو دراسة أولية ، يعلم أن التحكيم قائم على الرضائية ولا مجال لإجبار طرف على اللجوء إليه.

 

والمشرع المصري إذ ابتدع هذا النوع من التقاضي فقد ابتدعه ليسند مهمة نظر نوع معين من الأنزعة لتحكيم يغلب عليه الطابع الحكومي. فهو يجبر الأطراف على اللجوء إلي تحكيم بمركز أو هيئة تتبع وزارة ما أو جهة حكومية ما. ومن هنا يفهم الباعث الذي لأجله ابتدع المشرع المصري هذه البدعة.

 

المشرع وجد أن المستثمر يبحث عن التحكيم كوسيلة محايدة لفض منازعاته ، فتفتق ذهنه لصناعة وسيلة تقاضي ظاهرها التحكيم وباطنها الحوكمة.

 

وإن باعث كذاك لم يكن عصياً على الفهم من جانب المستثمر الوطني ناهيك عن الأجنبي. لذا فقد تحول هذا الاتجاه المصري إلي سبب لنفور الاستثمار لما تبينه من عدم ملائمة البيئة القضائية التي خلقها. كما أنه كذلك لم يكن مقبولاً على الإطلاق من المحكمة الدستورية العليا في مصر إذ تولت أحكامها المتواترة منذ 2002 مهمة رد المشرع إلي جادة الصواب في هذا المضمار وإطلاعه على جوهر التحكيم كقضاء بديل.

 

وعلى إثر أحكام المحكمة الدستورية العليا وبفضلها ، ألغي عدد من النصوص التي كانت تؤسس لفكرة إجبارية التحكيم في مصر. كان من بين ما ألغي بفضل أحكام المحكمة الدستورية ذاك القسم الذي كان ينظم التحكيم الإجباري بشركات القطاع العام. وقد بقي في هذا القانون دون إلغاء جزء ينظم إنشاء ما يشبه مركزاً للتحكيم بوزارة العدل يخضع لبعض النصوص التي تنظم تعيين المحكمين وتنظم أتعاب التحكيم. والمثير للدهشة أن هذا الجزء غير الملغي في ذاك القانون العتيق يحيل لأحكام التحكيم في قانون المرافعات التي ألغيت منذ بداية التسعينات.

 

بعد تقنين قانون قانون شركات قطاع الأعمال الذي حل محل قانون شركات القطاع العام ، اتجه المشرع إلي تخفيف وطأة ميله لحوكمة التحكيم إذ حاول إظهار تقربه لفلسفة التحكيم بأن أشار من طرف خفي إلي ضرورة اتفاق الأطراف على التحكيم. الإشكالية في هذا القانون أنه يحيل الأطراف إلي التحكيم بوزارة العدل.

 

وآلية وقواعد وإجراءات التحكيم بوزارة العدل وكيفية اختيار المحكمين وتعينهم وتحديد أتعابهم وووو إلخ كل ذلك منصوص عليه بقانون شركات القطاع العام سابق الذكر والذي ألغي بقانون شركات قطاع الأعمال.

 

ومن ثم فإجراءات التحكيم في منازعات شركات قطاع الأعمال ينظمها قانون ألغي جله إلا قليل من نصوص عفي عليها الدهر.

 

موطن الضعف وانعدام الفاعلية في تحكيم تابع لوزارة أنه بمثابة تحكيم حكومي. وهو ما يتنافي ويتنافر بشدة مع فلسفة التحكيم ومع رغبة المستثمرين ومع مقومات البيئة الجاذبة للاستثمار ومع مبدأ الأمن القضائي الذي يبحث عنه المستثمر عند إبرام تعاقداً في دولة ما.

 

وحسن يفعل المشرع في المشروع المرفق بشأنه الخبر إذ اتخذ قراره بإلغاء كل نص يرمي إلي إجبار الأطراف على التحكيم.

 

ولكننا لازلنا حذرين من احتمالية ميل أو إصرار جهات حكومية لإنشاء مراكز تحكيم داخلي تخضع لإدارة موظفين بها. مثل هذه المراكز ستكبد الدولة نفقات ورواتب ومقار دون جدوي لأنه بموجب القانون المزمع إصداره (موضوع الخبر المرفق) ، فإن المستثمرين لن يلجأوا إليها ، بل سيفضلون إما اللجوء للقضاء أمام قاضيهم الطبيعي أو اللجوء لأحد مراكز التحكيم الخاصة محلياً أو خارجياً لكونها تخضع لقواعد تتفق وفلسفة التحكيم والغرض الذي لأجله نشأ كما تتفق وما يحقق البيئة القضائية الآمنة للاستثما