2025/07/16

شهد نظام المنافسات والمشتريات الحكومية في المملكة تطويرًا نوعيًا بإصدار النظام الجديد في عام 1440هـ، لمعالجة أوجه القصور السابقة ومواكبة التغيرات الاقتصادية والتقنية المتسارعة. وتحول النظام من دوره التقليدي في تنظيم المشتريات إلى أداة استراتيجية تدعم مستهدفات رؤية السعودية 2030 من خلال رفع الشفافية والكفاءة وتعزيز النزاهة، بما يسهم في خلق بيئة استثمارية محفزة ودفع عجلة النمو الاقتصادي. كما أصبح الإنفاق الحكومي وسيلة لتحقيق الأهداف الوطنية عبر دعم المحتوى المحلي، وتوفير فرص العمل، ونقل التقنية، وهي إصلاحات نالت تقدير المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي.

الأهداف والمبادئ الأساسية للنظام

يتأسس نظام المنافسات والمشتريات الحكومية السعودي على مجموعة من الأهداف والمبادئ الراسخة التي تشكل إطاره الفلسفي والتشغيلي، وتهدف إلى ضمان تحقيق أقصى قيمة للمال العام وتعزيز بيئة عمل عادلة وشفافة.

الأهداف المحورية للنظام

يسعى النظام إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي تتكامل فيما بينها لتشكيل منظومة شاملة لإدارة المشتريات الحكومية:

1.   تنظيم الإجراءات ذات الصلة بالأعمال والمشتريات, ومنع استغلال النفوذ وتأثير المصالح الشخصية فيها؛ وذلك حماية للمال العام.

2.   تحقيق أفضل قيمة للمال العام عند التعاقد على الأعمال والمشتريات وتنفيذها بأسعار تنافسية عادلة.

3.   تعزيز النزاهة والمنافسة, وتحقيق المساواة، وتوفير معاملة عادلة للمتنافسين؛ تحقيقاً لمبدأ تكافؤ الفرص.

4.   ضمان الشفافية في جميع إجراءات الأعمال والمشتريات.

5.   تعزيز التنمية الاقتصادية.

المبادئ الأساسية التي تحكم النظام

يعتمد نظام المنافسات والمشتريات على مجموعة من المبادئ الجوهرية لضمان تحقيق أهدافه بكفاءة، وهي:

  • العلانية والشفافية: تُطرح المنافسات وفق مبادئ واضحة تضمن إتاحة المعلومات المتعلقة بالأعمال والمشتريات لجميع المتنافسين بشكل موحد، بما يعزز النزاهة والثقة في الإجراءات.
  • تكافؤ الفرص والمساواة: يضمن النظام منح جميع الراغبين في التعامل مع الجهات الحكومية فرصًا متساوية ومعاملة عادلة دون أي تمييز، طالما توافرت فيهم الشروط المطلوبة.
  • تحقيق الكفاءة الاقتصادية وجودة الأعمال: يركز النظام على تحقيق المصلحة العامة من خلال تلبية الاحتياجات الفعلية للجهات الحكومية، مع الالتزام بمستويات الجودة المطلوبة وتحقيق الكفاءة في الإنفاق وإدارة الموارد.
  • التخطيط المسبق: يُلزم النظام الجهات الحكومية بالتخطيط المسبق لمشترياتها ومشاريعها قبل طرح المنافسات، بهدف تحسين إدارة الإنفاق العام وتفادي التأخير والتكاليف غير الضرورية.

ويمثل هذا النهج المتكامل بين الأبعاد القانونية والاقتصادية انعكاسًا لفهم متقدم لدور المشتريات الحكومية، إذ لا تعد حماية المال العام ومنع استغلال النفوذ مجرد غاية، بل وسيلة ضرورية لتعزيز الكفاءة الاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة. فالفساد وسوء الإدارة يضعفان القيمة الاقتصادية للمشاريع ويعطلان الأهداف التنموية، بينما يساهم هذا النهج، الذي يجمع بين الأبعاد القانونية والأخلاقية والاقتصادية، في تحقيق أفضل ممارسات الحوكمة الرشيدة. وقد أكدت منظمات دولية، مثل البنك الدولي، أهمية الأنظمة الرصينة للمشتريات العامة للدول التي تستهدف تنويع اقتصاداتها وتعزيز مساهمة القطاع الخاص في التنمية.

