دور المحاسب في التحكيم الدولي
2025/07/17

يمثل التحكيم الدولي وسيلة أساسية لتسوية النزاعات التجارية والمالية بين الأطراف المختلفة، حيث يؤدي المحامون عادة الدور الرئيس في إثبات المسؤولية القانونية وتحديد المسؤول عن الخطأ. غير أن غالبية هذه النزاعات تنشأ أساسًا بسبب تكبد أحد الأطراف خسائر مالية، فتبرز مسألة تقدير التعويضات كعنصر محوري يجب معالجته منذ بدء النزاع، جنبًا إلى جنب مع المسؤولية القانونية.

تطور دور المحاسبين في التحكيم الدولي

على مدار قرن مضى، اضطلع المحامون بالدور الرئيس في إجراءات التحكيم التي تُجرى تحت إشراف محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تطورًا كبيرًا في المشهد، مع بروز دور المحاسبين الشرعيين خلال الخمسة والعشرين عامًا الماضية، حيث يعملون مع الفرق القانونية كخبراء، سواء في التحقيق في التفاصيل المالية لكشف المخالفات والتلاعبات المالية، أو في حساب قيمة التعويضات والخسائر.

وقد أصبح إسهام المحاسبين عنصرًا جوهريًا في تحقيق العدالة في إجراءات التحكيم، إذ تلجأ الأطراف عادةً إلى هؤلاء الخبراء لفك التعقيدات المالية وتقديم رؤى دقيقة لمتخذي القرار، مما يضيف قيمة حقيقية إلى العملية التحكيمية.

وفي ضوء تخصصهم، قد تُستدعى هيئات مثل المركز الدولي للوساطة وتسوية المنازعات التابع لغرفة التجارة الدولية لترشيح محاسبين لمساعدة الأطراف أو المحكمين كخبراء محايدين خلال إجراءات التحكيم، سواء للمساعدة في المفاوضات، أو كخبراء محايدين في إجراءات الخبرة أو التقييم الحيادي المبكر.

المحاور الرئيسة لدور المحاسب في التحكيم

أولًا: التحقيق المالي  Financial Detective

يقوم المحاسب الشرعي بدور المحقق المالي عبر فحص السجلات المالية والوثائق المتعلقة بالمعاملات بشكل دقيق لاكتشاف أية مخالفات أو تباينات أو حالات احتيال.

ثانيًا: تقدير قيمة الخسائر

تتمثل القاعدة الأساسية لتقدير التعويضات في إعادة المتضرر إلى الوضع المالي الذي كان سيؤول إليه لولا وقوع الفعل الضار، بقدر ما يسمح المال بذلك. ويساعد المحاسب المحكمة التحكيمية في تحقيق هذا الهدف من خلال الاستفادة من خبراته في التحليل المالي والتحقيقات والتقييم ومعرفته بالصناعة محل النزاع.

المهارات والمتطلبات المهنية للمحاسب كخبير في التحكيم

الاستقلالية

يجب على الخبير، سواء كان معينًا من طرف أحد الأطراف أو بشكل مشترك أو من قبل هيئة التحكيم، الالتزام بمساعدة الهيئة من خلال تقديم شهادة مستقلة قائمة على آرائه المتخصصة دون انحياز، على أن تكون هذه الآراء موضوعية ومستندة إلى المعلومات والأدلة المتاحة، مع احترام حدود التفويض الممنوح له فيما يتعلق بالوقائع والقانون.

القدرات الفنية

يتطلب تقدير قيمة التعويضات إلمامًا عميقًا بمعايير إعداد التقارير المالية والمعايير المحاسبية، وأساليب التقييم والمعايير الخاصة به، فضلًا عن استيعاب استراتيجيات الأعمال والتنظيمات المالية ذات الصلة. كما ينبغي للخبير أن يكون قادرًا على التعامل مع النزاعات المعقدة التي قد تشمل دعاوى ناشئة عن خرق العقود أو المصادرة غير القانونية للأصول أو الإهمال أو التعدي على حقوق الملكية الفكرية، مع تقييم السيناريوهات المختلفة للأطراف وفق الظروف الاقتصادية والعلاقات التجارية والأدلة المتاحة.

يجب كذلك على الخبير:

  • الالتزام بمجال خبرته فقط، والاستعانة بآراء خبراء آخرين أو تعليمات المستشارين القانونيين عند الحاجة.
  • اتباع الأساليب والمعايير المعتمدة للتحقيق والتقييم.
  • الالتزام بالإطار القانوني والتعاقدي للنزاع وفهم تفسير بنود العقود مثل خيار البيع في اتفاقيات المساهمين، مع استشارة المستشارين القانونيين عند الحاجة.

مهارات التواصل

نظرًا لتعقيد النزاعات، يجب على الخبير القدرة على توضيح نتائجه بوضوح إلى المستشارين والأطراف وهيئة التحكيم التي قد لا تكون لديها الخبرة الفنية الكافية في الجوانب المالية.

ويتم ذلك عبر وسيلتين أساسيتين:

1.   تقارير الخبرة: يجب أن تكون كاملة وواضحة ومختصرة، مع شرح كافٍ للموضوعات المهمة والاستشهاد بالأدلة.

2.   الشهادة الشفوية: تتطلب قدرة على عرض النتائج بوضوح أمام الهيئة والأطراف، لضمان فهم التحليلات والافتراضات والحسابات بشكل صحيح أثناء الإجراءات.

خاتمة

يمثل دور المحاسب في التحكيم، وخاصةً كخبير، عنصرًا لا غنى عنه لتحقيق العدالة، حيث يسهم بفك التعقيدات المالية وتقديم تحليلات دقيقة تساعد الأطراف وهيئة التحكيم على اتخاذ قرارات مستنيرة. ويجمع هذا الدور بين التحليل العميق والقدرة على التواصل الفعال، مع العمل تحت ضغوط المهل الزمنية القصيرة ومواجهة التحديات من الأطراف الأخرى وخبرائهم، مما يجعل المحاسبة الشرعية مهنة تتطلب الاحترافية العالية والدقة، وتفتح آفاقًا واسعة لمهنة مليئة بالتحديات وفرص الإسهام الحقيقي في تسوية النزاعات.

نقلاً عن: AccountancyAge