أساليب التعاقد في النظام الجديد

يتيح نظام المنافسات والمشتريات السعودي للجهات الحكومية مرونة في التعاقد باعتماده عدة أساليب، لضمان الشفافية والكفاءة، وهي:

o      المنافسة العامة: الأسلوب الأساسي، يضمن الشفافية عبر الإعلان لجميع المؤهلين.

o      المنافسة المحدودة: تُستخدم عند قلة الموردين أو انخفاض قيمة الأعمال، مع إعطاء أولوية للمنشآت الصغيرة.

o      المنافسة على مرحلتين: للأعمال التي يصعب تحديد مواصفاتها منذ البداية.

o      الشراء المباشر: لحالات الطوارئ أو القيمة المنخفضة.

o      الاتفاقيات الإطارية: عند عدم وضوح الكميات أو المواعيد بشكل دقيق.

o      المزايدة العكسية الإلكترونية: يخفض فيها المتنافسون الأسعار إلكترونيًا.

o      توطين الصناعة ونقل المعرفة: لدعم المحتوى المحلي والتقنية.

o      المسابقة: للحصول على تصاميم وأعمال فنية أو فكرية.

يضمن هذا التنوع تحقيق أفضل قيمة للمال العام مع سرعة الإنجاز، مع المحافظة على النزاهة والحوكمة الرشيدة في جميع التعاقدات الحكومية.

الإجراءات والمراحل الرئيسية للمنافسات والمشتريات الحكومية

يمر نظام المنافسات والمشتريات الحكومية في المملكة بعدة مراحل منظمة لضمان الكفاءة والشفافية، تشمل:

o     التخطيط المسبق: إلزام الجهات الحكومية بتحديد احتياجاتها ووضع المواصفات وتقدير التكاليف ونشر خطة المشتريات في بداية كل سنة مالية، لضمان الإنفاق الأمثل وتفادي التأخير.

o     الإعلان عبر بوابة اعتماد: طرح المنافسات إلزاميًا على -بوابة اعتماد- الإلكترونية، لتعزيز الشفافية وسهولة الوصول، مع تمديد المدد حال حدوث أعطال فنية.

o     التأهيل وتقديم العروض: تقديم الوثائق والتراخيص المطلوبة من المتنافسين لضمان الجدية والكفاءة، مع نشر جميع تفاصيل المنافسة إلكترونيًا لضمان تكافؤ الفرص.

o     فحص العروض وتقييمها: تقييم العروض وفق معايير موضوعية فنية ومالية، مع الالتزام بالشفافية وعدم تعديل الشروط بعد تقديم العروض إلا وفق النظام.

o     الترسية وإبرام العقود: ترسية العقد على أفضل عرض، مع إعلان اسم الفائز لضمان الشفافية، ومراجعة العقود الكبيرة من وزارة المالية قبل توقيعها.

o     تنفيذ العقود وصرف الدفعات: يجوز للجهة الحكومية أن تدفع للمتعاقد معها دفعة مقدمة من استحقاقه نسبة -5%- من القيمة الإجمالية للعقد، بشرط ألا تتجاوز قيمة الدفعة مبلغ خمسين مليون ريال أو ما يعادلها مقابل ضمان بنكي مساوٍ لهذه القيمة بدفعة مقدمة بنسبة 5% بضمان بنكي، مع الاحتفاظ بالضمانات حتى استكمال الالتزامات، وتعديل الأسعار فقط في حالات محددة مثل تغير أسعار المواد.

o     تقييم أداء المتعاقدين: تقييم أداء المتعاقدين بعد التنفيذ باستخدام نماذج معتمدة لتحسين الجودة والاختيار المستقبلي، دون إعلان النتائج إلا بعد اعتمادها نهائيًا.

التحول الرقمي -بوابة اعتماد-

يعد التحول الرقمي عبر -بوابة اعتماد- ركيزة أساسية لضمان الشفافية وحماية المال العام، إذ يقلل من التدخل البشري، ويوثق جميع المراحل إلكترونيًا، ويساهم في منع الفساد وتحقيق النزاهة.

ورغم التحديات مثل قضايا الأمن السيبراني ومقاومة التغيير، يمثل هذا التحول التزام المملكة بالحوكمة الإلكترونية ومعايير النزاهة والكفاءة في إدارة المشتريات الحكومية.

الأدوار والمسؤوليات للجهات الحكومية المعنية

يتسم نظام المنافسات والمشتريات الحكومية في المملكة العربية السعودية بتوزيع واضح للأدوار بين الجهات المختلفة لضمان التنسيق والكفاءة في تطبيق أحكام النظام وتحقيق أهدافه حيث تضطلع وزارة المالية بدور محوري في الإشراف على النظام وتطويره من خلال تشغيل وتطوير بوابة اعتماد كمنصة رقمية موحدة لكافة عمليات المشتريات الحكومية كما تتولى الوزارة وضع السياسات والتعليمات والأدلة الإرشادية المتعلقة بتطبيق النظام وجمع ونشر المعلومات المتعلقة بالمنافسات إلى جانب اعتماد نماذج العقود ووثائق المنافسات وتقييم المتعاقدين ومراجعة العقود التي تتجاوز مدتها سنة وقيمتها خمسة ملايين ريال قبل توقيعها لضمان الالتزام بالأحكام النظامية

أما هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية فذات دور فعال في تعزيز الأهداف الاقتصادية للنظام، حيث تُعنى بتعزيز المحتوى المحلي في المشتريات الحكومية. وقد بلغت قيمة المنافسات الحكومية المطروحة عبر منصة -اعتماد- التي تتضمن آليات المحتوى المحلي 316.4 مليار ريال في عام 2024، ووصلت نسبة تطبيق آليات وسياسات المحتوى المحلي إلى 94.1% من القيمة الإجمالية المطروحة في نفس العام. وقد ساهمت جهود الهيئة في زيادة قيمة المحتوى المحلي في المشتريات الحكومية التي تمت ترسيتها بنسبة 171% مقارنة بعام 2021، حيث بلغت حوالي 45.2 مليار ريال سعودي في عام 2022.  كما تقوم الهيئة بمراجعة المنافسات الحكومية لضمان تطبيق متطلبات المحتوى المحلي، وتتولى التعاقد على توطين الصناعة ونقل المعرفة كأحد أساليب الشراء الحكومية المستحدثة.

وتقوم الجهات الحكومية الأخرى بدور تنفيذي مباشر حيث تتولى تخطيط وطرح المنافسات واستلام وفحص العروض وتقييمها وإبرام العقود إلى جانب التزامها بتقييم أداء المتعاقدين بعد انتهاء التنفيذ باستخدام النماذج المعتمدة كما تتحقق من عدم توفر متعاقد محلي مؤهل قبل التعاقد مع متعاقد أجنبي لضمان تحقيق أفضل مصلحة للمال العام.

يعكس نموذج الحوكمة في النظام مزيجا متوازنا بين اللامركزية في التنفيذ من خلال منح الجهات الحكومية سلطة التعاقد المباشر لضمان المرونة والكفاءة وبين المركزية في الإشراف والسياسات عبر وزارة المالية وهيئة المحتوى المحلي لتحقيق الاتساق والشفافية وتطبيق السياسات الوطنية الموحدة كما يسهم هذا النموذج في تجنب البيروقراطية المفرطة المرتبطة بالمركزية المطلقة ويعزز في الوقت نفسه النزاهة والكفاءة والحوكمة الرشيدة في إدارة المشتريات الحكومية.

خاتمة

أحدث نظام المنافسات والمشتريات الحكومية في المملكة العربية السعودية تحولًا نوعيًا في المشهد الاقتصادي والإداري حيث كرس مبادئ الحوكمة الرشيدة وعزز الشفافية ورفع مستوى الكفاءة الاقتصادية في الإنفاق العام ويعد النظام أداة رئيسية لتعزيز الشفافية من خلال بوابة اعتماد التي تعمل كمنصة موحدة لتبسيط الإجراءات إلكترونيًا في جميع مراحل المنافسات مما يضمن توفير معلومات واضحة وموحدة ويقلل من الغموض ويعزز الثقة في العمليات كما تلتزم وزارة المالية بنشر بيانات الميزانية العامة والمؤشرات المالية بشكل مبسط عبر المنصات المفتوحة لتعزيز المساءلة.

يهدف النظام إلى تحقيق أقصى درجات الكفاءة الاقتصادية في المشتريات الحكومية من خلال مراجعة كراسات المنافسة قبل الطرح لضمان أفضل قيمة مقابل المال العام كما تساهم مراجعة وزارة المالية للعقود الكبيرة في ضبط الإنفاق وضمان الالتزام بالضوابط المالية ويساهم النظام في مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة من خلال تنظيم الإجراءات ومنع استغلال النفوذ وحماية المال العام مع إتاحة الفرصة لتقديم التظلمات بعد الترسية بما يعزز العدالة والشفافية وقد أشادت بذلك تقارير صندوق النقد الدولي.

كما يدعم النظام القطاع الخاص ويساهم في زيادة روح التنافس والجودة مع منح الأفضلية للأفراد والمنشآت السعودية والمنتجات الوطنية ومنتجات دول مجلس التعاون بهدف دعم الصناعات المحلية وخلق فرص العمل ونقل المعرفة وقد بلغت قيمة المحتوى المحلي في المشتريات الحكومية حوالي 45 مليار ريال في عام 2022 ويشجع النظام الشركات الأجنبية على تأسيس مقرات إقليمية داخل المملكة للحصول على المنافسات الحكومية بما يعكس دوره كأداة للتنمية الاقتصادية وتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 نحو تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط.